عندما قال سيف الإسلام القذافي أن النظام الليبي ساعد نيكولا ساركوزي في حملته الانتخابية لأجل التربّع على عرش الإليزيه، أقام الرئيس الفرنسي الدنيا في باريس وفي معظم العواصم الأوروبية وأقعدها على رأس باب العزيزية وبنغازي رفقة قوات حلف الناتو * وعندما اعتدى مواطن فرنسي بسيط في الثانية والثلاثين من العمر يدعى هارمن فاستر على نيكولا ساركوزي أمام الملأ لم تقض العدالة الفرنسية بأكثر من شهرين موقوفة النفاذ في قضية اعتداء فرنسي برتبة مواطن هو الآن يمشي في الأسواق على فرنسي برتبة رئيس قد لا ينزل مستقبلا للأسواق ضمن معادلة أشداء علينا رحماء بينهم في كل الظروف، وهي المعادلة التي جرّتنا لثورات شعبية ملتهبة من المحيط إلى الخليج في دول قرّر قادتها أن يعيشوا لأنفسهم حتى ولو قضوا على شعوبهم، ومنحت سعادة وهناء في دول غربية قرّر قادتها أن يعيشوا لشعوبها حتى ولو قهروا أنفسهم بتحمل الإهانات والضرب وقهروا أيضا قادة وشعوب الدول الأخرى. * كل القنوات التلفزيونية الفرنسية ومواقع الانترنت بثت لقطة الإهانة التي تعرض لها نيكولا ساركوزي خلال زيارة لمساعدة أهل جنوب البلاد فمدّ يده لمصافحة مواطن عادي فكان جزاؤه إهانة جسدية قاسية لو تعرض لها أي زعيم عربي لخسف حراسه الخصوصيين الأرض من تحت أقدام الفاعل، ولما حلُم بأن يصل إلى القضاء، وإن وصل فإنه سيُجرّه إلى أشغال شاقة مؤبدة أو مقصلة تجعله عبرة لكل من يتجرّأ على الدنوّ من فخامته أو من صاحب السمو والجلالة. * لقد تعرّض رونالد ريغن لمحاولة الاغتيال وتعرض فرانسوان ميتران ومرغاريت تاتشر ويتعرض ساركوزي لكل أنواع الإهانة، كما تتعرض ميركل وبرليسكوني وديفيد كامرون من مواطنين بسطاء من شعوبهم، ولكنهم كانوا ومازالوا يواجهون شعوبهم التي أوصلتهم إلى الحكم بالعمل والسهر لأجل أن يُعِزّوهم ولو بإذلال بقية الشعوب، ولم يتعرض زعماؤنا إلا للتفخيم والإجلال ومع ذلك يقتلون شعوبهم بالنار وبالفقر وبالجهل وبالعنصرية، فكان بعضهم "أسد" بالفعل وبالاسم على شعبه وفي الحروب المصيرية مع الذين جرّدوه من هضبة الجولان نعامة وارتضى بعضهم تقسيم بلده إلى نصفين ليّهدي جنوبه للصهاينة فصغّر بلاده الكبيرة حتى لا يصغر هو بعيد عن الحكم، والحبل على الجرار مع بقية الزعماء من دون استثناء. * نعلم منذ زمن بعيد أن الأمريكان والإنجليز والفرنسيين والألمان والصهاينة والصينيين والبرازيليين عندما صنّعوا الأسلحة إنما ليرعبوا بها أعداءهم في بلاد أخرى وليجعلوها ثروة تُدرّ على شعوبهم الملايير، ونعلم أيضا أن حكامنا عندما استوردوا الأسلحة من فاتورة لقمة عيش شعوبهم إنما ليرعبوا بها جيرانهم الذين هم من جلدتهم وليبيدوا بها شعوبهم كما هو حاصل الآن في ليبيا وفي سوريا وفي اليمن وفي غيرها من البلدان، وصرنا نعلم الآن لماذا تسعد شعوب ويهنأ قادتها في الضفة الشمالية، ولماذا تشقى شعوب ويتعس قادتها في بلاد كان قدرها أن تكون لها العزة كلها، ولكنها ارتضت أن تكون شديدة على شعوبها ورحيمة جدا على الذين أرادوا وتمكنوا من ذلّها.