الإسلاميون في الجزائر يعبُرون أخطر أزمة في تاريخهم السياسي، ليس في الأمر شك! فالذي حدث منذ العقد الأخير من القرن الماضي، لم يؤد إلى إرباك الإسلاميين فحسب، بقدر ما دفع الكثيرين منهم إلى التخلي عن العمل الإسلامي من أساسه، ومن بقوا متمسكين بالفضاءات الإسلامية (على قلتها) لم يتمكنوا من الاحتفاظ بنفس القدر من التحمس للفكرة، والسبب واحد لا محيد عنه، وهو أن القواعد المناضلة أو المتعاطفة مع الخيار الإسلامي فقدت في القيادات الحالية النموذج الحقيقي ل«القيادة العاملة»، التي تغري بالبقاء على النهج الإسلامي! ينبغي الاعتراف: إن مئات أو ألوفا من المتدينين أصبحوا ينفرون من العمل السياسي ويفرون إلى العمل الخيري، أو المبادرة الشخصية عند الاستطاعة، وذلك، بقدر ما يؤكد «الخيرية» في الإنسان الجزائري بقدر ما يكشف الإحباط من القيادات الإسلامية، أو القيادات الناشطة باسم الحل الإسلامي. الانتخابات الأخيرة في الجزائر كشفت عمق أزمة «الشعبية» التي أصبح يعانيها الإسلاميون في هذه البلاد، لكن للأسف لم يجرؤ أحد على النظر في معاني هذه الخيبة.. لأن لا أحد يملك الشجاعة على فعل ذلك! والمفارقة أن الإسلاميين في الجزائر يحلو لهم جميعا أن يتحدثوا عن نجاحات الإسلاميين الأتراك.. لكن لا يتقدموا أي خطوة في الطريق ذاته! فقد واجه الأتراك جميع مشكلاتهم بالجدية المطلوبة، حتى أنهم لما أيقنوا أن حضور البروفيسور نجم الدين أربكان (رحمه الله) قد يعطل مشروعهم تمكنوا من إيجاد أرضية مناسبة والانطلاق من دونه، فكانت النتيجة انتصارات انتخابية كاسحة وشعبية تتزايد في الداخل وإعجاب يرتفع من الخارج! عندما نقف على تخطيط الإسلاميين الأتراك وعبقريتهم في المزاوجة بين الدولة والدعوة والقدرة على الوفاء بالتزامات الحكم ومقتضيات الحزب، وتوقيف وسائل المال والإعلام والاقتصاد والتجارة لخدمة المشروع وتنمية الوطن، نتأكد أن إسلاميي الجزائر بعيدون عن إنتاج نموذج مشابه.. والحل في جيل جديد أكثر وعيا.. فالمرحلة الجديدة في الجزائر تتطلب مشروعا على الطريقة التركية لكن في شقه المتعلق بالتنمية وخدمة الوطن وتعميق الانسجام في الداخل، بعيدا عن المصادمات التقليدية بين المدني والعسكري التي لم يعد منها طائل..