بمبلغ بسيط يقدر ب 20 دينار أو حتى ب 15 دينار في عدة مدن داخلية يمكن للجزائري أن يرتشف فنجان قهوة، ولكن هل تساءل الجزائري عن ذلك السائل البني الثقيل نوعا ما الذي يتناوله صباحا وبعد الغذاء وفي المساء وفي الليل من المقاهي المنتشرة في كل مكان وعن كيفية صنع تلك الكمية من الماء الساخن ومسحوق القهوة؟ هناك من حذر من مخاطرها الصحية بالنظر إلى الآلات التي تصنع بها والجواب كان مثيرا جدا وعلى لسان الباعة في بعض المقاهي، لعلاقاته المباشرة على صحة المستهلك من جهة ويحتاج إلى التحقيق أيضا· الجزائريون يشربون القهوة بنهم وبشراهة وبشكل لافت للانتباه، في كل مكان، في الشوارع في المقاهي وفي الصالونات وفي أماكن العمل وحتى أمام أبواب العمارات وفي حافة الطرقات، المهم أن الجميع يرتشف فنجان قهوة سواء كان الفنجان زجاجي الصنع أو من الكرتون وحتى من البلاستيك، المهم قهوة تعدل المزاج، في ظاهرة نجدها كثيرا في الجزائر· ساكنة في دماء الجزائريين فالملاحظة الأولية لأي زائر لبلادنا، الإقبال الكبير لدى الجزائريين على شرب القهوة وخصوصا القهوة المعصورة بقوة والتي تصبح مثلما يقول الجزائريون تشبه ”الاسمنت” وهي مخلوطة بالرمل والماء، والأهم في كل هذا أنها تعدل المزاج وتعطي للشخص قوة وراحة نفسية غريبة· للأسف السؤال كان وجيها وتلفه العديد من الاستفهامات النابعة من عدم معرفتنا بطريقة صنع القهوة التي تعرضها آلات ايطالية واسبانية وفرنسية وصينية أيضا، العملية بسيطة جدا ولكنها في النهاية تعطينا قهوة بنكهة رائعة لا تضاهيها روائح أخرى، فقليل من القهوة المرحية بحجم 100 غرام يوضع في مصفاة مصنوعة من الألمنيوم أو الحديد المعدل وتعصر بقليل من الماء الذي يمر عبر أنبوب حديدي هو الآخر، ماء ساخن، ساخن جدا لتقطر القهوة في فنجان في أقل من 90 ثانية، أي دقيقة وثلاثين ثانية كافية لأن تجد قهوة رائحتها زكية وطيبة ويشمها القاصي والداني، بل وتثير رغبة المارة لأخذ فنجان آخر· يقول جمال الدين عمران وهو شاب في الثلاثين من عمره يشتغل في مقهى بدرفانة بالعاصمة، أن وسائل عصر القهوة دائما تغسل بماء الجافيل، أي أنها تبيت في الماء الساخن وقليل من ماء الجافيل المطهر تجنبا لأي بقاء لشوائب منتوج القهوة· واللافت للانتباه أن الكثير من المقاهي لا تولي اهتماما لهذه الملاحظة، ومفادها أن هناك من أصحاب المقاهي يضعون عصارة القهوة وغالبا ما يكون عددها ثلاثة أو أربعة حسب حجم آلة عصر القهوة في إناء من الماء والجافيل لتنظيفها تجنبا لأي مشكلة، لكن في المقابل، يقول عمي محمد وهو صاحب مقهى عتيقة بساحة الشهداء في تصريح مماثل ل”البلاد” أن القهوة كانت زمان أما الآن، أنواع محلات بيع القهوة المعصورة جيدة ولكن ”يا لمبيض من برا واش حالك من داخل”· وأشار المتحدث إلى أن هناك مشكلة أيضا في مسحوق القهوة الذي يشتريه صاحب المحل بكميات هائلة، حيث يجد أنه ليس مسحوق القهوة مائة في المائة، بل وأحيانا نشك أنها مخلوطة بالقمح· المطالبة بآلات صحية من جانبه يقول طبيب الأمراض المعدية، محمد بن عبد الرحمان، أن القهوة مقوية للذاكرة وفوائدها كثيرة ولكن أخطر مافيها أنها تكون صالحة للشرب وهو الأهم، حيث إنها عندما تبيت 24 ساعة في إناء من الألمنيوم أو التيفال أو الحديد الصلب غير المضاد للصدأ هو الذي يسبب الأكسدة والتي تشكل خطورة كبيرة على صحة الإنسان· وبلغة بسيطة، فإنه يمكن للإناء أن يسرب مواد سامة هي التي تؤثر على صحة الإنسان في حالة ما إذا لم يتم الاعتناء بنظافة الآلة التي تعصر القهوة· وأضاف الدكتور في تصريح صحفي ل”البلاد”، أن الأهم هو النظافة في وسائل صناعة القهوة، مشيرا إلى أنه حتى الآلة التي تعصر القهوة يجب تنظيفها في كل يوم بمواد معقمة ومطهرة، تدخل في الاعتناء بصحة الزبائن· من جهة أخرى، أشار المتحدث إلى أنه حتى آلة طهي القهوة التي تستعمل في المنازل يجب أن تتعقم في كل يوم، لأن القهوة تفعل الكثير ببقائها غير نظيفة إن تم شرب القهوة والانتهاء منها· كما طالب المتحدث العائلات وخصوصا النساء بتنظيف عصارة القهوة المنزلية أو ”البريس” مباشرة بعد طهي القهوة تجنبا لأكسدة تحصل على مستوى المواد المصنعة لتلك الآلة ”العجيبة ”ولكنها خطيرة جدا، مشيرا إلى أن الكثير من الأسر تترك العصارة ليلة كاملة دون تنظيفها إلا أثناء إعادة طهي القهوة وهذا أمر خطير جدا· وأشار إلى أن هناك آلات تباع في الأسواق وحتى تستعمل في المقاهي لا تراعي شروط الصحة لأنها لا تصنع من الصلب المعالج ضد الصدأ والمطلي بمواد مضادة للأكسدة· ”قهوة وفارو أحسن من السلطان في دارو”!! هذا شعار الجزائريين بمختلف فئاتهم وظروفهم الاجتماعية حتى وعن اختلفوا في الكثير من الأشياء، إلا أنهم لا يختلفون في هذا الشعار أن ”القهوة وفاروا خير من السلطان في داروا”، شعار أو حكمة صحيحة، لأن الكثيرين يرون أن تدخين سيجارة لا يمر دون نكهة القهوة ولكن أي قهوة، ليست القهوة التي تصنعها الأم أو الزوجة في البيت، بل قهوة المعصرة الخاصة في محلات وصالونات القهوة، التي تكون ثقيلة جدا ونوعيتها أجود حسب تعبير الكثيرين ممن يرون أن شرب القهوة بمعنى القهوة يكون في مقهى وليس في البيت· عند الخروج إلى الشارع اتضح أن الموضوع شيق جدا ومليء بالحقائق وحتى بالدعابة والطرافة أيضا خصوصا في قلب الأحياء الشعبية· كما أننا وقفنا على حقيقة مفادها أن الآلاف من الجزائريين إن لم نقل الملايين لا يستغنون عن قهوة الصباح مهما كان الأمر، وشربها يختلف من شخص الى آخر ولكن في الأخير المهم أن شرب القهوة أمر لا مفر منه· فهل صحيح أن فنجان قهوة وسيجارة أحسن من أن يكون السلطان في قصره مثلما يقول المثل الشعبي الجزائري، وهل لهذا الحد تعد القهوة عبارة عن عادة لا يمكن للجزائري أن يتخلى عنها خصوصا في الصباح الباكر؟ وهل يمكننا أن نقول إن الجزائري أسيرا للقهوة في المرتبة الأولى والسيجارة أيضا في المرتبة الثانية وبأقل حدة؟ئ· اختزل كريم في حديثه ل”البلاد ”معنى ”شرب القهوة”، بأنها مثل الهواء الذي يستنشقه كل صباح فلا يمكنه أن ينسى شربها بعد الاستيقاظ من النوم· المفاجأة الحقيقية هي أن الكثيرين يشربون القهوة في البيوت ولكنهم في الصباح يحبذون شرب القهوة التي تعصرها المعصرة لتكون ثقيلة جدا، بل ويشربونها مرتين أو ثلاث مرات، وهو ما يعني أن قهوة المقهى أحسن بكثير من القهوة التي تطهى في البيت، لأن هذه الأخيرة ليست ثقيلة· أما عن طريقة شربها فذلك كلام آخر، لأن الكثيرين ممن يشربون القهوة وخصوصا الرجال يرتشفونها قطرة قطرة، بل وهناك من يبقى يشرب فنجانه لمدة تزيد عن الساعة، لأن في ذلك حكمة؟ ما الحكمة من البطءفي شرب القهوة؟ سؤال جوهري طرحناه على العشرات من الشباب، فكان الجواب متشابها إلى أبعد الحدود بل وربما نفسه، فإن الحكمة من التباطؤ أثناء شرب القهوة، هي التمتع بذوقها، وكأن الشارب يتعامل مع نوعية من المأكولات اللذيذة، التي لا يمكنه أن ينهيها في لحظات مثل شرب الماء، بل القهوة هي عبارة عن فن في ذاته، لأن هناك الآلاف من الجزائريين ممن يشربونها مع السجائر، ويقضون أوقاتهم الممتعة مع فنجان قهوة صغير جدا يدفعون لأجله مبلغا بسيطا وهناك حتى من المقاهي في المدن الداخلية من تبيع فنجان قهوة بعشر دنانير فقط· وتبقى القهوة بالنسبة للشاب محمد الذي عدّد سنوات شربه للقهوة بالقول ”منذ أن أخذت السيجارة الأولى وكان عمري وقتها 16 سنة بدأت أشرب القهوة، وبيني وبينكم فهي عبارة عن عادة لا يمكن أن أتخلص منها وعمري الآن 32 سنة”· هذا الشاب الذي يعمل في محل لبيع الملابس، فسر لنا طريقة شربه للقهوة وكأنه اشترى سيارة بعد سنوات من جمع المال لدفع ثمنها، فهو يرى أن القهوة هي المفتاح الأول ليومياته في سوق أول ماي، فقبل أن يبدأ في البيع، يذهب إلى مقهى السوق المغطى لإحضار قهوته الصباحية بل وأحيانا يقطع مسافة لإحضار قهوته اللذيذة، وبعدها يجلس على كرسي ليضع قهوته بجانبه وهي المعبأة في فنجان من الورق تجده يسحب سيجارته ليبدأ في ارتشاف القهوة ببطء شديد، وهنا يبدأ في العمل، وتبدأ القهوة تفعل مفعولها القوي لتوقظه من النوم، وتفطنه جيدا· والغريب في الأمر أنه لا يكمل قهوته بل يضعها جانبا إلى أن يعود إليها، بين حين وآخر وقد تبقى لديه طول النهار ولكنه يتلذذ في شربها مع سيجارة· هل القهوة إدمان؟ سؤال محير ولكنه يطرح نفسه بإلحاح كبير، حيث إن الكثيرين يعترفون بأنهم لا يستطيعوا الاستغناء عن شرب تلك المادة البنية والتي تحمل رائحة مميزة·
بالأرقام :
يستهلك الجزائريون مليار و500 ألف لتر من القهوة، وهو نصف ما يستهلكونه من الحليب المقدر بثلاثة ملايير لتر من الحليب الجزائريين يصنفون في المرتبة 33 عالميا من حيث الاستهلاك الفردي للقهوة· الجزائر في المرتبة الثانية عربيا بعد لبنان من حيث استهلاك الفرد الواحد لمادة القهوة· واردات الجزائر من القهوة في تزايد مستمر من سنة إلى أخرى ارتفع حجم الواردات الجزائرية من مادة القهوة أو البن بكافة أنواعه المحمص وغير المحمص إلى 135 ألف و390 طن سنة ,2011 كلها على شكل حبوب غير منزوعة الكافيين، وليست بودرة، يتم طحنها وتصنيعها وتحويلها إلى بودرة وتعليبها في المصانع المتواجدة في الجزائر· الميزانية المخصصة لاستيراد القهوة تسجل تزايدا مستمرا، حيث بلغت 265 مليون دولار أمريكي السنة المنقضية·