يرصد الباحث والأكاديمي الجزائري محمد بغداد في كتابه الجديد ”الفتنة الصغرى الفتوى الفقهية في زمن الثورات العربية” الذي يصدر خلال أيام عن منشورات ”دار الحكمة”· ويتناول هذا العمل ظاهرة الفتوى الفقهية التي صاحبت الثورات العربية، وما اصطلح على تسميته ب”الربيع العربي”، وهو المصطلح الذي تحفظ عليه الكاتب، معتبرا أنه ما يزال محل جدل معرفي واصطلاحي كبير في الساحة الثقافية العربية، وأنه تبلور فقط في ساحة التداول الإعلامي· وتناول الكاتب هذه الظاهرة، من زاوية التتبع والإحصاء لأغلب الفتاوى التي انخرطت في غمار الثورات العربية، ووقف عند أهم الشيوخ الذين أصدروا هذه الفتاوى التي صنفها الكاتب إلى نوعين: الأولى ما ذهب إلى الوقوف موقف المساند والمدعم والمحرض على الانخراط في الثورات، معتبرة إياها بالواجب الديني الذي يجب أن يقوم به المسلم، وسيؤجر عليه في الدنيا، وينال ثوابه من الله في الآخرة، وحكمه على الأنظمة السياسية بالخروج عن الصواب والحق· أما الثانية فهي تلك الفتاوى التي جزمت بحرمة مجرد الاعتصام والتظاهر، وأقسمت بأن الإسلام يحرم كل ذلك ويمنع الثورات ضد الأنظمة السياسية القائمة، مهما كانت جائرة وظالمة، وأكدت هذه الفتاوى أن من يشارك في الثورات سيعاقبه الله تعالي في الدنيا ويلحقه العذاب الأليم في الآخرة· وفي السياق ذاته، قدم الكاتب نماذج بالتوثيق لكل ”شيخ” من الشيوخ الذين أصدروا هذه الفتاوى، واحتفظ بالأمانة العلمية في نسب هذه الفتاوى لأصحابها· وفي هذا الإطار قدم فتاوى كل من الشيخ القرضاوي، والشيخ عبد العزيز آل الشيخ، والشيخ علي فركوس، وعائض القرني، والشيخ عصام البشير، والشيخ حاكم المطيري، وعدد كبير من الشيوخ الذين كانوا ”نجوما” في الثورات العربية، ولكنه في الوقت نفسه ناقش هذه الفتاوى بالكثير من التساؤل، من زاوية الآليات الفقهية التي تتحكم في إصدار الفتاوى في الأدبيات الفقهية القديمة· وتناول بغداد في كتابه بالكثير من العمق في الطرح والنقاش، قضية مهمة تتمثل المنظومة الفقهية الإسلامية، من حيث تاريخها ومضمونها الفكري والسياسي والثقافي، ووقف عند أبرز محطاتها التاريخية وإنتاجاتها الفقهية، التي أسست بتراكم العصور إلى ما يسمى بالفقه السياسي، حيث تناول علاقة السياسي بالفقهي في إطار حركة التاريخ· من ناحية أخرى، طرح الكاتب مسألة ثانية تتمثل في صراع النخب في الوطن العربي، وبالذات موقف النخب العلمانية من هيمنة الفتوى الفقهية على فضاء الثورات العربية، وتوقف عند الجدل الثقافي القائم بين هذه النخب، والنخب الفقهية من حيث الموقف والخطاب والتداعيات، حيث أوضح هنا في تصريحات ل”البلاد” أن العلمانيين قابلوا تلك الفتاوى ب”العويل والصراخ والإدانة وخيبة الأمل من الشعوب ومن الغرب”· وينتظر أن يثير هذا الكتاب الكثير من النقاش، كون صاحبه تناول قضية الربيع العربي التي ما تزال في بدايتها، من حيث النشأة والتناول، وأيضا من جهة القضية الأساسية المتعلقة بقضية الفقيه وعلاقته بحركة المجتمع·