لا تزال الذكرى الخمسين لاسترجاع استقلال الجزائر والفعاليات المقامة في إطارها، تثير حفيظة عدد غير قليل من الشخصيات الفرنسية، خصوصا تلك التي لا تزال متمسكة بفكرة «الجزائر فرنسية»، أو حتى «اليمين المتطرف» و«لوبي الأقدام السوداء والحركى». وفي واقعة جديدة، عمدت بلدية «آكس» الفرنسية إلى منع العديد من التظاهرات واللقاءات التاريخية التي تعقد حول «حرب تحرير الجزائر»، حيث كتب موقع الصحيفة الفرنسية «لابروفانس» أن هذه اللقاءات صارت تزعج السلطات المحلية التي تحاول إلغاءها في كل مرة. وكتب الموقع تحت عنوان «اللقاءات حول الجزائر لا تعجب بلدية آكس» أنه كان مقررا عقد هذه اللقاءات ب«مدينة الكتب»، غير أن التظاهرة ألغيت لأنها «غير ملتزم بها من قبل المكلف بالثقافة». وحمل المعرض عنوان «كان يا مكان.. جيرمين تيون»، إذ كان منتظرا حضور جمهور المخرج الشهير «كزافيي مارشان»، فيما تلقى المتدخلون الدعوات من المنظمين، وكان البرنامج قد ضبط قبل ذلك بأسابيع في نهاية مارس الماضي. كما أن العديد من الأماكن الثقافية في «آكس» كانت تستعد لاستقبال التظاهرة الثقافية حول الجزائر بمناسبة الذكرى الخمسين لاسترجاع الاستقلال، غير أن كل ذلك، وفق الموقع، ذهب أدراج الرياح. وإلى جانب هذا، لاقى عرض المخرج الفرنسي «كزافيي مارشان» نفس المصير، حيث كان مقررا أن يستضيفه مسرح «دي بوا» ب«أون»، بالتعاون مع مؤسسة «فيتيس» في إطار تظاهرة «كان يا مكان.. جيرمين تيون». ويتطرق هذا العمل إلى وجوه المقاومة خلال الحرب العالمية الثانية، الذين خاضوا بعد ذلك كفاحا ضد التعذيب الذي ارتكبه الجيش والشرطة الفرنسيين أثناء الثورة التحريرية الجزائرية. ونقل تقرير «لابروفانس» الذي حمل توقيع الكاتب «جوليان دانياليد» تصريحات للسيدة «سابين بوتورتي» من «معهد الصورة»، وهي من منظمي التظاهرة، حيث قالت «بعد ذلك، اتصلت بي إدارة المسرح من أجل عقد شراكة، وكانت الفكرة هي تمديد اللقاء بعرض فيلم، فاخترت فيلمين هما (معركة الجزائر) و(روما ولا نتوما) للمخرج الجزائري طارق تقية، حول جزائر أكثر معاصرة، لقد اقترحت بعد ذلك، بسذاجة بعض الشيء، على مدينة الكتاب أن تنظم إلى هذا الحدث، وأجابتني آني تييري من هيئة الكتابات المتقاطعة بالإيجاب.. وقالت لي إن مؤسسة كوبياك، أي التعاون الدولي لتطوير القراءة والمكتبات ومقرها في ميجان، قد انضمت إلى قائمة المنظمين». وأوضحت المتحدثة «لكن، في نهاية المطاف، تمت عرقلة تلك التظاهرة التي كانت ستستمر لثلاثة أيام فقط، وتأخذ شكل مائدة مستديرة، طاولة مستديرة تحت عنوان بعد 50 عاما من الاستقلال، والجزائر...؟» مع متدخلين جزائريين هم الشاعر محمد مهدي آشرشور، والصحافية سليمة الغزالي والكاتب أكرم بلقايد، وكانت ستضم مناقشات وعروض أفلام ومسرحيات وغيرها». وقالت أيضا «كان لمدير مدينة الكتاب -كما جرت العادة- اجتماع سنوي مع باتريسيا لارنودي -المنتخبة عن الثقافة- لأخذ الموافقة على البرمجة. وفي اليوم التالي، تم إبلاغنا برسالة الكترونية مقتضبة من الأمانة العامة لمدينة الكتاب أنه لم تصادق على أمسيات التظاهرة، وانتهت بعبارة يجب إلغاء ذلك». في السياق ذاته، أكدت «سابين بوتورتي»، وفق التقرير الذي أعده موقع «أصوات الشمال» الثقافي الجزائري، أن الجمهور الراغب في حضور التظاهرة أصيب بالإحباط والغضب أمام هذا الخبر، وتمت الكتابة مجددا إلى «باتريسيا لارنودي» لإعادة مناقشة الأمر، ولكن «لم نتلق جوابا»، مضيفة «وفي أوائل أفريل الماضي، راسل جان لويس جوانو، رئيس (الكتابات المتقاطعة)، رئيس البلدية، ماريز جواسان طالبا مقابلته شخصيا للحديث حول الموضوع، وجاء في رسالته (نجدد التعبير عن استعدادنا هنا لمقابلتك للحديث عن ما صار يبدو لنا مقص رقابة فظيع على منتخبة، بخصوص موضوع خطير بالنسبة إلى جميع القراء والناخبين من آكس أون بروفانس، ونحن تحت تصرفكم.. التاريخ والوقت الذي تختارونه.. لتقديم البرنامج الثقافي بأكمله الذي كنا نريده ولا نزال نرغب في طرحه، مع جميع شركائنا، حول الذكرى الخمسين لنهاية الحرب في الجزائر، ومدى تطور هذا البلد في هذه الفترة الطويلة إلى حد ما)».. نحن في فترة انتخابات لذا قررت إلغاء الأمر من ناحية أخرى، تقول «سابين بوتورتي» إن المنتخب، ورئيس البلدية، أجاب أنه يؤكد قرار نائبه الذي «يثق به»، لأن هذا الحدث في «آكس أون بروفانس» يمكن أن يقوض النظام العام، لأنه موال جدا للجزائر، على حساب الذاكرة، وأن هذه الأحداث لم تهدأ تماما»، مضيفة «قال لنا نحن في فترة انتخابات، لذلك قررت أن أسقط الأمر.. وأنا لست في موقف المتشدد. ولكن ما نأسف له أنه لا يوجد حوار، وأود أن يثقوا بنا.. لست غاضبة جدا، ولكن أجد أن ذلك خسارة.. إن هذه المناقشات والأفلام هي المواد الجيدة التي يمكن أن تساعد في التصالح.. لقد فشلنا في الواقع».