جرائم أسبابها أمراض نفسية إن التستر الزائد عن الأمراض النفسية وعدم معالجتها قد يجعلها تتفاقم ويؤدي إلى ارتكاب الجرائم، ونقول هنا بعض الحالات ولا نعمم، أي ليس من الضروري كل مريض نفسيا هو مجرم، والمرض النفسي تتعدد أسبابه وله علاجه تماما مثله مثل الأمراض الجسدية العضوية ، كما أنه ليس عيبا أو فضيحة في هذه الأمراض العضوية والإعلان عنها ومراجعة العيادات الطبية المتخصصة في علاجها كباقي الأمراض الأخرى، والمرضى نفسيا ليسوا مسؤولين عن أفعالهم فهم مغلبون على أمرهم وغير قادرين على إدارة حياتهم، كما أنهم غير معنيين بإيذاء أحد ، وحتى عندما يصدر منهم عدوان فإنه يكون غير مخطط أو موجه بدقة وإنما يأتي عفويا عشوائيا ،على عكس الجرائم التي يرتكبها أصحاء فتجدها على قدر عال من التخطيط والتنفيذ ، ومحاولات الإخفاء والمكر والدهاء، وحالات المرض النفسي التي يمكن أن يصدر عنها سلوك عدواني متكرر تكاد تنحصر في بعض حالات الإنفصام في الشخصية ، حيث يحمل المريض بعض المعتقدات الخاطئة والراسخة في نفس الوقت والتي ربما تدفعه إلى ارتكاب جريمة ما بناءا على ما يعتقده من خيانة أو محاولات اضطهاد أو غيرها. علاقة الأمراض النفسية بارتكاب الجريمة ربما السؤال الذي يتبادر إلى أذهاننا مباشرة عند قراءة مقدمة الموضوع هو هل كل مريض نفسي مجرم؟ بالطبع ليس كل مريض نفسي مجرم ، لكن هناك علاقة بين الاثنين ويرجع هذا إلى نوعية المرض ، حدته ومدته والدوافع والأسباب الحقيقية التي تقف من وراء إقدام المريض على الأعمال العنيفة ،أو الجرائم الخطيرة العديدة والمتنوعة، منها على سبيل المثال عدم إدراكه ووعيه بما يدور من حوله، لذا فهو أحيانا يرتكب الجريمة بدون عمد أو وعي منه. إن بعض المرضى يلجئون إلى بعض التهديدات ، ولابد للعائلة والأشخاص المحيطين بهذا المريض أخذ هذه التهديدات بمحمل الجد وعدم تجاهلها، وكذلك ليس من الضروري إعطاء ذلك التهديد درجة كبيرة من الاهتمام ، حتى يلاحظها المريض ليتخذها وسيلة لتحقيق غايات معينة في نفسه ، ومع ذلك يجب أخذ الحيطة والحذر و إبعاد جميع ما يؤدي إلى إلحاق الضرر بالمريض أو بالمحيطين به من أفراد أسرته، وقد يكون أحد العوامل التي تدفع المريض إلى التهديد بالقتل ، هو رغبته في الحصول على أمر ممنوع عليه لتحقيق رغباته. لأسباب مرضية نفسية ارتكب مجزرة في حق عائلته من فئة المرضى نفسانيا التي نفذت الجريمة نذكر قضية الفتى "هشام" الذي امتثل أمام جنايات العاصمة شهر جانفي الفارط ، ففي جلسة خيّم عليها الهدوء ، وبين حضور شد أنضاره لمرتكب الجريمة الشنعاء في حق العائلة التي تبنته ومنحته اسمها عن طواعية ، وأغدقت عليه بفيض حنانها ، واجه المتهم هيئة المحكمة بجناية قتل الأصول ، وجناية القتل العمدي مع سبق الإصرار والترصد التي طالت شقيقيه في رمضان، حيث أزهق المتهم روحيهما بكل برودة دم و لم يعر أهمية لأواصر الأخوة التي جمعته بهما فى الحضن العائلي الواحد ، لتلقى والدته المرحومة المصير نفسه على يديه، حينما ذبحها وهي ساجدة لربها بلا رحمة أو شفقة . وفي إجابته على أسئلة القاضي ، لم يأت المتهم بتفاصيل أكثر عن الجريمة التي نفذها مما أورده في خضم التحقيق ، وقد تمحورت إجابات المتهم على العموم بين "نعم" و"لا" اللتان خلصتا إلى إقراره بتلطيخ يديه بدماء بشرية غدرا لأقرب مقربيه، مؤكدا أن سبب الجريمة يرجع إلى المعاملة السيئة من طرفهم لوالده الذي أخذه الموت منه اثر مرض عضال. فيما أكد دفاعه أن حالته النفسية السيئة و تناوله المهلوسات ليلة الوقائع كانا من وراء تنفيذه جرمه . و باعتبار أن الجريمة واقعة بركنها المادي والمعنوي ، سلّطت محكمة الجنايات الإعدام على "هشام" الذي واجه العدالة من الوهلة الأولى بملامح يائسة وتقبل العقوبة المسلطة عليه ببرودة، فيما تأثر لحالته الكثيرون بمن فيهم المحامون رغم بشاعة الجرم الذي نفذه. مريض نفسيا يُهدد والده بتفجيره بقارورة الغاز هناك بعض القضايا التي تعرض على مستوى محاكمنا ما يقف من ورائها أشخاص يُعانون من أمراض نفسية واضطرابات في الشخصية ، مما يجعلهم يتعدون على أهاليهم ويهددونهم بالقتل، هذا هو حال الشاب الذي مثل أمام محكمة الجنح ببئمرادرايس في شهر مارس الفارط بتهمة الضرب والجرح العمدى، بالإضافة إلى التهديد بالقتل عن طريق تفجير قارورة الغاز في المنزل العائلي لسبب تافه ، كون أنه قام بالمشاجرة مع بعض العمال الذين يشتغلون في ورشة للبناء أمام منزلهم ، بحجة أنهم يمعنون النظر إلى أمه أثناء نشر الغسيل ، ما جعله يتشاجر معهم ، لكن أبوه أنبه لتصرفه هذا لأن العمال ليس لديهم خيار ولابد من العمل هناك ، وهذا ما جعل الابن يثور كالعادة حسب قول الأب ويقوم بالتعدي عليه وتهديده بتفجير قارورة الغاز، وأشار هذا الأخير أن ابنه يعانى من اضطرابات نفسية ، الأمر الذي جعل وكيل الجمهورية يلتمس في حقه تطبيق القانون. الظروف الاجتماعية القاسية قد تخلف ذوي السوابق عدلية إنّ تدنى الظروف الاجتماعية وغلاء المعيشة وانتشار البطالة ، قد يؤدي في أغلب الأحيان إلى انتشار الجريمة ومختلف الآفات الاجتماعية الأخرى كالسرقة ،ترويج المخدرات وغيرها، حيث أن الكثير من الأشخاص أصبح شغلهم الشاغل ، كيفية توفير المال بطريقة أو بأخرى، حيث يدخلون في دوامات عديدة إلى غاية وصولهم إلى الإجرام ، وهذا ما تُعالجه يوميا محاكمنا من خلال عرض قضايا مختلفة في أغلبية الأحيان تكون أسبابها اجتماعية بحتة رغم أنها لا تظهر كذلك ، فما الذي يجعل هؤلاء الأفراد يدخلون في بوابة الإجرام إذا لم يكن السبب الرئيسي هو الحاجة إلى توفير المال من أجل الزواج أو العيش المتوسط أو توفير مسكن و غير ذلك. ...وللمخدرات تأثير كبير في تخدير عقول الأفراد أسباب انتشار جرائم القتل بوجه عام يعود إلى عوامل كثيرة، أحد هذه العوامل الأساسية ارتباط الجريمة بالمخدرات، و من خلال متابعتنا لجرائم المخدرات نجد معظم الجرائم مرتبطة بطريقة مباشرة و غير مباشرة بالمخدرات، والتأثير الذي يحدثه على عقل الإنسان يجعله يتصرف بطريقة غير شعورية، فمن الممكن وهو تحت تأثير المخدر أن يرتكب أي جريمة يقتل فيها والده أو أمه أو يقتل أخيه أو أي إنسان، لأنه عندما يرتكب الجريمة لا يكون بوعيه الكامل ولا يدرك ما يفعل، لذلك بدأت تظهر الجرائم التي لم تكن موجودة في المجتمع بل إن الإنسان يستغرب لانتشارها ، لكنها في الواقع فرضت نفسها نتيجة ارتباط سلوك الفرد الذي ارتكب الجريمة بالمخدر. التأثر بالفضائيات والأفلام إلى جانب ما سبق ذكره فإن عملية المحاكاة التي تتم عن طريق ما يراه في المحطات الفضائية والأفلام المليئة بالمواقف التعليمية للجريمة ، واستخدام السلاح وإبراز القاتل، و من يملك هذا السلاح هو الشخص القوي ، وبالتالي هناك أشخاص يتأثرون بهذا الشيء ويتقمصون تلك الأدوار، ونلاحظ في الفترات الأخيرة أن صغار السن أضحوا هم الآخرين يأخذون السلاح إلى المدرسة، نتيجة للتأثر أو مشاهدة هذه الأفلام. كما أن تنامي هذه الجرائم يرجع إلى ضعف الوازع الديني الذي يدفع الإنسان لارتكاب أي جريمة أو أي عمل مخل بالشرف وغير مقبول في المجتمع، ونتيجة لعدم وجود هذا الوازع الديني يندفع الإنسان لارتكاب أي تصرف من التصرفات الطائشة . وعلى هذا الأساس، فإن الجريمة موجودة دائماً كظاهرة اجتماعية متداخلة وظيفياً مع باقي الظواهر الاجتماعية الأخرى في المجتمع رغم تغير صورها ومظاهرها، ولهذا فإن التغييرات التي تحدث في ملامح الظاهرة الإجرامية في مجتمع معني تعكس التغيرات الاجتماعية التي شهدها المجتمع في الوقت الحاضر. ومما لاشك فيه أن تفسير السلوك بوجه عام والسلوك الإجرامي بشكل خاص، ليس بالمهمة السهلة ولا يمكن إرجاعه إلى عامل واحد لتفسير ومعرفة أسبابه ، ويميل غالبية علماء الاجتماع والمنظرين في مجال تفسير السلوك الإجرامي، إلى تحليل أنماط السلوك الإجرامي بإرجاعه إلى عوامل متعددة تتداخل فيها العوامل الاجتماعية والنفسية لتعزز كمحصلة نهائية أنماط السلوك المخالف للأعراف الاجتماعية السائدة في المجتمع، ويبرز تفسير السلوك الإجرامي في فترة من الفترات إلى أسباب اجتماعية واقتصادية معينة .. وإذا ما أردنا تحليل أسباب بروز ظواهر العنف في المجتمع بشكل خاص فإنه يمكن إرجاعها إلى مجموعة من القواعد المتفاعلة مع بعضها البعض، ويبرز أهمها في غياب التوجيه الأسري في عملية التفاعل الاجتماعي مع الآخرين بالحوار وليس بالرصاص، حيث أن العجز عن الحوار الفعّال يتحول بالضرورة إلى الحوار الدموي القاتل، كما يشكل الإحباط المتولد من سرعة إيقاع الحياة اليومية أحد المتغيرات المثيرة للفرد ، والدافعة للخروج عن الأعراف والتقاليد المقبولة، كما تمثل المؤسسات التربوية أحد المتغيرات المهمة في إفراز أنماط من السلوك غير السوي، ولا يمكن بالضرورة حصر جميع العوامل في موضوعنا ولكن ما يمكن التأكيد عليه واعتباره ضرورياً جداً هو وسائل الوقاية . ليلى .م