يعد احمد المديني أحد رواد الكتابة العربية فهو ناقد، شاعر،كاتب قصة قصيرة ورواية، مترجم وله العديد من الدراسات النظرية والنقدية، من بين أعماله "زمن بين الولادة والحلم"، "مدينة براقش"، وفي الشعر له ديوانان أحدهما "أندلس الرغبة"، وفي الترجمة "في أصول الخطاب النقدي الجديد" وفي الدراسات نذكر "أسئلة الإبداع في الأدب العربي المعاصر".."المساء" التقت بالمديني عقب مشاركته مؤخرا في المهرجان الثقافي الدولي الأوّل لأدب وكتاب الشباب وطرحت عليه أسئلة حول واقع الأدب العربي ومنه المغاربي، وكذا عن علاقة الثقافة بالسياسة ومواضيع أخرى كالترجمة ومعرفته بالأدب الجزائري، فكان هذا الحوار.. - عموما، ما هو واقع الثقافة في العالم العربي؟ -- خلافا لما يروّجه البعض بالكثير من الاستعجال وعدم التمحيص فإنّ العالم العربي يعيش ثورة ثقافية وحركة تجديد وطرح للكثير من الأسئلة البنّاءة، والإحساس بالأزمة هو في حدّ ذاته وعي بالأهمية التي يمكن أن يشغلها السؤال الثقافي، ونحن في حاجة إلى إعادة طرح أسئلة جديدة على واقع ثقافي وممتع لا نريده راكدا، نعم يجب أن نحسّ بأنّ الواقع الثقافي متحرّك ومتنامي وجدير بالاهتمام، بالمقابل لا يوجد واقع ثقافي واحد، فهناك أكثر من واقع حسب كلّ بلد وحسب كلّ وتيرة نمو في هذا البلد أو ذاك بين مشرق ومغرب عربي، ولكن إجمالا يمكن أن نجد أو نعيّن خصائص مشتركة بين الجميع، فنحن مثلا فيما يخصّ مفاهيم التراث أي ما يتّصل بمكوّناتنا التاريخية من كلّ النواحي، نجد أنّنا قطعنا شوطا لا بأس به في تأمّل هذه الظواهر ودراستها بمنظور إحيائي يستلهم التراث بجوانبه المشرقة القابلة للحياة والقادرة على الاستمرار وعلى أن تشقّ طريقا آخر للمستقبل، أيضا أعدنا النظر في الأسئلة التي اشتغلنا عليها فيما يخصّ النهضة والتنوير الأولى والتي في جوانب منها لم تحملنا إلى الأفق الذي كنا نطمح إليه. ليس السؤال الثقافي أن نعرف ماذا نريد، فنحن نعرف جيّدا ماذا نريد، والسؤال الثقافي ليس مجردا عن غيره من الأسئلة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإصلاحية عامة إنه مندمج فيها ومرّكب معها ولا يمكن الحديث عن الثقافة بمعزل عن باقي القضايا الأخرى وطموحنا بكلّ تأكيد هو النهضة الجديدة والتقدّم والتنمية وأن نصلح أحوال حاضرنا لكي نستطيع أن ننهض ونتقدّم ونرتبط خصوصا بحركتيّ التجديد والحداثة بمفهومها العميق وليس بمفهومها السطحي أو الإستعجالي أو الشكلي. - وما هي خصوصيات الأدب المغاربي مقارنة بالأدب المشرقي؟ -- أنا لا أميل إلى هذه التصنيفات، مشرق ومغرب، هناك أدب في العالم العربي يكتب باللغة العربية وأدب يكتب باللغة الفرنسية، في الماضي كان الأدب المكتوب في المغرب العربي متواضعا، بحكم أنّ المشرق ولدت فيه التيارات التجديدية الأولى وظهرت فيه أيضا الأجناس الأدبية الحديثة الأولى، الآن تجاوزنا هذه الوضعية، بطبيعة الحال هناك دائما البيئة المعينة التي تؤثّر في الثقافة، فالروائي في الجزائر يكتب عن بيئته وملامحها الخاصة بها والخصوصيات التي يعيشها شعبها وهذا الأمر ينطبق على الدول الأخرى.. بطبيعة الحال هناك مميّزات وأساليب متعدّدة كلّها تنصبّ في مجرى كتابة عربية إبداعية وهي جزء من حركة الإبداع الإنساني لا تختلف عنها ومتمثّلة لكلّ خصائص الإبداع الحديث. - في هذا السياق، ماذا تعرفون عن الأدب الجزائري؟ -- أعرف عنه الكثير والقليل في آن واحد، أستطيع القول أنّ معرفتي بالجانب الكلاسيكي أحسن من أدب الآن، أنا قرأت النصوص الأساسية للأولين والمؤسّسين وهم عبد الحميد هدوقة، رضا حوحو، وكلّ القصص القصيرة الأساسية التي تحدّث عنها بشكل نقدي جيّد الأستاذ عبد الله الركيبي وهو من الأساتذة الرائدين في الفن القصصي وكان ناقدا وباحثا وغيره أتاحوا لنا أن نتعرّف ونقرأ هذه النصوص . أمّا عن الأدب الحديث فأعرف كتابا وهم أصدقاء لا أريد أن أذكر الأسماء حتى لا أغبن أحدا، أتبادل معهم في المنتديات والمؤتمرات، هذا علاوة على شرائي للكتب في المكتبات الجزائرية كلّما سنحت لي الفرصة وكانت عندكم مجلة تعنى بأدب الشباب "أمل" هي التي كانت تنشر بواكير الشباب ويمكن أن نتحدّث بتفاؤل عن أدب آخر حتى لا نقع في تسميات مغلوطة لأنّنا إذا قلنا أدب الشباب فهذا الشاب لن يصبح شابا بعد عشرة سنوات وإذا قلنا جديدا فإنّه سيصبح غدا قديما وإذا قلنا أدبا صاعدا فإنّ الأدب دائما في صعود، إذن الأدب مختلف ويأتي في كلّ مرحلة . في الجزائر،كتّاب كتبوا بالفرنسية قبل العربية لأسباب تاريخية وهم عالميون وهناك كتاب مستمرون يمكن أن يعتبروا جزءا من الكتابة بالفرنسية لا حاجة لتكرار هذا، تقنيتهم وأساليبهم عالية وسمعتهم كذلك وأيضا نستطيع أن نتحدّث عن الكتّاب باللغة العربية، والشعراء يعتبرون من مظاهر الإشراق لكلّ العالم العربي. أعتقد أنّ الكاتب الجزائري له خصوصية تتمثّل في التوتر في الهوية، سواء اللغوية أو الثقافية أو التجاذب بين الماضي والحاضر، أنا لا أحب أن أنوب عن أحد أو أن أكون وصيا على أحد ولكن التاريخ الجزائري مازال جاثما بقوّة على المخيّلة والرؤية الأدبية والثقافية، لا أقول التخلي عن هذا الرصيد لكن يجب التحرّر بطريقة ايجابية، ومنذ مدّة أرى أنّ هناك تجارب في الكتابة القصيرة فيها تميّز من خلال مبدعين مرتبطين بالحاضر يريدون التعبير عن علاقتهم باليوم فهم ليسوا جيل المجاهدين ولهم جهاد مختلف فالأدب ليس فقط هو ما كتبه التاريخ والذي هو جزء أساسي في الذاكرة التاريخية.. ليس في ذلك شك ولكن هناك الآن مرحلة مختلفة والأدب هو يتجدّد فيها ويخلق لغته ومخيّلته الخاصة به. - يعاني الأدب المغاربي من قلة الانتشار، فإلى ماذا يعود ذلك؟ -- هناك عوائق لقلّة انتشار الأدب المغاربي حتى في حدوده الجغرافية وهي مادية مباشرة، وأوّل مشكلة هي التوزيع ففي كلّ مرة نلتقي في ندوات نتكلّم عن هذا الأمر ويعود طرح هذه القضية، فالكتاب المغربي لا نجده في الجزائر والعكس صحيح وهكذا دواليك، إلاّ في مناسبات محدودة أو عن طريق التبادل، إذن هناك عوائق مادية يجب تضافر الجهود لهزمها، في المرحلة الثانية نستطيع أن نتساءل كيف يمكن للأدب المغاربي أن يذهب أبعد من حدوده، إذن لنبدأ بالكنس أمام بابنا قبل أن نتحدّث عن الأبعاد الأخرى. - كيف ينتقل الأدب من المحلية إلى العالمية؟ --ماهي العالمية؟ هو سؤال مغلوط في الكثير من الأحيان، فالمحلي هو عالمي والعالمي هو مجموع خصائص وترسبات وتكوينات المحلي، لماذا تختار أكاديمية نوبل بالسويد شاعرا من جزيرة نائية، لا تقصي أديبا ما لأنّه من بلد صغير بل تهتمّ بالكاتب مثلا الذي تشرّب روح وجوهر هذا المجتمع واستطاع أن يعبّر عن الخصائص المركزية لمجتمعه والامتدادات العميقة في الذات الإنسانية التي يمكن لك حين تقرأ رواية معيّنة مكتوبة في الصين تتجاوب معها على الرغم من آلاف الكيلومترات التي تفصلك عن الكاتب ولكن الإحساس الإنساني مشترك، فهذه هي سمة العالمية. بالنسبة للغة العربية، نقول أنّ محدودية انتشارها راجع إلى وجود لغات أكثر انتشارا وتجربة والشعوب أكثر قراءة والكتاب العربي إذا كان يباع منه ألفين أو ثلاثة آلاف نسخة، فالكتاب الغربي تصل مبيعاته إلى مائة ألف أو حتى مليون نسخة، وهنا نعود إلى مشكلة التعليم والقراءة المقروئية . - في إطار آخر، كيف يمكن للثقافة أن تحرّك المجتمع وهي تتلقى ضربات من السياسة؟ -- ارتبطت حركة النهضة الثقافية في العالم العربي منذ نهاية القرن التاسع عشر إلى غاية الآن بهذا الجدل بين السياسي والثقافي، هناك أحيانا السياسي يسعف وأحيانا يتخاذل أو يصدم الثقافي أو يعرقل سيره، لذلك طريقة العمل تكون في الصمود والمقاومة في خط الإصلاح وأن نعتبر أنّ القوة المناهضة للتنمية والتجديد، موجودة في الثقافة والسياسة معا، والمثقف الأصيل لا يتراجع لأنّ هناك عائقا أو لأنّ هناك إيديولوجية أو أفكارا تقف ضد التغيير وضدّ حركة التاريخ، هذه الوضعية عاشتها أوروبا الغربية قبلنا، قبل أن تصل إلى حركة التحديث الذي تعيشه الآن، فلنرجع للتاريخ لكي نستفيد منه. بالمقابل لماذا نفصل بين المثقف والسياسي، المثقف سياسي بطبيعته، الكاتب سياسي بطريقته يمكن أن يكون في سلطة الحكم أو لا يكون ولكن عنده منبر خاص ودوره أساسي في حركة المجتمع. - ولكن العالم العربي يعيش تأخّرا كبيرا في شتى مجالات التطوّر والتنمية؟ -- التأخّر مفهوم نسبي ويرتبط بالسؤال التالي:" لماذا نحن متأخرون؟" ، لو تكلّمنا عن الواقع الجزائري فالواقع اليوم أفضل بكثير مما كانت عليه الجزائر غداة استقلالها، ويتعلّق الأمر بالمستوى التعليمي مثلا، بوضع البنيات التحتية وبالمشاريع الاقتصادية، فلو قمنا بمقارنة بين الحاضر الجزائري وبين جيلها الجديد ومستوى الوعي المتوفّر بضرورة الإصلاح والتجديد والتغيير عند نخبتها الثقافية أو عند قيادتها السياسية سنجد فرقا شاسعا بين الحاضر والماضي، على كلّ حال فإنّ التاريخ هو حركة يتناول فيها التقدّم والتأخّر، وهي ليست حالة جديدة والمشكل ليس التأخّر بل المهم هو الوعي بالتأخّر لتداركه . - أجل ولكن التغيير بطيء ونحن في زمن العجلة؟ -- هذا يتوقّف على إرادات الشعوب ومدى استعداد النخب المتنوّرة فيها والفاعلة من جميع النواحي لتدارك عجلة التاريخ والمضي أكثر بسرعة لتحقيق الانتصار على كلّ عوائق التأخّر التي نعيشها ويعلم الله كم هي كثيرة ولكن المشكل الآن الذي نعيشه حقا وهو أنّ هنالك رّدة لم نعرفها من قبل في الوقت الذي اعتقدنا أنّنا ننتقل إلى أفق جديد في التاريخ، هناك قوّة معيّنة على أكثر من مستوى تريد أن ترد بنا إلى الوراء برؤية ماضوية تراثية محافظة جدّا ولما لا نقول رجعية وانتكاسية، والحال أنّ الإنسان لا يستطيع أن يعيش فقط بموروثه ولكن بطاقات حاضره وما يمليه الحاضر من فكر ووعي وقدرات لحاجات فهم حياته، فالإنسان لا يمكن له أن يكون عبد ماضيه بل هو ابن حاضره ومشدود إلى المستقبل بوعيه الحر والخلاّق. - هل هذا الوعي موجود لدى العرب؟ -- طبعا، حديثنا هذا هو بمثابة وعي، والوعي يتوقّف بالدرجة الأولى على انتصارنا في محاربة الأمية فلا ينبغي أن نتحدّث بطريقة مثالية، ينبغي أن ننتصر على معركة الأمية بمعناها المباشر بعد ذلك على الأمية الثقافية وعلى كلّ عوائق المادية، هذه شروط أساسية فنحن شعوب لا تقرأ أو تقرأ بنسبة مؤسفة فالتعليم والتربية شرطان أساسيان لتقدّم الشعوب وأظن أنّنا نمضي في هذه الطريق بخطى لا بأس بها. - وماذا عن علاقة الحرية بالثقافة ؟ -- لا ثقافة بدون حرية، الأنظمة العربية في أغلبيتها الساحقة أنظمة استبدادية، لا توجد فيها ديمقراطيات حقيقية فالثقافة لكي تقوم وتؤثّر بشكل صحيح لا بدّ لها من حرية، وهنا لا نتحدّث عن الفوضى فلا بدّ من احترام المؤسسات والقانون ولكن لا بدّ أيضا أن تكون دولة القانون والمؤسسات التي تعلو فوق الأفراد والقرارات الفردية، والديمقراطية تلد المؤسسات المدنية والدستورية، تحرّر الفرد والمجتمعات وتحمي الحريات حتى لا يخشى الكاتب من أن يعبّر أو أنه يحسّ أنّه سيلاحق أو سيطارد أو يتعرّض بشكل أو بآخر لقصاص معيّن، إذا لم نكسب معركة الحرية والديمقراطية فإنّنا لن نكسب جزءا من معركة التقدّم ومعركة الانتصار على التخلّف الذي ليس هو فقط أن ندخل إلى مدارس أو نبني مستشفيات بل لا بدّ من إرساء ديمقراطية بالشكل الصحيح وبدون الاحتيال على أساليب تطبيقه. - ننتقل إلى موضوع في غاية الأهمية بالنسبة لما نتحدّث فيه وهو موضوع الترجمة، ماذا يقول المديني المترجم في هذا السياق؟ -- الترجمة مهمة جدا وهي أداة من أدوات نقل الشعوب إلى آفاق إنسانية أوسع والتعريف بها وانتشارها فتصبح عالمية فالترجمة ليس أن نصبح عالميين وإنّما نتغذّى بكلّ روافد الثقافة الإنسانية ونتعرّف إليها من أجل القضاء على التخلّف والتقدّم ومن أجل أن نستبصر كلّ ما يحيط بنا في العالم ومن أجل أيضا أن نغذّي ثقافتنا لتصبح هي بدورها معطاءة وخلاقة. - أين هو الإلهام من محل إعراب المديني ؟ -- الإلهام بالنسبة لي هو إحساس عائم، الكاتب لا يكتب فقط في اللحظة التي يجلس فيها أمام منضدته ويفتح الحاسوب ليكتب، الكاتب يمكن أن يكتب باستمرار باعتبار أنّ هواجس الكتابة ومواضيعها وقضاياها وصورها ملتصقة به وأنا شخصيا أجلس فأكتب مباشرة لأننّي كنت قد فكّرت حتى في جمل محدّدة كيف أصوغ هذه الفكرة والموضوع، فالإلهام هو شيء ملتبس قد ينبثق من ذاتك مثلما قد يأتيك من مصدر خارجي.