رئيس بعثة الملاكمين الجزائريين إلى أولمبياد لندن أو قائد المنتخب الوطني قد يقدم مفتاحا لبعض مايدور في أروقة الرياضة، ومن ثمة السياسة، وكلاهما لاينفصلان، سواء أكانت الجلدة المنفوخة أفيونا للشعوب، كما يقول «الماركسيين» القدامى، أو استخدمت لصرف أنظار الحفاة العراة عن مطالب حياتية مستعجلة، فالقائد – وليس العضو في الفريق سقط في أول منازلة له مع شخص هاوي بالضربة القاضية، ولهذا اتخذ قرارا بالاحتراف، لكي لايكون خروفا من خراف الوزارة، وأقول خروفا لأن الملاكم إن صحت أقواله، قد يكون ذهب إلى لندن مهزوما نفسيا ويعاني فراغا في الجيب والقلب، فهو شاب ليس له دار ودوّار ومقعد في غيرهما وقد بخلت عليه الوزارة بمسكن أو وظيفة عمل! حكاية أغرب من حكايات المعلمين الذين كان الواحد فيهم ينام في الحمّام قبل أن يذهب للقيلولة في الأقسام كما يرويها هذا الملاكم.. فكيف يمكن لرياضي ليس له مسكن ولا منصب عمل ويأكل عند «الڤرقوتي» من أصحاب محلات أربعة فصول، وبين قوسين الأفضل لهؤلاء استبدالها بفصلين تماشيا مع التغيرات المناخية، كيف لهذا أن ينافس رياضيين من طراز دولي يتمتعون بأقصى أنواع حياة الرفاهية، ويستفيدون من أفضل الخبرات وتوضع تحت تصرفهم كل الإمكانات المادية والعلمية والتكنولوجية لتحسين أدائهم؟ هذه الصورة البائسة يمكن رؤيتها بالألوان مع مايحدث مع فريق الخضر والزرق، فجل اللاعبين المحليين خاصّة ينهارون جسديا بعد نصف ساعة فقط من الركص، أمر لايمكن تفسيره إلا بشيئين، نشأة هؤلاء في البؤس والحرمان في صغرهم، الأمر الذي ينعكس في كبرهم، كلوا تصحوا على وزن صوموا تصحوا، وضعف التدريبات الجادة بما تتطلبه من إرادة وصلابة لتحسين المستوى. فليس هناك صيني أذكى من عربي ولا ألماني أذكى من زنجي، ينطبق هذا على الذكاء، إذ أنه بنسبة 90 ٪ عبارة عن كد وعمل وإتقان قائمة على إرادة صلبة لتحقيق الهدف. فأين الخلل في حال ملاكمنا الشاب البطال إذن وقس عليه كل من تظهر عليهم مواهب في مختلف المجالات، بما فيها المجالات غير الرياضية، يمكن طرح عدة احتمالات تفضي جميعها إلى كون القصور أصله ثابت في السياسة، وفي عقول السياسين المتسوسين والموسوسين؟ الاحتمال الأول أن معالي الوزير (والزير) وماهو بمعالي وماقدره عالي بعد أن تعرضت الوزارات والإدارات للتنقية، أن معاليه لايعلم وغير مطلع على أوضاع رعيته فهو مشغول باستراتيجيات كبرى في اختصاصه قد لاتعرفها حتى أمريكا أو الصين! مع أن الوزير أو المدير عمّر في منصبه في مخالفة للقانون والحق والعقل والعدل مدة عشرين عاما دون أن يجرؤ أحد على تحريكه. تعطى الأولوية في هذه البلاد التي يرأسها التعساء من الناس والمرضى والمشكوك في صحتهم العقلية لأصحاب المناصب والسكرتيرات، يضيع معها الأساس في حالتنا بطل الملاكمة مثلما يضيع المنتجون أمام الإداريين أو السماسرة والوسطاء فهذه خيبتهم. لعل خطأ الملاكم وقس عليه المتعلم والمثقف أن يخرج الواحد منهم على طريقة الحرافيش كما يسميهم المصريون ممن يخرجون في الطرقات للحصول على مكسب ليس من حقهم أصلا! وكان على الملاكم هذا أن يبدأ بملاكمة من هو تحت الوزير أولا حتى يعلم هذا الأخير بأن الشعب هو البطل، كما يزعمون وما الملاكم إلا هو الشعب! نعامة وكليب!! ثمة ظاهرة تستدعى الانتباه تثيرها هذه الأيام منافسات الأولمبياد ملخصها أنّه لاتوجد علاقة مباشرة بين الانفتاح السياسي أو الديمقراطي والانتصارات أو الانكسارات الرياضية على المستويات الدولية أو مايقابله من إبداع في شتى المجالات الأخرى، ثقافيا السوريون مثلا أو التونسيون أيام الأسد وبن علي أكثر تقدما في ميدان الإنتاج الفني والفكري مع غيرهم من الغرب، رغم أن بني الأسد والأسد نعامة تحاول أن تستأسد، وبين علي وعلي في قهوة تونس وليس في قهوة عمي موح، كليب آخر يمارس «دور الرقيب»، ويبلغ القريب والبعيد في سهم حكم الرعيان عما يكون قد اقترفه الواحد من حرام، يستحق بموجبه أن يعلق مع القهواجي بحزام، وإن قال إن النّاموس ومعشر الذبان مزعج لايلتقيان مع «الحمان» فهذا نقد سياسي! و هذا الاستثناء الجزائري الذي بدا فيه ما يصطلح على تسميته مجازا بالشعب العظيم، أي الغاشي الذي لايحكمه إلا من كان عظيما مثله. كأن جمهور ملاكم في كل شيء، عجز عن إخراج ملاكم واحد يشرف هذه الأمة المختصة مثلما عجر عن إخراج ضارب سيف أو حامل رمح أو بندقية أو قافز على الحواجز أو عداء فائق السرعة أو فائق التدفق كالإنترنيت عندنا، فهو للتذكير ثاني أبطأ تدفق على المستوى العالمي، كما تؤكده التقارير الأخيرة والذي يحصل حتى الآن في المجمع اندلاع معارك بالسيوف من أجل الظفر بمكان يصلح للبيع وشد المارة أو تنافس ضاربي طبول الشيتة لصالح أصحاب النفوذ ولو بتقديم خدمات مجانية يتنافسون فيها كما لو أنهم في الأولمبياد بدعوى أن كل و احد منهم «قافر» و«فايق»، أي صاحب فطنة وإن كان صاحب سمنة أو صاحب بطنة. لكن الأكيد الآن أن كل الدول الناجحة رياضيا سبقها نجاح اقتصادي وصناعي، وهو مايجسده النموذج الصيني مع أن الصيني يبدو من حيث البنية صغيرا وقصيرا وإن بدأ القوم في السنوات الأخيرة يزدادون طولا أو مايجسده النموذج البرازيلي بعد أن تطورت البلاد رياضيا قبل أن تلحق اقتصاديا ويكون لها ألف حساب في المعاملات الدولية، فهل أن نفس الذين خربوا السياسة هم أنفسهم الذين خربوا الرياضة بعد أن خربوا المجتمع؟ لعل هذه هي الحقيقة الوحيدة التي يمكننا أن نعثر عليها من دون الاستعانة بشمعة في ضوء النهار. والمشكلة هنا تكمن في إثبات ذلك بالبراهين العلمية والرياضية والمنطقية، خاصة أن العلم والرياضيات والمنطق توجد في وضع لا يسر المتفرجين والحل الوحيد أن يقام على هامش كل أولمبياد رياضي أولمبياد للحكام والساسة الإسميين والفعليين بعد أن يتم إخراجهم إلى النور وسترون أن أحكام البلاد المتخلفة والحارة التي لايقوى فيها الواحد على نش الذبان من فوق أنفسه كسلا واتكالا سيكونون خارج التقييم بعد أن طاب جنانهم وخف عقلهم وثقلت أرجلهم وجفت جلودهم، فلعلهم في ذلك الوقت فقط يشعرون لماذا يعجز شعب ملاكم يحتكم «للدبزة» والسيوف والعصي لحل خلافاته، عن تكوين أنواع راقية منهم في شكل رياضيين محترمين إن شاء الله أمين!! وبالمناسبة لماذا يتلاكم الجزائريون طول العام وفي رمضان تحديدا؟!