الرابطة الأولى موبيليس: مولودية وهران تسقط في فخ التعادل السلبي امام اتحاد خنشلة    إجتماع أوبك/روسيا: التأكيد على أهمية استقرار أسواق النفط والطاقة    المؤسسات الناشئة: ضرورة تنويع آليات التمويل    تصفيات كأس إفريقيا-2025 لأقل من 20 سنة/تونس-الجزائر: ''الخضر'' مطالبون بالفوز لمواصلة حلم التأهل    تنظيم الطبعة ال20 للصالون الدولي للأشغال العمومية من 24 إلى 27 نوفمبر    لجنة تابعة للأمم المتحدة تعتمد 3 قرارات لصالح فلسطين    الذكرى 70 لاندلاع الثورة: تقديم العرض الأولي لمسرحية "تهاقرت .. ملحمة الرمال" بالجزائر العاصمة    الرئاسة الفلسطينية تؤكد ضرورة قيام المجتمع الدولي بالعمل الفوري على وقف العدوان الصهيوني المتواصل عل الفلسطينيين    مولي: الاجتماع المخصص للصادرات برئاسة رئيس الجمهورية كان مهما ومثمرا    ميلة.. تصدير ثاني شحنة من أسماك المياه العذبة نحو دولة السينغال    بنك الجزائر يحدد الشروط الخاصة بتأسيس البنوك الرقمية    أوبرا الجزائر تحتضن العرض الشرفي الأول للعمل الفني التاريخي ملحمة الرمال " تاهقارت"    منظمة العفو الدولية: المدعو نتنياهو بات ملاحقا رسميا بعد مذكرة المحكمة الجنائية    الاتحاد العام للجاليات الفلسطينية في أوروبا يثمن قرار الجنائية الدولية باعتقال مسؤولين صهيونيين    الرابطة الأولى موبيليس: شباب قسنطينة يفوز على اتحاد الجزائر (1-0) ويعتلي الصدارة    ضرورة تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في الآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء وتكثيف الدعم لها لضمان تحقيق أهدافها    الفريق أول شنقريحة يشرف على مراسم التنصيب الرسمي لقائد الناحية العسكرية الثالثة    ربيقة يستقبل الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت    اجتماع تنسيقي لأعضاء الوفد البرلماني لمجلس الأمة تحضيرا للمشاركة في الندوة ال48 للتنسيقية الأوروبية للجان التضامن مع الشعب الصحراوي    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    سوناطراك تجري محادثات مع جون كوكريل    هذه حقيقة دفع رسم المرور عبر الطريق السيّار    مكتسبات كبيرة للجزائر في مجال حقوق الطفل    حوادث المرور: وفاة 11 شخصا وإصابة 418 آخرين بجروح بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    أدرار: إجراء أزيد من 860 فحص طبي لفائدة مرضى من عدة ولايات بالجنوب    توقيف 4 أشخاص متورطين في قضية سرقة    توقيف 55 تاجر مخدرات خلال أسبوع    عطاف يتلقى اتصالا من عراقجي    الجزائر العاصمة.. وجهة لا يمكن تفويتها    بوغالي يترأس اجتماعا لهيئة التنسيق    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الجزائر تتابع بقلق عميق الأزمة في ليبيا    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    دعم حقوق الأطفال لضمان مستقبل أفضل    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    مصادرة 3750 قرص مهلوس    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    شايبي يتلقى رسالة دعم من المدير الرياضي لفرانكفورت    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    ماندي الأكثر مشاركة    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد مراح: دماء عربية يهودية في صحن ساركو الانتخابي
نشر في البلاد أون لاين يوم 26 - 03 - 2012

في زيارة خاطفة لم تدم أكثر من ثلاثة أيام حيث باريس قبلة اللاهثين وراء الأضواء ووراء حرية الجن وتيه الملائكة، صدمتني لافتة عادية بمطار أورلي الدولي وذلك بعدما وضعت قدمي على أرضية المطار، اللافتة عنوانها واضح ورسالتها لبني جنسي من «أعراب» وأغراب غير أوروبيين، ومختصرها أنك في «فرنسا»، حيث الحرية والمساواة والإخاء، شعار رنان، نقرأه في الكتب وتطلع عليه في ماركات العطور، أما في مطار أورلي، وعند بوابة الخروج، فإنك وقبل أن تأخذ مكانك في طابور يقودك إلى رواق تأشيرة الخروج من المطار والمرور إلى بلد «الجن والملائكة»، فإن بصرك ستخطفه منك لافتة بلونها الأزرق الفاقع و«الفاجع» لونه، تنبهك بأنك إذا لم تكن أوروبيا فإن «رواقك» غير رواق الجنس الأوروبي الأصفر.. والمهم، أن بلد «المساواة» تكشف لك عند مخرج مطار أورلي أن «المساواة» قصيدة باريسية مفعمة بالخيال، فالبشرة السمرة والاسم العربي يفرضان عليك أن تتكدس مع بني جلدتك في انتظار دورك لدمغ جواز سفرك وتأكيد وصولك، ووسط هذا وذاك لك من «حرية» فرنسا أن تراقب كيف يعاملون بني جلدتهم ولونهم الأوروبي في رواقهم «الخاص».. هم يمرون بسرعة ودون «طابور»، أما نحن حيث الواحد بعد الآخر، فإن التدقيق في ملامحك أمر كفله «قانونهم» لهذا الجنس الثاني، وخاصة وسط ظروف معينة كالتي زامنت رحلتنا إلى فرنسا، حيث كان كابوس «محمد مراح» القاتل ذو الأصول الجزائرية يخيم على الأحداث وعلى المطار وعلى الملامح الفارة من تهمة الإرهاب المقترن باريسيا بالإسلام..
لقد وصلنا إلى باريس في اللحظة التي كانت فيها فرنسا تتابع على «عين» وساق فصول ما أطلق عليه ساركوزي «مأساة وطنية» بعدما تمكن شاب لا يتجاوز ال23 من العمر الفرنسي من نقل «جهاده» المفترض ضد اليهود إلى عقر باريس ثأرا لأطفال غزة، وذلك حين قتل ثلاثة أطفال ومعلمهم اليهودي في عز الحملة الانتخابية الفرنسية..
«مراح».. قاتل
مدجج ب300 طلقة
وسط مخاض عسير تحاصره حملة انتخابية مسعورة بين اليمين واليسار الفرنسي لتجديد العهد والعهدة في ساركوزي شارف وقته الرسمي على الانتهاء، وحين كان الفرنسيون يتابعون مسرحية تجديد الثقة في الشخص نفسه الذي ختم عهدته الأولى بنقل الحرب إلى الضفة الأخرى، بعدما أعاد لفرنسا دورها المعروف في «البلطجة» الخارجية، انتقلت الكاميرا الانتخابية والسياسية، بزاوية 180 درجة، بعدما طفا على السطح، شاب ينتمي إلى طبقة «الحثالة» كما وصفهم ساركوزي، يوم كان وزيرا لداخلية ميتران، ليصبح هو الحدث والحديث، بدلا من ساركوزي حالم وطامع ومتجدد كان هو الأضواء قبل أن تخطف منه على حين «غرة» وغارة أعطيت لها أكثر من قراءة بعد أن أخلطت حسابات الساحة الفرنسية والقضية باختصار كما علبت رسميا بطلها مرشح مسلم، قدم ملف ترشحه بحياته بعدما اختاره ساركوزي أو اختارته الظروف ليكون «أرنبا» رئاسيا في انتخابات ساركوزية، اسمه محمد مراح، شاب مسلم، فرنسي المولد والجنسية وجزائري الدم يقطن بضاحية مدينة تولوز الفرنسية، قام خلال الأيام التي سبقت مقتله وتزامنا مع حملة الرئاسيات الفرنسية بقتل 3 جنود فرنسيين من أصول مغاربية، كما قتل في عملية استعراضية ثلاثة أطفال يهود مع حاخام بمبرر الثأر لأطفال غزة، لتقف فرنسا عن بكرة أبيها و«ساركوزيها» بحثا عن قاتل اليهود وتكون النتيجة أن ساركوزي حافظ على عرشه في معركة دموية لم تسل فيها قطرة دم فرنسية واحدة، فالقاتل عربي، والقتلى يهود وجنود عرب تواجدوا في عين الانتخابات والمكان، أما المترشح الفائز مسبقا فلم يكن سوى ساركوزي حالفه الحظ في ليبيا وها هو الحظ نفسه يحالفه في «تولوز» بعدما وفر له أرنبا انتخابيا فصل له انتصارا على مقاس فرنسا «العظمى» التي أضحى «المهاجرون» حطب انتخاباتها وقواعدها وتحولاتها السياسية، فأمام كل مخاض فرنسي، دماء عربية، لا يهم إن كانت في ليبيا أو في باريس و«تولوز» ..
عكس ما يمكن أن يستشف بأنه عمل دموي يستحق «التبرؤ» والتنصل وإخفاء الانتماء، فإن «مراح» القاتل تحول وسط الجالية المغاربية والعربية إلى ضحية تم إهدار دمها، فهناك شبه إجماع بين الجالية العربية وخاصة المغتربين الجزائريين، أن ذاك الذي زلزل فرنسا لم يكن في حقيقة الأمر سوى «قربان» انتخابي لأجهزة محترفة أنهت حياته بمجرد أن انتهت مهمته، والمبرر، الذي يؤكد لدى المغتربين، هو طريقة التخلص من الدليل التي انتهجتها وزارة الداخلية في تصفية «مراح» بسرعة فائقة، رغم أن خيارات القبض عليه حيا، كانت أكثر من متوفرة ومن متاحة، وذلك أثناء مداهمة منزله بتولوز، فال«300 طلقة التي اعتبرتها فرقة النخبة» قشة لتبرير قتل «مراح» بطلقات عن قرب، لم تقنع حتى الفرنسيين والرأي العام حتى في الأوساط الفرنسية، تقاطع في أن من قتل «مراح» لم تكن مقاومته وقدرته الفائقة على المناورة الحربية أثناء الاشتباك مع فرقة النخبة في الشرطة الفرنسية المحترفة وإنما رصاصات «الضرورة» السياسية من أنهت حياة من فرش لساركوزي بساط عهدته الجديدة..
نياشين إسلامية
ويهودية على صدر ساركو..
القاعدة الأمنية تقول إن المستفيد الأكبر من أي جريمة هو بالضرورة فاعلها أو»مستفعلها»، وفي قضية منفذ هجمات تلوز فإن الدماء اليهودية العربية صبت في صحن ساركوزي دون منافس، فبالإضافة إلى نقله رسالة إلى الفرنسيين بأنه رجل أمنهم، في فرنسا غير آمنة وستظل خائفة ما لم يكن في جهتها الأعلى شرطي رئاسي، فإن الطريقة التي سير بها المرشح ساركو الأزمة من بدايتها إلى نهايتها جعلته المنتصر الأكبر وخاصة بعدما داعب من خلالها وعاء المغتربين المسلمين، حينما اعتبر أن»مراح» لا صلة له بمسلمي فرنسا، وأن ما قام به يعنيه شخصيا، وخاصة أن ضحاياه الثلاث في هجماته الأولى كانوا جنودا فرنسيين من أصول عربية، وكذا استثمار ساركوزي في الدماء اليهودية بلغ السقف بعدما اعتبر دمهم «مأساة وطنية» جاء الرد على منتهكها سريعا وفاعلا ولا يحمل من الرحمة ومن حقوق الإنسان والعدل، سوى رصاصات قاتلة استهدف رأس إنسان مهما كان جرمه، فإن شعارات العدل تقتضي الإبقاء على حياته مادام ذلك ممكنا..
ساركوزي .. في كل الحالات، كان هو الرابح الأول، فبالإضافة إلى موقفه المعتدل مع جالية إسلامية لها وعاء انتخابي يقارب ال3 ملايين صوت، فإنه كسب رهان اليهود ... والمحصلة أن ساركوزي قال لسحابة الدم، امطري فحيث ما سقط ضحايا فإن أصواتهم ستعود له..
فرنسا الآن، وبمخاضها الحالي، تعيش عشية انتخاباتها الرئاسية على وقع «ساركوزي» واحد، فرغم التساؤلات المطروحة والشكوك ومؤشرات أن «مراح» الفرنسي الجنسية والمواطنة ومنفذ هجمات تولوز لم يكن سوى فاصل سينمائي في مزاد الأصوات الانتخابية، إلا أن الثابت في القضية برمتها أن باريس كعادتها تعطرت مرة أخرى بدماء العرب حتى تحافظ لمدة أكبر على ساركوزيتها، والمهم في مخاضها ألا تكون الدماء المسكوبة ذات لون فرنسي، فقضية الصراع العربي اليهودي التاريخي المنشأ والمنبت، تم استخدامها كورقة، حفظت دم فرنسا، لكنها لم تحفظ للآخرين دمهم ولو كانوا أطفالا يهودا، ففي السياسة كل شيء ممكن، والممكن هنا، ظهر أنه حتى الدماء اليهودية «المقدسة» يمكنها أن تعطر باريس في سبيل»التاج» الساركوزي، لكن المتغير اليوم عشية إعادة الثقة فيمن يسميه الفرنسيون وحتى المغتربون، الخيار الأقل سوءا، أن ساركوزي الذي دخل الإيليزيه في عهدته الأولى بأصوات الفرنسيين، قد عاد هذه المرة من على ظهر أصوات العرب واليهود.. لأنه كان حكما لمعركة لم تدم إلا 33 ساعة بإحدى ضواحي مدينة تولوز الفرنسية، أعادت إلى نابليون المستنسخ حقه الكامل في وراثة نفسه بقصر الإيليزيه.
أسئلة غير مؤشر عليها
وفي خطاب ألقاه بعد عملية الاقتحام التي قتل فيها منفذ هجمات تولوز، أعلن ساركوزي عن إجراءات زجرية ستتخذها الحكومة لمقاومة نشر «أفكار متطرفة» خاصة داخل السجون وعبر الإنترنت، وقد حاول ساركو الجمع بين كل المتناقضات في مسرحية جمع الضدين، فرغم تركيزه على أنه لا صلة لمسلمي فرنسا بدوافع مجنونة اعتنقها «مراح» فرنسي الحدث والحديث، إلا أنه في الخطاب ذاته، توعد «الفايس بوك» و«تويتر» ومواقع الإنترنت التي يمكن أن تفسد عليه وعلى فرنسا عرسها، وكان قد وجه أكثر من رسالة إلى الجالية المسلمة التي تقدر بأكثر من أربعة ملايين مسلم، حينما وقف أمام ثلاثة نعوش ملفوفة بالعلم الفرنسي لجنود قتلى ذوي أصول مغاربية، معزيا ذويهم في سابقة سياسية أهم ما جاء فيها أن ساركوزي قال: إن جنودنا لم يموتوا في السبيل الذي أعدوا أنفسهم له، لم يكن موتهم في ساحة القتال».
والأسئلة غير المؤشر عليها في هذا الحظ الوفير الذي وفر لساركوزي كل ظروف»التجدد» بعد أن تساقطت أوراق التوت من على ظهر عهدة ساركوزية ميزها العداء الفاضح لكل ما هو إسلامي، بدءا بمعركة الحجاب، فالصور المسيئة للرسول صلى عليه وسلم ووصولا إلى حادثة المآذن والأذان، وكذا ما يثار حاليا حول طريقة «الذبح» الإسلامي، لينتهي الحال بساركوزي إلى العودة المضطرة للإسلاميين من على ظهر دماء عربية ممزوجة بدماء يهودية.. والسؤال المشفر في حكاية ساركوزي الذي «أسلمته» الانتخابات، ترى ماذا لو فعلها مسمى يسمى «مراح» في بداية عهدة ساركوزي الآفلة؟ نكاد نجزم بأن نيكولا لن يتردد في قولها على طريقة بوش عقب أحداث 11 سبتمبر 2001.. وذلك حينما ردد: إنها الحرب الصليبية؟

من باريس: أسامة وحيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.