في إطار إعادة تأهيل السجناء وإدماجهم في المجتمع ولكون العقوبة لم تعد وحدها الوسيلة الناجعة للرّدع فقد تبنى المشرع الجزائري وسيلة علاجية هدفها الارتقاء بالمحبوسين لإعادة تأهيلهم اجتماعيا، بنظام الإفراج المشروط يقضي خلاله المسجون جزءا من العقوبة السالبة لحريته وفق شروط مسبقة محددة قانونا، وهو ما سنستعرضه في موضوعنا هذا· لقد عرف نظام الإفراج المشروط في التشريعات العقابية بأسماء مختلفة، إذ سمي بالإفراج الشرطي في القانونين المصري والأردني، كما يسمى بالإفراج تحت الشرط طبقا للتشريع السعودي، وكذلك بالإفراج بإسقاط العقوبة ضمن التشريع السوداني، في حين يسميه المشرع الجزائري الإفراج المشروط، ما مكن حسب الإحصائيات 9 آلاف سجين من الاستفادة من تدابيره· وقد ظهر نظام الإفراج المشروط لأول مرة في القرن التاسع عشر سنة 1885 الذي جاء نتيجة الثورة الفرنسية، ولكن الفقهاء اختلفوا حول نشأة هذا النظام واتفق معظمهم على أنه ظهر لأول مرة بالمملكة المتحدة في منتصف القرن التاسع عشر، ليتم اعتماده بسائر الدول الأوروبية الأخرى على غرار فرنسا البرتغال وألمانيا· وتماشيا مع التشريعات الحديثة، تبناه المشرع الجزائري لأول مرة سنة 1972 من خلال الأمر 72/02 المؤرخ في 10/02/1972 والمتضمن قانون تنظيم السجون وإعادة تربية المساجين، والذي تلته فيما بعد مراسيم مطبقة له، إلى أن تم تعديله بموجب القانون رقم 05/04 الصادر بتاريخ 06/02/2005 والمتضمن كذلك قانون تنظيم السجون وإعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين· وتبعا لذلك، فإن الإفراج المشروط حسب ما نصّ عليه قانون إدارة السجون بالجزائر، يمكّن نزيل المؤسسة العقابية الذي قضى فترة اختبار من مدة العقوبة المحكوم بها عليه أن يستفيد من الإفراج المشروط إذا كان حسن السيرة والسلوك وأظهر ضمانات جديدة لاستقامته، إذ تحدد فترة الاختبار بالنسبة للمحبوس المبتدئ بنصف العقوبة المحكوم بها عليه، فيما تحدد فترة الاختبار بالنسبة للمحبوس المعتاد الإجرام بثلثي العقوبة المحكوم بها عليه، على ألا تقل مدتها في جميع الأحول عن سنة واحدة· كما تحدد فترة الاختبار بالنسبة للمحبوس المحكوم عليه بعقوبة السجن المؤبد بخمس عشرة سنة، وتعد المدة التي تم خفضها من العقوبة بموجب عفو رئاسي كأنها مدة حبس قضاها المحبوس فعلا، وتدخل ضمن حساب فترة الاختبار، وذلك فيما عدا حالة المحبوس عليه بعقوبة السجن المؤبد· ويمكّن هذا القانون المستفيد من الإفراج المشروط دون شرط، كل محبوس أبلغ السلطات المختصة عن حادث خطير قبل وقوعه من شأنه المساس بأمن المؤسسة العقابية، أو يقدم معلومات للتعرف على مدبريه، أو بصفة عامة يكشف عن مجرمين وإيقافهم، فيما لا يمكن للمحبوس أن يستفيد من الإفراج المشروط، حسب الأستاذ لخلف شريف، محام معتمد لدى المحكمة العليا ومجلس الدولة، ما لم يكن قد سدد المصاريف القضائية ومبالغ الغرامات المحكوم بها عليه، وكذا التعويضات المدنية أو ما يثبت تنازل الطرف المدني له عنها· وفي جميع الحالات ألا يكون مسبوقا قضائيا في الجرم نفسه· لجنة وزارية لها سلطة التقدير وللنائب العام حق الطعن وأوضح محدثنا أنّ المحبوس يقدم طلب الإفراج المشروط شخصيا أو دفاعه أو مدير المؤسسة العقابية· كما يمكن أن يقدّم على شكل اقتراح من قاضي تطبيق العقوبات، ليحيل هذا الأخير الطلب على لجنة تطبيق العقوبات للبت فيه وفقا لأحكام هذا القانون· ويستلزم في حال كان طالب الإفراج المشروط محبوسا حدثا أن تتضمن اللجنة عضوية قاضي الأحداث، بصفته رئيس لجنة إعادة التربية وكذا مدير مركز إعادة التربية وإدماج الأحداث، ويجب أن يتضمن ملف الطلب تقريرا مسببا لمدير المؤسسة العقابية أو مدير مركز إعادة التربية وإدماج الأحداث، حول سيرة وسلوك المحبوس والمعطيات الجدية لضمان استقامته وكلّ حسب حالته، ليصدر بعدها قاضي تطبيق العقوبات مقرر الإفراج المشروط، بعد أخذ رأي لجنة تطبيق العقوبات، إذا كان باقي العقوبة يساوي أو يقل عن 24 شهرا، ويبلغ المقرر إلى النائب العام عن طريق كتابة ضبط المؤسسة العقابية فور صدوره ولا ينتج أثرهُ إلاّ بعد انقضاء أجل الطعن· وفي السياق ذاته، فإنّ قانون إدارة السجون يخول الحق للنائب العام للطعن في مقرر الإفراج المشروط أمام اللجنة المختصة في أجل 8 أيام من تاريخ التبليغ، كما أن للطعن في مقرر الإفراج أمام هذه اللجنة أثرا موقفا، حيث تبت لجنة تكييف العقوبات وجوبا في الطعن المرفوع أمامها من النائب العام خلال مهلة 45 يوما ابتداء من تاريخ الطعن، ويعد عدم البت خلالها رفضا للطعن· ·· ولوزير العدل رأي قبل إصدار مقرر الإفراج طبقا للمادة 142 من قانون إدارة السجون، فإن وزير العدل، حافظ الأختام، هو من يصدر مقرر الإفراج المشروط عن المحبوس الباقي على انقضاء مدة عقوبته أكثر من 24 شهرا، فيما تنصّ المادة الموالية لها على إحداث وزير العدل، حافظ الأختام، لجنة لتكييف العقوبات، تتولى البت في الطعون، بينها تلك التي يتقدم بها المحبوس أو النائب العام بخصوص مقرر التوقيف المؤقت لتطبيق العقوبة أو مقرر الرفض أمام اللجنة السالف ذكرها، بعدما يكون قاضي تطبيق العقوبات قد أخطر به النيابة العامة والمحبوس بمقرر التوقيف المؤقت لتطبيق العقوبة أو الرفض في أجل أقصاه 3 أيام من تاريخ البت في الطلب· وفي حال بلغ علم وزير العدل أنّ مقرر قاضي تطبيق العقوبات يؤثر سلبا على الأمن أو النظام العام، فله أن يعرض الأمر على لجنة تكييف العقوبات في أجل أقصاه 30 يوما· أما في حال إلغاء المقرر يعاد المحكوم عليه المستفيد إلى المؤسسة العقابية لقضاء باقي عقوبته· لتبقى دراسة طلبات الإفراج المشروط من اختصاص وزير العدل الذي من شأنه البت وإبداء رأيه فيها قبل إصداره مقررات بشأنها، وتحدد تشكيلة هذه اللجنة وتنظيمها وسيرها عن طريق التنظيم· ·· واستشارة والي الولاية حفاظا على الأمن يجوز لقاضي تطبيق العقوبات أو لوزير العدل، حسب نص المادة 144 من ذات القانون، أن يطلب رأي والي الولاية التي يختار المحبوس الإقامة بها قبل إصدار مقرر الإفراج المشروط، على ضرورة أن يخطر الوالي ومصالح الأمن المختصة بمقرر الإفراج المشروط· الإفراج قابل للإلغاء والظروف الصحية عامل للاستفادة منه يمكن لقاضي تطبيق العقوبات أو وزير العدل، أن يُضمّن مقرر الإفراج المشروط التزامات خاصة وتدابير مراقبة ومساعدة، فتكون مدة الإفراج المشروط عن محبوس لعقوبة مؤقتة، مساوية للجزء الباقي من العقوبة وقت الإفراج، إذ تحدد مدة الإفراج المشروط عن المحبوس المحكوم عليه بالسجن المؤبد ب 5 سنوات، فإذا لم تنقطع مدة الإفراج المشروط عند انقضاء الآجال المحددة، اعتبر المحكوم عليه مفرجا عنه نهائيا منذ تاريخ تسريحه المشروط· كما يجوز لقاضي تطبيق العقوبات أو لوزير العدل، إلغاء مقرر الإفراج المشروط إذا صدر حكم جديد بالإدانة أو لم تحترم الشروط المنصوص عليها بهذا القانون، وفي حالة الإلغاء من طرف قاضي تطبيق العقوبات، يمكن للنيابة أن تسخر القوة العمومية لتنفيذ هذا المقرر، ويترتب إلغاؤه بالنسبة للمحكوم عليه قضاء ما تبقى من العقوبة المحكوم بها عليه، وتعد حينها المدة التي قضاها في نظام الإفراج المشروط عقوبة مقضية· كما يمكن للمحكوم عليه نهائيا الاستفادة من الإفراج المشروط بموجب مقرر من وزير العدل، لأسباب صحية إذا كان مصابا بمرض خطير أو إعاقة دائمة تتنافى مع بقائه في الحبس، ومن شأنها أن تؤثر سلبا وبصفة مستمرة ومتزايدة على حالته الصحية البدنية والنفسية· وبهذا الخصوص يشكل ملف الإفراج المشروط لأسباب صحية، من طرف قاضي تطبيق العقوبات، ويجب أن يتضمن فضلا عن تقرير خبرة طبية أو عقلية يعده ثلاثة أطباء أخصائيين في المرض يسخرون لأجل هذا الغرض، يخضع خلالها المفرج عنه بشرط لأسباب صحية لنفس الشروط والتدابير المنصوص عليها بهذا القانون ما لم تتناف مع حالته الصحية· ولا يشمل الإفراج المشروط المتورط في قضايا اختلاس الأموال العمومية أو المتاجرة في المخدرات أو المساس بأمن الدولة وكذا الجرائم الإرهابية· ويبقى هذا النظام محل انتقاد بعض رجال القانون ممن استهجنوا عدم تمكين بعض طالبيه منه مع متوفر فيهم شروطه، على غرار أحد السجناء وهو إطار بشركة أحد المتعاملين للهاتف النقال بالجزائر، تمت إدانته سنة 2010 أمام محكمة الحراش ب 18 شهرا حبسا نافذا ليصبح حكما نهائيا بتأييد من مجلس قضاء الجزائر، حيث استنفذ جميع الإجراءات القانونية لأجل الاستفادة من الإفراج المشروط، إلا أنّ طلبه قوبل بالرفض، شأنه شأن مدير وكالة بنكية جرت محاكمته أمام محكمة عبان رمضان، وآخر سرق هاتف نقال وأدين أمام محكمة بئر مراد رايس نال هو الآخر نفس الرد السلبي· كما لم يحظ محبوس آخر حكم عليه بسنة حبسا نافذا لتزويره وثائق إدارية أدرجها ضمن ملف لطلب تأشيرة الدخول إلى التراب الفرنسي، وهي أمثلة على سبيل المثال لا الحصر أعاب خلالها رجال القانون خلفيات عرقلة الجهات القضائية وعلى رأسها اللجنة الوزارة المكلفة بدراسة الملفات، لمطالب موكليهم وتارة يكون الردّ متأخرا، حيث يبقى من عقوبة المحبوس ما لا يستدعي قيام السجين بطلب الإفراج المشروط، حيث أكد من تحدثنا إليهم أن الكثير من النزلاء يتلقون قرار قبوله الإفراج عنهم بشرط بمدة وجيزة قبل انقضاء مدة محكوميتهم، متسائلين عن كيفية تعامل جهاز القضاء مع ملفات طلب الإفراج المشروط، في وقت يخول لهم وبقوة القانون مساعدة النزلاء، لاسيما المحكوم عليهم بعقوبات طويلة المدى، فضلا عما تشهد المؤسسات العقابية من اكتظاظ· فيما تشير إحصائيات إدارة السجون لاستفادة ما يربو عن 9 آلاف سجين من الإفراج المشروط، استوقفتنا بينهم حالة مدمن مخدرات جرت محاكمته عن حيازة واستهلاك المخدرات، لتتم إدانته بسنتين حبسا نافذا غير أنه وأثناء قضاء فترة عقوبته تدهورت حالته الصحية وبتشخيص حالته اتضح أنه أصيب بداء السرطان وارتأى طبيبه المعالج بالمؤسسة العقابية مغادرة المؤسسة العقابية حتى يتلقى علاجه خارج المؤسسة ويقضي ما تبقى له وسط أفراد عائلته· كما استفاد آخر تورط وصديقه في سرقة سيارة سيدة وهما تحت تأثير المشروبات الكحولية ونظرا لسلوكه داخل المؤسسة العقابية ورغبته في العودة للاندماج بالمجتمع، نال طلبه للإفراج المشروط قبول اللجنة الوصية·