قال إنه "أجهل ما يكون بواقع الأدب في القارة السمراء".. وتحدث عن الأدب الجزائري الذي يقول إنه "أدب أصيل حتى ذلك الذي كتب منه باللغة الفرنسية منذ أربعينات القرن الماضي".. وبين هذا وذاك.. يتذكر "خويا دحمان" واقعة اغتياله ويقول "سامحهم الله".. تشهد الجزائر تنظيم المهرجان الثقافي الإفريقي بعد أيام، كيف تقرأ ككاتب مهرجانا من هذا النوع؟ في الواقع.. المهرجانات الثقافية حاجة إيجابية لكنني أرى أنها تخدم السياسة أكثر مما تخدم الأدب والثقافة عموما وهذا لا يعني أنني أقف ضدها، غير أن المسألة ينبغي أن تكون أكثر من ذلك، أي كيف تمر الثقافة عبر السياسة لكي تحقق ذاتها ما دامت الكلمة الفصل لأهل السياسة وإن كان ما يهمني في المقام الأول هو كيف أقرأ دراسات أدبية نقدية وأنثروبولوجية عن واقع الثقافة في إفريقيا.. يقال إن الجزائريين والأفارقة يجهلون ثقافة بعضهما البعض، هل هذا صحيح؟ بالفعل.. الأدب الإفريقي غير معروف لدينا، أنا قارئ نهم إن جاز التعبير، لكنني أعرف القليل عنه وإن كنت قد اطلعت على كتابات وول شوينكا، الحائز على جائزة نوبل للآداب، وعلى تشينوا أتشيبي، وعلى نديم غودايمر، وكوتزي، وآلان باتون وسمبان عثمان ويامبو أولوغام، غير أن هذا الإطلاع غير كاف لتكوين فكرة صحيحة عما يكتب وينشر من أدب في القارة السمراء. هناك اتجاه يرى أن الأدب الجزائري فاقد للخصوصية ويندرج ضمن الحظيرة الثقافية الفرنسية، هل تعتقد أن هذه الصورة ستتغير من خلال تنظيم المهرجان الإفريقي؟ في الحقيقة هذا كلام غير معقول.. فالأدب الجزائري أدب أصيل حتى ذلك الذي كتب منه باللغة الفرنسية منذ أربعينات القرن الماضي.. ولكن هذا لا يمنع من وجود من يسارع إلى إرضاء الحظيرة الفرنسية، لكنه لن يرضيها إلا لبعض الوقت، فهي أشبه ما تكون ب"التنين البشع" الذي يريد أن يلتهم كل شيء، وأظن أن الأفارقة لا يعرفون الشيء الكثير عن الأدب الجزائري إلا ما كتب منه بالفرنسية أو القليل الذي ترجم إلى اللغة الفرنسية أو الانجليزية بحكم أنهما اللغتان المنتشرتان في القارة الإفريقية. هل ستشارك في "العرس الإفريقي" الثقافي المنتظر؟ أكيد.. فلقد شرفني المسرح الجزائري بأن أشرف على الملتقى العلمي حول المسرح والأدب الشفوي في إفريقيا أيام 10 و11 و12 جويلية المقبل، وسيكون في مقدوري أن أطلع عن كثب على المنجزات الفكرية في مجال المسرح الإفريقي. ألم يعرض عليك تحويل بعض رواياتك إلى أفلام سينمائية؟ في واقع الأمر لقد فكرت أنا شخصيا في تحويل بعض رواياتي إلى أفلام، لكنني مشغول بالكتابة الأدبية، وقد طلب مني بعض المخرجين أن أكتب عددا من السيناريوهات، غير أنني أفضل التركيز على الإبداع الروائي. تم تكريمك سابقا في إطار جائزة "الفنك الذهبي".. هل ترى أن هذه الجائزة معيار لتقييم الأعمال السينمائية؟ هي مجرد بداية وأمامنا طريق طويل ينبغي أن نقطعه لكي نصل إلى بر الأمان في المجال السينمائي.. والمؤسف هو أننا لا نمتلك صناعة سينمائية إلى حد الآن بالمعنى التجاري، بل كانت لنا أفلام جيدة في سبعينات القرن الماضي ثم إن السينما تتطلب أموالا طائلة، والأثرياء الجدد في الجزائر ليسوا مستعدين للتمويل، بل يفضلون أن يستثمروا أموالهم في الأمور التجارية التي تحقق لهم دخلا سريعا. لم نعد نسمع عن صدور روايات جزائرية في الثلاث سنوات الأخيرة.. ما السبب في رأيك؟ هناك روايات تصدر، وليس هناك من يكتب عنها في الصحافة الوطنية.. المهم هو المتابعة، تلقيت هذا الأسبوع رواية بعنوان "شاطئ الجملين" لروائي جزائري اسمه جمال عياش يعيش في كندا منذ بضع سنوات.. هل هناك من اطلع على هذه الرواية وكتب عنها في الصحافة الوطنية؟ هناك شبان يكتبون روايات، ولكن قلما نتابع أخبارهم مع الأسف.. العيب فينا جميعا وفي المشرفين على الصفحات الثقافية في الصحف الوطنية. لماذا يفضل الكاتب الجزائري نشر أعماله في الخارج والدور الفرنسية خصوصا؟ أظن أنه يريد أن يضمن رواجا لعمله الأدبي أما إذا كتب الفرنسية فإنه يتطلع رأسا إلى جائزة "غونكور" وأنا لا أعتبر هذا الأمر عيبا.. بل أشجعه في وقت لا ينظر فيه أحد بعين التقدير إلى العمل الفني والفكري. ما رأيك في الصراعات القائمة في نقابة الناشرين؟ حقيقة لم أتابع ما حدث من صراع في قلب نقابة الناشرين، وعلى أية حال، فإن مثل هذا الصراع دليل صحة لأنه هو الذي يفضي بنا إلى تبين طريقنا في مضمار النشر، أما النشر من حيث هو نشاط فكري، فأنا أرى أنه لم يضع قدما في الطريق السليمة.. ما زال يبحث نفسه على غرار ما يفعله أهل الأدب أنفسهم. كيف يرى "خويا دحمان" المشهد الروائي الجزائري الآن؟ يبدو لي مشهدا يدعو إلى التفاؤل بوجود جيل جديد يكتب الرواية، وإن كانت تنقصه الخبرة والتقنية بعض الشئ لكنه سيتوفر عليهما ما دام به هوس وعشق للكتابة الروائية. يقال إن الأدب ثورة على أوضاع اجتماعية وسياسية وغيرها ولكنك بطبعك هادئ فكيف تجسد ثورتك من خلال كتاباتك؟ ومن قال إن الأدب ثورة على أوضاع اجتماعية وسياسية فقط.. الأدب أدب، سواء أكان هادئا أم "فوارا موارا".. المهم هو المضمون والمعالجة الفنية، أما الأدب الذي يريد لنفسه أن يكون ثائرا من أجل لفت الأنظار فذلك ليس بأدب أصلا، وقد رأينا كيف سقطت جميع المحاولات التي مرت عبر "أنابيق الكليشيهات" والصور المعدة سلفا وليس بالضرورة أن يكون الأدب ثورة. كيف ذلك؟ إننا نكتب بغاية تصحيح هذه الرؤية أو تلك، وذلك أهم ما في الأمر كله، ودون أن نحتاج إلى ضجيج وعجيج.. الأدب تأمل ومعايشة وكتابة، وأنا أكتفي منه بعنصر التأمل والكتابة والقراءة، ولست في حاجة إلى أن أفكر في قلب الأوضاع السائدة، فذلك جهد آخر. هل ترى أن الكاتب بحاجة إلى تكريمات.. وهل هذه الثقافة موجودة في الجزائر حسب تصورك؟ طبعا.. ففي نظري الكاتب في حاجة إلى تكريم، وهو أشبه ما يكون بعلامة في الطريق يسير الكاتب على هديها، كما أنها تساعده على أن ينظر إلى الواقع الأدبي بعين المنطق، أما عن ثقافة التكريم فإنها بدأت توجد في الجزائر على الرغم من أنها في العديد من الأحيان غير موضوعية، فالذين يستحقون التكريم قد يوضعون على الهامش بينما يتصدر الميدان أولئك الذين يعتبرون أنفسهم أنهم بلغوا قمة المجد الأدبي كله. كتبت مرة عن "بداية السقوط" أين على الحريات الأساسية للإنسان خاصة حرية التعبير غير أن رأيك كان عاما، حسب البعض، فهل هو إسقاط على احتياجاتنا في الجزائر لهذه الحرية؟ أعتقد أن حرية التعبير مسألة عامة، وكل كاتب ينظر إليها من زاوية معينة.. ألخص لك رأيي في هذا الشأن.. الموضوع الذي ينبغي أن يشغل بال كل أديب جزائري وكل أديب عربي هو موضوع الحرية، أي التخلص من "ربقة السيطرة العسكرية" مشرقا ومغربا ويستحيل أن تبرز فلسفة أصيلة عندنا إن نحن لم نعالج مثل هذا الموضوع، ويستحيل أن يبرز عندنا أدب جيد إن نحن تغاضينا عن معالجة هذا الجانب في حياتنا. كيف ذلك؟ بمعنى كيف أتحدث عن العدالة الاجتماعية بينما يكون في مقدور أي عسكري أن يدوس عليها، وذلك ما يحدث في الدارة العربية كلها، مشرقا ومغربا،وكيف تولد ديمقراطية حقيقية عندنا ونحن نعرف نتيجة الانتخابات مسبقا؟ ينبغي أن نورد الأمور على حقيقتها، أما أن نلعن الفقهاء ونتهمهم على سبيل المثال، ونقول عنهم إنهم سبب البلاء، فذلك أمر يسير بالنسبة لكل كاتب. وما أكثر الذين يزعمون التقدمية، وما أكثر أولئك الذين يتهمون الناس بكذا وكذا، بينما كانوا أول من هرب من الجامعة واختفى في حضن فرنسا. المعركة قائمة على قدم وساق هنا، أما النظر إلى مجرياتها من باريس ولندن، وتوجيه اللعان بالمعنى الفقهي لهذا أو ذاك لأنه يحب وطنه وأصالته، فذلك ما يبعدنا عن حقيقة الصراع وعن حقيقة المتسببين فيه. كيف ينظر مرزاق بقطاش الآن إلى "دم الغزال"، "خويا دحمان"، "عزوز الكابران" و"البزاة"؟ مثلما لا أفرق بين أبنائي فأنا لا أفرق بين رواياتي لأن الكثير من دمي يسري فيها سريانا. أعمالك الروائية تتميز بالواقعية والتصريح في حين نجدك تمارس الرمزية في مقالاتك الصحفية، ما السر في ذلك؟ أبدا، أنا لا أمارس الرمزية في مقالاتي الصحفية.. أكاد أقول عن نفسي إنني تقريري في كتاباتي هذه. ماهو رأيك في قضية اتحاد الكتاب الجزائريين؟ وهل هناك اتحاد كتاب حتى أقول فيه رأيا؟، سابقا كان جزءا من حزب جبهة التحرير الوطني، وكنت منضما إليه لأن الحرية ما كانت موجودة أصلا، بل إنني في الصحافة الوطنية وجدت نفسي عضوا فيه، لأن المشرفين على الحزب أرادوا الجمع بالقوة بين الصحفيين والمترجمين والأدباء، ثم تحول هذا الإتحاد إلى ما يشبه أرضية لنيل منصب في البرلمان أو في مجلس الأمة.. ذلك ما لاحظته وعايشته.. هذه حقيقة أقولها، وأنا لا أريد أن أتجنى على أحد. يقال إنك انسحبت تماما من المشهد الثقافي، هل هو الغضب وعدم الرضا؟ كلا، هذا غير صحيح.. فأنا أكتب ثلاث مقالات أسبوعيا، اثنتان منها بالعربية وواحدة باللغة الفرنسية بالإضافة إلى برنامج أسبوعي يحمل عنوان "من حصاد الإنترنت" في الإذاعة الثقافية؛ فهل تعتبرين ذلك انسحابا؟ ثم إنني في سن ما عادت تسمح لي بأن أغضب على هذا أو ذاك.. أكتب رأيي وأقوله بكل حرية وصراحة، وهناك من يتقبل هذا الرأي، وهناك من ينتقده، وهناك من يقف منه موقفا عدائيا، وهو حر في ذلك.. المهم هو الكتابة ثم الكتابة وليس سوى الكتابة، لأنني أنظر إليها من زاوية دينية مثلما قلت ذلك مرارا وتكرارا، فأنا مسؤول أمام الله عن كل كلمة يخطها قلمي. ما رأيك في جائزة نوبل للأدب؟ لقد صارت هذه الجائزة عادية بالنسبة لي. ليس فيها شيء من الخوارق الأدبية، والدليل على ذلك أنها أسندت إلى كتاب لا يستحقونها حسب ذوقي وتفكيري. ماذا يكتب مرزاق بقطاش حاليا؟ أكتب رواية تدور أحداثها قبل أربعة قرون في الجزائر، ولا أحب أن أتحدث عنها حتى لا تنفلت مني خيوطها، كما أنني كتبت رواية لم أضع لها عنوانا بعد، بالإضافة إلى مشروع روائي طويل تدور أحداثه ما بين عام 1945 وعام 1962، وأفكر في الوقت نفسه في ترجمة عدد من الأعمال الأدبية العالمية عن الفرنسية والإنجليزية. يقال انك تفضل أكل الحلويات عند الكتابة فما السبب؟ صحيح، فهي تنشطني كثيرا.. وأتمنى أن أجد البعض منها في صحيفة "البلاد".. ولدى الزميل جمعة بالذات. هل تتذكر الآن محاولة اغتيالك.. أتجد حرجا في الحديث عنها؟ إطلاقا.. أنا لا أجد حرجا في الحديث عن تلك التجربة المريرة، وعندما أفقت في المستشفى سألت الله أن يغفر لكل من أطلق الرصاص علي، وقد قيل لي إنهم كانوا سبعة، غفر الله لهم جميعا.. وها أنت ترين أنني كنت أسبق من بعض السياسيين في تقليب الصفحة. شكرا لك "خويا دحمان".. شكرا.. شكرا لكم..