تحولت الأعراس في ولاية فالمة خلال السنوات الأخيرة إلى مناسبة لاستعراض مظاهر الثراء المختلفة بدءا من مهر العروس وتجهيزها إلى غاية القاعة التي يقام فيها العرس وحتى الأطباق والأطعمة المقدمة.ظلت المغالاة في مصاريف الزفاف تقتصر ولسنوات طويلة على العائلات الثرية حتى إنه كان من النادر أن تجد أحد الأعراس المقامة في فندق أو في قاعة حفلات شهيرة ناهيك عن المأكولات التي تطبخ والتي تشمل أكثر من طبق، بالإضافة إلى مختلف أنواع الموسيقى وغيرها. وقد اقتربنا من بعض المواطنين الفالميين لرصد آرائهم في الموضوع فحدثتنا السيدة حسيبة 64سنة بأنها تحضر لحفل زفاف ابنها مصرحة بأنه البكر وسأعمل على أن يكون أحسن عرس في أعراس العائلة وأنها قامت بكراء قاعة حفلات فاخرة بوسط المدينة وأنها حضرت نحود 10أنواع من الحلويات، كما أنها ستقدم خلال وجبة العشاء 4 أطباق مكلفة وغيرها من مختلف أنواع السلطات والمشروبات. محمد شاب يبلغ من العمر 39سنة: ''أصبح من الصعب على الشاب في ولاية فالمة أن يتقدم لخطبة فتاة لإكمال نصف دينه بسبب الصعوبات والعراقيل والشروط التعجيزية التي تصادفه من غلاء المهر وما يليه من هدايا للعروس طيلة مراحل إتمام الزواج والتي تصل في أغلب الأحيان إلى مبالغ خيالية ''. سمية 25سنة: ''حفل الزواج عندنا هنا بفالمة يتطلب مصاريف ونفقات كثيرة. في السابق كانت تقتصر على العائلات الثرية فقط، مما جعل العائلات البسيطة تدفع الثمن بجعله أمرا ضروريا لا مفر منه، فيكلف أهل العريسين أكثر من طاقتهم لإشباع رغبة تافهة لا تقدم ولا تأخر في الهدف من الزواج''. عمي السعيد سنة 27: ''زوجت أبنائي الستة لم أحضر لا مغنيا ولم أستأجر قاعة حفلات وإنما نصبت وليمة جمعت فيها الأقارب والأحبة على عشاء كسكس وكانت زيجات أبنائي كلها ناجحة''. سليم 37سنة من ولاية جيجل متزوج من فالمية: ''الأعراس بفالمة مكلفة جدا مقارنة بولايات أخرى وما صادفني يوم تقدمت إلى الخطبة هو غلاء المهر بالإضافة إلى الصيغة الذهبية. إنها آراء مختلفة، لكن ما يمكن لمسه من خلالها هو كل المصاريف والتكاليف لا معنى لها وإنما هي حجة للمبالغة في الأعراس. جهاز العروس يلزمه 7 تبديلات تصر العروس الفالمية على اقتناء كل مايلزم من أفرشة وألبسة فاخرة لتجهيز نفسها فلا تكتفي بكل الأشياء الضرورية بل تذهب حتى إلى تلك الثانوية التي أصبحت اليوم أكثر من ضرورية، فمن البرنوس إلى قندورة الفتلة والترزي والقفطان الفرقاني إلى الوهراني والتلمساني والدزيري.... ناهيك عن المجوهرات التي ترهق بها أهل العريس حتى وإن كان دخله محدودا ومتوسطا ففي كل مناسبة يلتقي العريس بعروسه محدود ومتوسط ففي كل مناسبة يقدم لها هدية تكون حليا ذهبية حتى اليوم الأول من زواجهما. قاعات حفلات بالملايين لبعض الساعات فندق مرمورة، التاج، البركة، دار المعلم... هي أسماء لقاعات حفلات مشهورة عند مواطني فالمة. فحتى يكون عرسك من بين الأعراس النادرة والتي تبقى الناس تحكي عنه يجب أن يقام حفل الزفاف في إحدى هذه القاعات وإلا لا معنى له، كلها تتصف بحسن الخدمة والإتيكيت ولكن أسعار كرائها باهظة، والغريب أنه من الصعب أن تحصل على حجز فيها نظرا للطلبات المتزايدة عليها رغم الأجر المرتفع فبعض المواطنين يحجزون بشهرين أو أكثر حتى يتسنى لهم إقامة العرس في واحدة من القاعات المذكورة آنفا. لازم دجي...ومغنٍّ للسهرة أصبح من الضروري إحضار جهاز دجي للموسقى الصاخبة والمدوية التي تعرض مختلف الأغاني حتى تلك التي تخدش الحياء. ولا تقف الموسقى عند هذا الحد يقول سمير ''حضرت حفلا تعددت فيه أنواع مختلفة من الموسيقى فرقة للطبلة والزرنة في النهار و''دجي'' للنساء والمغني للرجال، ناهيك عن طلقات البارود المدوي والترشيقات التي تحصد أموالا باهظة...بعد أن كان الكسكس وحده كافيا بقيت الأكلة التقليدية الكسكس الوجبة اللازمة في الأفراح حتى مطلع سنوات التسعينيات ثم اختفت فجأة من أعراسنا وعوضتها مؤكولات أخرى كالدولمة وطاجين الحلو، الدجاج، ليتراجع الكسكس لكن هذه المرة ليست وحدها ليضاف لها طاجين الجبن، اللحم المشوي والبوراك... ناهيك عن السلاطات وما تبعها من مقبلات ومشروبات لتصرف ملايين في وجبة عشاء واحدة تذهب معظمها إلى الفضلات في وقت لم يجد فيه الكثير قطعة من الخبز. تبقى هذه التكاليف كما يقول المثل ''مادات ماجابت'' لا معنى لها أمام الهدف الذي وضع من أجله الزواج فهي فقط مظاهر للتفاخر والمزايدة والتبذير التي لا تمت بصلة لا إلى ديننا ولا لأمتنا العربية والجزائرية. وفي ظل هذا وذاك يبقى سن الزواج بالنسبة للرجل في ارتفاع من سنة إلى أخرى بسب الشروط التعجيزية التي تصادف الشباب الذين دفعت بهم إلى العزوف عن الزواج، ونسبة العنوسة في تزايد منقطع النظير بعد أن أضحت هذه التكاليف لا تقتصر على العائلات الثرية وإنما اعتبرتها عائلات بسيطة واجبة ولا يمكن الزواج من دونها وهكذا أصبحت الأعراس محل تفاخر وتعال واستعراض لمظاهر الثراء.