انتهت فصول العملية الانتخابية بنتائج أثارت ولا تزال تثير الكثير من الجدل وستبقى كذلك ليس فقط عند الأحزاب السياسية بما في ذلك الإسلامية وغيرها، بل حتى عند قطاع واسع من الرأي العام الوطني بما في ذلك بعض المقاطعين والمتوقفين انتخابيا، بل حتى سياسيا بمعناه التنظيمي الصرف والسبب في ذلك أن هؤلاء الجزائريين ومنهم الإسلاميون، على «صعوبة» تصديقهم بإمكانية تحقق ما تمنون للجزائر من انخراط في أجواء تغيير سلس أجمع عليه الرأي العام الوطني، إلا أن هؤلاء رجحوا أملا متفاوت الضعف والقوة في الضمانات والوعود والعهود التي قطعها رئيس الجمهورية على نفسه وهو ينفخ في كير الانتخابات التشريعية على غير عادته، فانتظر هؤلاء الجزائريون وتجشموا صعاب تحمل أعباء الضغط الذي مارسه عليهم دعاة «قلب الطاولة» كما تحملوا أجواء انتخابية بصخبها ورداءتها وسلبيتها وعفنها وميوعتها وهم يشاهدون الضفة الأخرى من المتوسط تتمثل أرقى النماذج الانتخابية في العالم أملا من هؤلاء الجزائريين في أن تتحرك الجزائر ولو على استحياء قيد أنملة نحو تغيير كانت في حاجة ماسة إليه حتى قبل أن تهب رياح هذا التغيير من الوطن العربي أو من عند الجيران ولا تزال، غير أن مآل العملية الانتخابية انتهى برفض منطق استصحاب الحال في أقل تقديرات وصفه وهو ما يعني عند الذين نظموا وأشرفوا على العملية الانتخابية الرد الكافي والشافي والموقف الصريح والفصيح بأن الجزائر في غنى عن أي تغيير، ومع كل هذا يبقى هذا الموقف مجرد تقدير في حاجة إلى تأييد من التاريخ، إن استبعدت بطبيعة الحال، القراءات الأخرى ذات الأبعاد التي لم تقصد العملية الانتخابية لذاتها والتي يرجح ألا تتأخر في الظهور والتأكد، ومع كل هذا وعلى خلاف ما يعتقد الكثير، يرى مراقبون على قلتهم أنه من الخطأ بما كان الاعتقاد أن الجزائر بانتخابات ماي تكون قد أخطأت خطوتها نحو التغيير. وعودا على بدء، فإنه سيكون من نفل القول التأكيد أنه بقدر ما سيكون من العبث النظر في المرآة العاكسة محاولة للوقوف على ما أسفرت عنه العملية الانتخابية من نتائج، بقدر ما تتأكد الحاجة إلى الوقوف عند تحليل الواقع والنظر في الآفاق والمستقبل، خاصة لدى الأحزاب الإسلامية التي أبلت على الجملة بلاء حسنا في المعمعة الانتخابية من حيث إمكانية إضافة العملية برمتها إلى رصيد التجربة السياسية والانتخابية وعدم الإلقاء بها في خانة النسيان، غير أن المرحلة في نظر المتتبعين للشأن الإسلامي تقتضي من هذا التيار الحفاظ على برودة الأعصاب دون تضييع حرارة القلب ومن ثمة الحذر كل الحذر من الوقوع في محظور الاستنزاف والاستنهاك في أولى خطوات مضمار التغيير في الجزائر بمنظوره الاستراتيجي وليس بحسابات الدكاكين الانتخابية والحفاظ على المكتسبات وأقلها تكتل الأحزاب الثلاث بعيدا عن حسابات الآنية، وإن كانت حمس قد دفعت ضريبة معروفة بتكتلها وهي تعد قوائم الانتخابات، ومهما يكن يذهب ملاحظون إلى ضرورة الإقلاع عن منطق البكاء على الأطلال للأسباب التي سبقت الإشارة إليها عند الحديث عن النتائج الانتخابية ومع ذلك لا يمنع هذا، بل يفرض كما يرى مراقبون ضرورة الارتماء في المستقبل من زاوية مواصلة التجسير نحو الآخر من الكتلة التاريخية الإسلامية سواء المتحركة أو المتوقفة سياسيا وإقناع جمهور هذه الأخيرة بضرورة الإقلاع عن موقف التوقف السياسي الفاقد لأي معنى خلافا للتوقف الفقهي، إن كان له معنى هو الآخر، في ظل ثبات الأجر مع الخطأ في الاجتهاد واكتساح فضاءات جديدة من المجتمع على كثرتها، خاصة وأن دخول هذه الكتلة المتوقفة ممكن، في ظل تعدد أبواب دخولها حاليا.