مع انتهاء الحملة الانتخابية واستعداد هيئات أركان الأحزاب السياسية والناخبين لليوم الموعود، من الضروري، القيام بعملية مسح لما أنتجته الأسابيع الأربعة من الجري وراء أصوات الناخبين. متابعتنا للحملة الانتخابية جعلتنا نضع العديد من السيناريوهات لما ستكون عليه الساحة السياسية غداة يوم ال 10 من ماي القادم. من خلال استقراء رأي الشارع في عملية التصويت ومن خلال ما تتبعناه من تصريحات شرائح كبيرة من المواطنين عبر الكثير من وسائل الإعلام المكتوبة منها والمرئية يمكن أن نتنبأ بأن المشاركة الشعبية في عملية التصويت ستكون مقبولة وربما ستكون أحسن من النسب المصرح بها خلال الاستحقاقات الماضية وقد يعتبر البعض هذا التأكيد بأنه مخالفا لما سمعناه من شريحة كبيرة من الشباب الذين أكدوا عبر شاشات مختلف القنوات بأنهم ''ما يفوطيوش'' لأسباب تختلف من فئة لأخرى. ولكن ما يمكن التأكيد عليه هو أن تلك الشرائح عادة ما كانت تمتنع عن التصويت وكلنا يعلم أن فئة الشباب وخاصة في المدن الكبرى كان دائما إقبالها على صناديق الاقتراع ضعيفا، ولم يكن هذا العزوف بالضرورة موقفا سياسيا بقدر ما يدخل في خانة اللامبالاة، وهي الظاهرة التي نشاهدها في الكثير من دول العالم أن فئة الشباب في غالبيتها لا تبالي بالشأن الانتخابي فما بالك في بلد كالجزائر التي لم تكن فيه الانتخابات نزيهة ولا شفافة منذ الاستقلال. معطيات أخرى تؤشر على أن نسبة المشاركة لن تكون كارثية هي النبرة التي تكلم بها رئيس الجمهورية في خطابه في وهران عن ضرورة المشاركة في التصويت، على أساس أن العزوف ستكون نتائجه وخيمة على أمن البلد. هذه النبرة في الخطاب أخافت شرائح كبيرة في المجتمع من احتمال تدخل أجنبي، رغم أن الكثير لم يفهم العلاقة بين التدخل الأجنبي والعزوف عن التصويت سوى أن المواطن العادي يعتقد بأن رئيس الجمهورية أدرى بكواليس السياسة الخارجية وبالتالي لا نعتقد أنه سيغامر بأمنه وأمن أطفاله خاصة عقب ما شاهده من قتل ودمار في ليبيا وسوريا وغيرهما. إضافة إلى هذا العامل هناك عامل العروشية التي تمتاز بها الساحة السياسية في بلادنا أساسا في المناطق الداخلية وهذه الظاهرة كانت دائما عاملا محفزا على المشاركة في مختلف عمليات الاقتراع، لأن المواطن في هذه المناطق تحكمه نزعة الانتماء أكثر من عامل الموقف السياسي المتعارف عليه، فالعرش الفلاني لا يمكن ترك العرش الآخر يتقدم عليه في الانتخابات خاصة إذا كان الأمر يتعلق بالتشريعيات. بالإضافة إلى ذلك، هناك ظاهرة أخرى لا تقل أهمية في احتمال مشاركة مقبولة في انتخابات 10 ماي وهي ظاهرة انضباط المناضلين والمتعاطفين مع الأحزاب ذات التوجه الإسلامي وبما أن الانتخابات القادمة تشهد أكبر مشاركة لهذا النوع من الأحزاب، فإن الإقبال الكبير لأصحاب اللحى والقميص ليس مستبعدا. ومن جهة أخرى من المتوقع أن الفئة المثقفة والواعية بالخبايا السياسية قد تشارك بقوة في انتخابات ال 10 ماي لسبب وحيد أنها تدرك جيدا أن النظام، هذه المرة، ليس في موقع قوة بعدما أصبحت الجزائر محاطة بما اصطلح عليه بالربيع العربي، وهذه الفئة تعرف جيدا أن النظام لن يزوّر الانتخابات، ليس على أساس أن النظام أصبح ديمقراطيا بين عشية وضحاها، بل لأنه يخاف من عواقب هذا التزوير على بقائه أصلا، وقد يكون هذا هو السبب الرئيسي الذي جعل حزب الافافاس يشارك في الانتخابات عكس ما قيل عن الحسين آيت أحمد من أنه قبل بصفقة مع النظام. فالنظام اليوم أمام الأمر الواقع إما أن ينجح في امتحان الاقتراع وإما سيجد نفسه في مواجهة ''ميادين التحرير'' في مختلف مدن البلاد. وإذا كانت بعض الأطراف داخل النظام تريد اليوم عدم تسخين الشارع وتشجيعه على اللامبالاة من عملية الاقتراع، فالسبب في غالب الظن يعود إلى هذا التخوف. وإذا سلّمنا بأن ظاهرة العزوف لن تكون بالأهمية التي يريد البعض إيهامنا بها، فنتائج الاقتراع ستكون مرتبطة أشد الارتباط بمدى الإقبال على صناديق الاقتراع، وبالتالي فإنه لا يستبعد أن يكون الإسلاميون في المقدمة ولكن ليس كل الأحزاب الإسلامية فهناك من الإسلاميين ممن شاركوا في الحكم وهؤلاء لا ينظر لهم الشارع على أساس أنهم من حاملي التغيير، وبما أن المواطن اليوم ينشد التغيير، على أساس ما يحدث في الوطن العربي، ولكن بالطرق السلمية، فمن المستبعد أن يعيد الكيانات السياسية القديمة التي حكمت أو حكم النظام باسمها لسنوات طويلة، إلى سدة الحكم، ولا يريد أن تكون النتائج على شاكلة ما أفرزته الانتخابات في المغرب، حيث زيّن النظام الملكي نفسه بحزب إسلامي حتى يعطي الانطباع بأن شيئا ما تغيّر في طريقة حكم المملكة. شريحة كبيرة في المجتمع لا تجد نفسها في التيار الإسلامي ولكن أيضا لا تريد العودة إلى حزبي السلطة اللذين تسببا في غلق الساحة السياسية في البلاد منذ الاستقلال، وفي غياب تيار ديمقراطي قوي فإنه لا يستبعد لجوء هذه الشريحة إلى التيار الوطني الديمقراطي الذي لم يتورط مع النظام الحاكم ملتزما خط المعارضة. وبالتالي يمكن أن تأتي هذه القوة في المرتبة الثانية وتترك المراتب الأخرى لأحزاب السلطة التقليدية التي وإن أدركت هذا الواقع فإنها تعوّل كثيرا على التكتل داخل البرلمان من أجل العودة مرة أخرى كأول قوة سياسية في البلاد، من خلال استعادة الأحزاب الصغيرة الكثيرة التي ولدتها تحضيرا للانتخابات. سوى أن الفرضية الأكثر واقعية حسب المؤشرات المتوفرة تقول أن التنافس داخل البرلمان القادم سيكون بين كتلة معارضة: جبهة العدالة والتنمية لزعيمه عبد الله جاب الله وجبهة التغيير لعبد المجيد مناصرة وجبهة القوى الاشتراكية من جهة، وكتلة الأحزاب التي شاركت في الحكم وهي جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وتكتل الجزائر الخضراء من جهة أخرى. ولكن يبقى حكم الصندوق هو الذي سيحدد من هي الكتلة التي ستصبح في المعارضة ومن هي التي ستكون في الحكم.