بحلول ، منتصف ليلة الجمعة، يكون الحراك الشعبي الذي باشره الجزائريون في 22 فبراير 2019 قد بلغ عامه الأول بداية من غد السبت، بحصيلة إيجابية لمسار نضالي سلمي بامتياز ، صنع الاستثناء وأعاد عبر 53 أسبوعا من التظاهر الحضاري تحت حماية الجيش الوطني الشعبي البلاد إلى سكتها الصحيحة، منقذا بذلك الدولة الوطنية. و عشية هذه المناسبة أكد رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، سهرة الخميس ، أن الحراك الشعبي الذي يحيي الجزائريون غدا الجمعة ذكراه الأولى، “ظاهرة صحية”، محذرا من “محاولات اختراقه من الداخل والخارج”. وقال الرئيس تبون في لقائه الدوري مع وسائل الإعلام الوطنية، أنه وقع على “مرسوم يجعل من 22 فبراير يوما وطنيا تحت تسمية ” اليوم الوطني للأخوة والتلاحم بين الشعب وجيشه من أجل الديمقراطية”، مضيفا أن هذا المرسوم الرئاسي “سينشر في الجريدة الرسمية وسيتم الاحتفال بهذا اليوم سنويا “. وجدد التأكيد على فضل الحراك على الدولة والمجتمع قائلا إن ” الحراك المبارك حمى البلاد من الانهيار الكلي”، مشيرا إلى أن ” الدولة الوطنية كادت أن تسقط نهائيا مثلما حدث في بعض الدول التي تبحث اليوم عن وساطات لحل مشاكلها”. وستكون الجمعة ال 53 من تاريخ اليوم موعدا للتذكير بالشعارات المطالبة بتكريس الإرادة الشعبية وإرساء أسس الديمقراطية ودولة القانون ومحاربة الفساد من جهة ، والاحتفاء من جهة أخرى بالذكرى الأولى لمسيرات سلمية صنفتها بعض وسائل الإعلام العالمية على أنها “الأضخم” في العالم خلال ال20 سنة الماضية. الجيش الوطني الشعبي كان سندا قويا وسدّا منيعا ضد كل الاختراقات وكانت أحد أعظم مخرجات الحراك الشعبي هي ذلك الشعار الذي حدد خطوط الدفاع الداخلية و الخارجية لكل من تسول نفسه التلاعب بمصير الدولة والمجتمع لما هتف الجزائريون بصوت واحد و بقلب ولسان رجل واحد ( الجيش ، الشعب خاوة – خاوة ) وعن هذا المنتج يقول العقيد المتقاعد محمد العربي شريف :” أن الحراك وحد بين كل الجزائريين وكانت بالمقابل مذ ذاك مؤسسة الجيش الوطني الشعبي قد تعهدت أن ترافق هذا الحراك وهو ما كان “. تعهدت مؤسسة الجيش الوطني الشعبي ألا تراق قطرة دم واحدة بالرغم من محاولات الاختراق التي وصفها المحلل السياسي حكيم غريب مختص في الشأن الأمني يقول في ميكروفون القناة الأولى للإذاعة الجزائرية :” نجح الحراك السلمي دون إراقة دماء ودون أي تجاوزات وذلك بفضل المؤسسة العسكرية التي استطاعت أن تعطي للشعب فرصة من اجل إحداث تغيير سلمي بعيدا عن أية فوضى أو أي تدخل أجنبي “. وفي ذات السياق يرى المحلل السياسي حكيم غريب مختص في الشأن الأمني :” أن المؤسسة العسكرية ترى أن دورها حتما مازال في حماية الحدود من التهديدات المتأتية من ليبيا “. وميزة هذه ” الظاهرة الواعية ” تجسدت في عدم سقوط أي ضحية خلال المسيرات الشعبية رغم محاولات الاختراق والتآمر التي كشفتها وجابهتها مختلف المصالح الأمنية بقيادة الجيش الوطني الشعبي.من خلال “توقيف 223 شخص أجنبي من مختلف الجنسيات تسللوا داخل المسيرات الشعبية سواء بحسن نية أو لأغراض أخرى”، وقد تم إطلاق سراح أغلبية الموقوفين من الأجانب، فيما تم طرد 24 منهم وإحالة 10 آخرين على القضاء. وأحد الانتصارات التي حققها الجزائريون هي مواجهة مخططات التقسيم الممنهج التي تنطلق من منصات التواصل الاجتماعي وتجد سندا ودعما لها في عواصم أجنبية تحركت مؤخرا بشكل علني من مبنى البرلمان الأوروبي، غير أنها اصطدمت بهبة شعبية ورسمية منقطعة النظير تمكنت من إفشالها. ولازال الجزائريون يصنعون الاستثناء بحراك متفاعل مع التطورات السياسية للبلاد وحتى الإقليمية والدولية، بدليل الشعارات العفوية التي نددت مؤخرا بصفقة القرن وساندت القضية الفلسطينية . كما يحاول الحراك أيضا تكييف مطالبه التي يصدح بها أسبوعيا دون أي وسيط أو منطلق تفاوضي، للتعبير بكل حرية ومسؤولية عن رأيه مع رفض محاولات التزعم والتوجيه. إعادة الاعتبار للجزائريين ويحتفي الحراك الشعبي بحصيلة إيجابية ، حيث تمكن في أقل من عام من تغيير نظام حكم بطريقة سلمية من خلال إصراره على تطبيق المواد 7، 8 و102 من الدستور بمرافقة القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي وعلى رأسها الفريق الراحل أحمد قايد صالح.و تجسد هذا المطلب من خلال النجاح في تنظيم أول انتخابات رئاسية تحت إشراف سلطة وطنية مستقلة للانتخابات. مسفرا عن انتخاب رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، الذي أكد في أول خرجة إعلامية له “استعداده التام” لإجراء “حوار جاد” مع ممثلي الحراك الشعبي الذي لطالما وصفه ب “المبارك” . وقال الرئيس تبون خلال افتتاح أشغال لقاء الحكومة بالولاة : “لقد مرت سنة على ذكرى خروج المواطنات والمواطنين في حراك سلمي مبارك تحت حماية الجيش الوطني الشعبي واصفا إياها بالقول : ” تلكم كانت إرادة الشعب التي لا تقهر لأنها من إرادة الله”.و دعا السيد الرئيس الحراك الشعبي إلى “حوار جاد” من أجل جزائر “لا يظلم فيها أحد، تحارب الفاسد والفاسدين”.وتعهد بالعمل على “إنصاف كل من ظلم من طرف العصابة”. دستور جديد لجزائر جديدة وأضحى جليا أن مسعى ” تقنين” الحراك الشعبي يمر حاليا عبر مراجعة الدستور، إذ نصب الرئيس تبون فور توليه مهامه لجنة خبراء مكلفة بصياغة مقترحات مراجعة الدستور، وقد انتهت هذه اللجنة من صياغة مقترحاتها وشرعت في مناقشة الأفكار التي جاءت بها بغية التوصل إلى صياغة تقنية وقانونية لها. وستقوم اللجنة فور الانتهاء من هذه المرحلة بإعداد المسودة الأولى للدستور لتعرض على رئيس الجمهورية وبعدها على المجتمع المدني والأحزاب والرأي العام ووسائل الإعلام لتتم مناقشتها وإثراؤها، ثم تعود تلك الاقتراحات والأفكار إلى لجنة الخبراء مجددا التي بدورها ستجري بعض التعديلات والإضافات قبل عرض المسودة على البرلمان وبعدها على الاستفتاء الشعبي. وجدد السيد تبون في المقابلة الصحفية التي أجراها مؤخرا مع مجموعة من وسائل الإعلام الوطنية ، التزامه باستكمال تحقيق مطالب الحراك، مشيرا إلى أن ” هناك مطالب تحققت وهناك ما يتحقق آنيا وهناك آفاق سياسية أخرى” ، مشددا على ” تجسيد كل المطالب المتعلقة بتعديل الدستور والقوانين وتعديل جذري لأسس الديمقراطية في الجزائر وبناء ديمقراطية حقة ومحاربة الإقصاء بكل أوجهه ومحاربة الفساد وأخلقة المجتمع”.