بعد قرابة عشرة أشهر من الحراك الشعبي السلمي للجزائريين الذي انطلق في 22 فيفري، كان أول أمس الخميس ملايين الجزائريين عبر ربوع الوطن على موعد مع الاستحقاقات الرئاسية، جرت في أجواء استثنائية لم تشهدها البلاد من قبل . تغطية : مريم والي / فؤاد. ق ما يزيد عن 24 مليون ناخب كانوا مدعوين لاختيار رئيسهم بكل من بين خمس مترشحين يقودهم حلم الجلوس على كرسي المرادية، وهم كل من عبد المجيد تبون، علي بن فليس، عز الدين ميهوبي، عبد القادر بن قرينة وعبد العزيز بلعيد. و بعد أن سمحت الحملة الانتخابية للمترشحين الخمس بإطلاع الشعب على برامجهم والكشف عن خارطة تتطلّع لقيادة الجزائر نحو التغيير المنشود، وعقب تحضيرات جرت على قدم و ساق لإنجاح الموعد الانتخابي، جاء يوم الحسم الذي يختار فيه الناخبون الرئيس الثامن للجمهورية الجزائرية. توافد غير متوقع شهدت مراكز الاقتراع وعددها إجمالا ما يزيد عن 61 ألف مركز عبر الوطن ، توافدا لابأس به من الناخبين الذين تقدموا منذ الساعات الأولى نحو صناديق الاقتراع للتصويت على من يرونه الأصلح و الأنسب لإدارة شؤون البلاد بعدما وجدوا في الانتخابات الرئاسية المخرج الوحيد من الأزمة، بالنظر للأجواء التي تم فيها تنظيم هذا الاقتراع والمتميزة باستمرار الحراك الشعبي. فعلى غير ما كان متوقعا و بسبب الأوضاع التي شهدتها البلاد في الآونة الأخيرة و انقسام الشارع بين مؤيد للانتخابات ومقاطع لها، حقق الناخبون الجزائريون نسبة استجابة مقبولة نسبيا في معظم ولايات الوطن استنادا للنسب التي أعلنت عنها السلطة الوطنية المستقلة لمراقبة الانتخابات. و في جولة استطلاعية قادتنا إلى عدد من مراكز الاقتراع بمدينة مفتاح أقصى شرق البليدة، الولاية التي سجّلت نسبة استجابة ب 41،46 بالمائة ، سجلنا توافدا مقبولا لشباب و شيوخ و كهول و حتى توافد العنصر النسوي. وأجمع الناخبون في تصريحاتهم ل ” الجزائر الجديدة ” بعد آداء حقهم الإنتخابي في ظروف حسنة، أنهم اختاروا تلبية نداء الوطن وكلّهم أمل في أن يكون الرئيس الجديد للجزائريين في مستوى تطلعاتهم . ” ب، رشيد ” شاب في عقده الثاني من العمر التقيناه بمركز الإجراء الانتخابي ” الشهيد محمد دلال ” يؤكد في تصريحه أنه كان من الأوائل الذين اصطفوا في صفوف الحراك الشعبي كغيره من الشباب الذي نهض لمجابهة الفساد القائم في السلطة، إلا أنه اختار الخروج عن صفوف الحراك في الجمعة ال 20 ، بعد أن ازدادت قناعته بأن الجزائر تسير في السكّة الصحيحة وأنّ الحراك انتصر في شقّ كبير، بعد أن شهد قطاع العدالة محاكمة لوجوه الفساد في سابقة في تاريخ القضاء الجزائري. وعبّر محدثنا عن أن أملهفي اختيار رئيس ستكون أولى حساباته إبادة عصر الفساد و الفاسدين. ويشاركه الرأي ” ك، علي ” ربّ عائلة اصطحب زوجته و والدته لآداء واجبهم الانتخابي و كلّهم أمل في عودة الاستقرار للوطن و التأسيس لجزائر جديدة و النهوض بها من جديد في شتى المجالات و بالخصوص في قطاعها الإقتصادي الذي يعدُّ محرك باقي القطاعات . أما ” س، لامية ” و ” م ، كاميليا ” صديقتان توجهتا معا للإدلاء بصوتيهما بالمركز الانتخابي ” السواكرية ” بمفتاح ، اتفقتا على اسم واحد في اختيارهما لأحد المترشحين الخمس ، تقولان بابتسامة : ” جئنا اليوم لننتخب معا و لأننا غالبا ما نتفق في كل شيئ لم نختلف اليوم أيضا على اسم المترشح الذي نمنحه صوتنا ” . ولم تخف الشابتان أن آدائهما لواجبهما الانتخابي ينبع من خوفهما على أمن الجزائر و التربّصات التي تحيطها من الخارج و تقولان في هذا الصدد: ” لا يمكن للجزائر أن تبقى بلا رئيس و لا رغبة لنا في التدخل الأجنبي بشؤوننا الداخلية “. أما في مركز الإجراء الكائن بمدرسة ” زيان ” فشهد إقبالا للناخبين على اختلاف أعمارهم. وهناك يؤكد العم ” محمد ” قائلا : ” عن نفسي و عن أترابي أقول أن قطار الزمن قد تجاوزنا يا ابنتي، ولأني لا أرغب في أن يعيش أبنائي و أحفادي معيشة الذل والهوان التي مررنا بها، جئت اليوم لأنتخب على مستقبل مشرق للجزائر، هذا البلد الذي ضحّى عليه الشهداء يستحق الأفضل بكثير، وأرجوا من هذه الرئاسيات أن تكون فاتحة خير على شبابنا “. من جهته يؤكد” أ، نور الدين ” أحد المكلفين بتنظيم عملية الانتخاب بمدرسة ” محمد الجزائري” بمفتاح، أن إقبال الناخبين كان مقبولا لحدّ ما بحسب ما شهده في مركز الاقتراع الذي تواجد فيه، ففي حدود الساعة منتصف النهار تمّ تسجيل نسبة 26.50 بالمائة، حيث بلغ عدد المصوّتين 102 ناخب من بين 384 مسجّل، و هو ما أكدته ” ل، سهام ” مكلفة أخرى بالتنظيم بالمركز الإنتخابي الكائن بسيدي حماد بمفتاح، موضحة أن جلّ الناخبين الذين أقبلوا على الإقتراع بتعداد مقبول جدا تباين اختيارهم بين المترشحين عبد المجيد تبون و علي بن فليس . .. و إقبال محتشم في مراكز أخرى و ب ” الجزائر العاصمة ” شهدت سيرورة عمليات التصويت في العديد من المراكز الانتخابية انطلاقا من باب الزوار وصولا إلى برج الكيفان و قهوة شرقي مرورا بالرويبة و الرغاية، إقبالا متفاوتا. وأبرزت المُعطيات الأولية للانتخابات الرئاسية التي وقفت عليها ” الجزائر الجديدة ” بالمقاطعة الإدارية للرويبة، اقبال للناخبين على مكاتب الاقتراع منذ الساعات الأولى من صبيحة أول أمس مقارنة بالانتخابات الفارطة, حيث بلغت نسبة التصويت 7 بالمائة في حدود الساعة العاشرة صباحا, ليتزايد الإقبال في فترة الظهيرة إلى 33,49 بالمائة الساعة الواحدة زوالا، وارتفعت النسبة إلى 25 بالمائة في حدود الساعة الثالثة والنصف زوالا لتبلغ 35 بالمائة نصف ساعة قبل إسدال الستار على عملية الاقتراع . وكشفت الجولة التي قادتنا إلى الكثير من المراكز الانتخابية عن سير الاقتراع في ظروف عادية دون تسجيل أي تجاوزات أو خروقات تُذكر،حسب القائمين عليها وممثلي لجان المُراقبة. وقامت ” الجزائر الجديدة ” بجولة استطلاعية عبر عدد من البلديات التابعة إداريا لدائرة باب الوادي بالعاصمة، على غرار كل من الرايس حميدو و بولوغين وبابا الوادي، لرصد الأجواء وسط المواطنين والمنتخبين بمختلف مكاتب التصويت التي شهدت حضورا أمنيا مكثفا لعناصر الأمن والشرطة والحماية المدنية بكل المكاتب المعنية بعملية التصويت، بسبب الأوضاع المتوترة التي شهدتها باب الوادي منذ الساعات الأولى من الصبيحة. و كان الإقبال ضعيفا ببلدية الرايس حميدو وعبر مختلف المكاتب التي تضمها الولاية، وهي نفس الأجواء التي شهدتها مكاتب الاقتراع في بلدية واد قريش ،ووفقا للأرقام التي تحصلت عليها ” الجزائر الجديدة ” من مدرسة حاجي عثمان, لم يتجاوز عدد المصوتين 19 مصوت من أصل 247 بكل مكتب من مكاتب التصويت، أغلبهم من فئة النساء والكهول، والوضع ذاته ينطبق ابتدائية بابا عروج ب ” لابوانت “، أين كان الإقبال على صناديق الاقتراع محتشما . ولم يختلف الوضع بكثير بمراكز الإجراء الموزعة على مستوى باب الوادي، أين كان أن أغلب المنتخبين من فئة الكهول والنساء, بينما التحق عدد كبير من الشباب بالمسيرة التي نظمت في ساحة البريد المركزي بقلب العاصمة . غابت مظاهر الاقتراع في العديد من بلديات بولاية بومرداس, حيث شهدت مراكز الاقتراع غياب للناخبين ما عدا حضور محتشم للنساء والكهول وسط حضور قوي لمراقبي المترشحين الخمسة الذي غطوا معظم مراكز الاقتراع. وبدت جميع الطرقات الوطنية المؤدية إليها على غرار الطريق رقم 25 و 24 و 12 خالية من المركبات, بينما عجت المقاهي بالمواطنين في كل من يسر وبومرداس وبرج منايل. الوضع بالجزائر العاصمة لم يختلف بكثير في عدد من ولايات الوطن التي سجّلت عزوفا كبيرا للناخبين، خصوصا في ولايتي بجاية و تيزي وزو اللتان سجلتا نسبا دنيا في العملية الانتخابية لم تصل إلى 1 بالمائة . صور صنعت الاستثناء … صنع توافد ملايين الجزائريين على صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم و اختيار رئيس للبلاد بما فيهم المرشحين الخمس و الشخصيات السياسية، صنعت الاستثناء في يوم الاستحقاق الرئاسي، و لعلّ أكثر الصور التي استقطبت أكبر عدد من التعليقات و أثارت الجدل و فتحت باب التساؤلات على مواقع التواصل الاجتماعي، صورة تقدم ناصر بوتفليقة شقيق الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة حينما تقدّم بخطى ثابتة ليدلي بصوته بمركز الإقتراع الكائن بالأبيار و يختار رئيسا للبلاد خلفا لشقيقه الذي أوكله هو الآخر مهمة الإنتخاب بالنيابة عنه أيضا مفضلا الإختفاء عن أنظار الإعلام ، في الوقت الذي يتواجد فيه شقيهما الثالث السعيد بوتفليقة في السجن بتهم ثقيلة . و لم تغب صور التكافل و التكاتف بين الجزائريين يوم الانتخاب، حيث استحسن مواطنون صورا انتشرت على مواقع التواصل الإجتماعي “فايسبوك “، لم يغب فيها طبق ” الكسكسي باللحم ” على موائد منظمي الانتخابات بعد أن اجتهدت في تحضيره العائلات القاطنة بولاية الجلفة، إلى جانب صورة أخرى تظهر تعاون رجال الحماية و حملهم الشيوخ العاجزين على التنقل و مساعدتهم في التقرب من أحد مراكز الإجراء بورقلة ، كما لاقت صور ذوي الاحتياجات الخاصة و هم يؤدون واجبهم الإنتخابي استحسانا كبيرا ،بمن فيهم من جاء ليدلي بصوته مستندا على عكاز حديدي و آخرون عاجزون عن التنقل تماما و كلّهم أمل في غد أفضل ينصف هذه الفئة التي همّشت طويلا . ناخبون تائهون ! رغم كل التحضيرات التي سبقت الموعد الانتخابي، لم تكن كل الظروف مهيئة أمام كافة الناخبين للإدلاء بأصواتهم في ظروف حسنة، فجولتنا في عدد من مراكز الاقتراع جعلنا نقف على التسيير السيء في بعض المراكز، ففي بعض مراكز الإجراء الكائنة بمفتاح شرق البليدة على غرار مدرستي ” السواكرية ” و ” محمد الجزائري”، قابلنا شيوخا متذمرين من سوء التسيير كونهم لم يجدوا أسمائهم في قوائم الناخبين، و خرجوا غاضبين من مركز الإقتراع بعد أن قرروا العدول عن الانتخاب، قبل أن يحاول المشرفون على سير العملية الإنتخابية توجييهم من مركز إلى آخر ما جعلهم يعزفون عن الانتخاب نهائيا و يعودون إلى بيوتهم دون الإدلاء بأصواتهم بعد أن نال تعب التنقل منهم، فيما دفع الغضب بآخرين إلى تمزيق بطاقة الناخب . و هو الوضع الذي يؤكده الأستاذ ” نور الدين عمروش” أحد القائمين على سير العملية الانتخابية بمفتاح و الذي أعاب التنظيم السيئ للجنة المستقلة المحلية للإنتخابات كونها عجزت عن ضبط قوائم الناخبين، كما سجّل ذات المتحدث غياب أدنى وسائل العملية الإنتخابية بما فيها سبورة العرض و توجيه الناخبين . الوضع لم يختلف بكثير بولاية بومرداس، بحسب شهادة إحدى الناخبات . غرائب اليوم الانتخابي !! و من غرائب اليوم الانتخابي التي سجلناها ، تقدم ناخبين للإدلاء بأصواتهم بدون بطاقة الناخب و عجوز تنتخب بنصف بطاقة !!! تمكنوا من آداء واجبهم الإنتخابي بقصاصات تحمل أرقام تسجيلهم سابقا على قوائم الانتخاب رغم أن وزارة الداخلية وضعت مهلة تزيد عن الشهر للتسجيل في قوائم المنتخبين و منحهم بطاقة الناخب، و بالموازاة مع كل هذا صادفنا ناخبين لا يحفظون حتى أسماء المترشحين الخمس و ليسوا على إطلاع ببرامجهم الإنتخابية حتى، لكنّهم انتخبوا بإيعاز من أفراد عائلاتهم و لسان حالهم يقول :” انتخبت للجزائر” ، ” حفظ الله الجزائر من كلّ شر و من كيد الكائدين “، ” لنا وطن واحد اسمه الجزائر لا يستحق أن نخذله ” . تجاوزات .. رغم أن الحراك الشعبي الرافض للانتخابات الرئاسية و الداعي لمقاطعتها تمكن طيلة عشر أشهر من الحفاظ على سلميته ، خرجت أول أمس الخميس بعض الأمور عن السيطرة العامة تزامنا مع اليوم الانتخابي . و قد سجلت الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات بعض التجاوزات في عدد من ولايات الوطن، بعد اندلاع اشتباكات في الجزائر العاصمة و منطقة القبائل، و قد قام متظاهرون بولاية بجاية التي شهدت نسبة انتخاب ضعيفة لم تزد عن 0.14 بالمائة، باقتحام مراكز الانتخاب و تكسير صناديق الإقتراع و بعثرة صور المترشحين، محدثين فوضى و أعمال عنف استدعت تدخل قوات مكافحة الشغب لتهدئة الأوضاع، كما لم يختلف الوضع بكثير في ولاية البويرة، التي شهدت أجواء متوترة بسبب منع الرافضين لإجراء الانتخابات من فتح صناديق الاقتراع ، ما أدى إلى وقوع صدام بين الشرطة والدرك و المتظاهرين، و قد أقدم متظاهرون مقاطعون للانتخابات بحرق مقر اللجنة الولائية للإنتخابات وسط استنكار شعبي كبير، استدعى دعوة عقال الولاية إلى التدخل لتهدئة الأوضاع و مجابهتها بالسلمية بدل العنف . كما شهدت العاصمة منذ الساعات الأولى من الصباح حالة من التوتر والاحتقان في الشوارع ، بعد أن خرج الآلاف من المواطنين في مسيرة شعبية حاشدة مرددين شعارات رافضة للانتخابات الرئاسية، وحاول العشرات منهم اقتحام مركز التصويت “باستور” غير أن مصالح الأمن حالت دون ذلك و فرقتهم باستعمال الغاز المسيل للدموع، كما استخدمت قوات مكافحة الشغب العصي في تفريق المتظاهرين واعتقالهم . و في حادثة أليمة و استثنائية شهدها أحد مراكز الإقتراع، أعلنت مديرية حملة المرشح الرئاسي عبد المجيد تبون وفاة مراقب لها يبلغ من العمر 48 سنة، ليلة ترقب هلال الانتخابات عاش الجزائريون ليلة ال 13 ديمسبر الجاري حالة من الترقب و ” السوسبانس” لمعرفة الإسم الذي تفرزه صناديق الإقتراع، و قد كانت كل المؤشرات و الأرقام و النسب الولائية و المحلية توحي بأن المترشح عبد المجيد تبون سيكون تاسع رئيس للجمهورية الجزائرية الشعبية ، قبل أن يتأكد ذلك رسميا و يعلن رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات محمد شرفي ، بأن الشعب صوّت لتبون رئيسا له بالأغلبية و اختاره للجلوس على كرسي المرادية بنسبة قدرتها سلطة الإنتخابات ب 15. 58 بالمائة ، و هذا خلفا للرئيس السابق بوتفليقة الذي أمضى 20 سنة من الحكم .