نشط المؤلف المسرحي والناقد الأستاذ الدكتور العراقي، محمد حسين حبيب العدد ال17 لمنتدى المسرح الوطني الجزائري عبر صفحة المنتدى بمنصة “فيسبوك” سهرة الأحد حول موضوع “جماليات التقنيات الرقمية في المسرح العربي المعاصر”، حيث اعتبر بأن استثمار الانفجار الإلكتروني الرقمي واقع مسرحي، ما جعله يبني مشروعه “المسرح الرقمي” وذلك بعد إطلاعه على استثمارات رقمية مجاورة للفنون والعلوم ومجالات حياتية كثيرة لدرجة أنها اليوم أصبحت ثقافة عامة عالميا وعربيا. زينة.ب وخلال النقاش ذكر حسين حبيب، المشروع العربي الذي أطلقه منذ عام 2005 وأسماه المسرح الرقمي من خلال مقالة موجزة نشرها حينها تحت عنوان “نظرية المسرح الرقمي”، وبدأها بجملة “المسرح الرقمي قادم”. وكانت الفكرة أيضا -يتابع- بعد إطلاعه حينها على مجالات أدبية استُثمرت فيها الرقمية بامتياز ونجحت مثل؛ القصيدة الرقمية والرواية الرقمية والنقد الرقمي، والحال نفسه مع الرسم واللوحة التشكيلية والسينما وغيرها، مشيرًا أنه اكتشف لاحقا -بحكم متابعته لمشروعه- أن هذا الاستثمار الرقمي موجود بالفعل عالميا في كافة هذه التخصصات خاصة المسرح، فمع مطلع تسعينات القرن الماضي وربما قبلها بدأ بتجارب أولية بسيطة بلورت الاستثمار المتكامل للتقنيات الرقمية الذي من شأنه يؤطر الصورة المسرحية ويزخرفها جماليا، سعيا منه لتطوير الفعل الدرامي وشكله السينوغرافي، لا مجرد التكثيف الصورة الباذخ الذي يخدش الدراما الأصل وينشط البصريات على حساب الرؤية الإخراجية والبنية الدرامية لشكل العرض المسرحي وفلسفة خطابه الجمالي والفكري. وأضاف الدكتور في السياق ذاته أن مسرحنا العربي المعاصر تأثر كثيرا بهذا الاستثمار التقني الرقمي في عروضه المعاصرة بحثا عن شكل تجريبي جديد ومغاير لرسم صياغات إخراجية من شأنها أن تزلزل كيان العرض المسرحي الجديد وتساير الانفجار التقني المعلوماتي المنضوي تحت خطاب الثورة الرقمية المعاصرة في العالم، مشيرًا إلى أسماء مهمة اشتغلت على عروض مهمة استثمرت الرقمية على غرار ربيع مروة، يوسف الريحاني، أسماء الهواري وداليا بسيوني الذين يعتبرهم مميزين. الأمين بحري: كيف نغطي أخطاء المسرح الرقمي؟ وخلال تدخله، تساءل الناقد الدكتور محمد الأمين بحري حول تجذير الرقمنة ليس فقط في الكيفية والشكلنة والتمظهر والتأطير، بل في كيفية تأصيلها، في تكوين فريق العرض الرقمي بداية من كتابة النص وتوجيهاته الإخراجية المصاحبة، والذي يلزمه نوعا مختلفاً من التكوين، فضلًا عن التمثيل والإخراج والتقنية، ما يعني -يضيف- أننا بإزاء إعادة بناء مسرح جديد بملامح رقمية، ومن جهة ثانية ينبغي التحسب في كل ذلك التكوين إلى عامل الخطأ التقني والخطأ البشري اللذان يمكن تغطيتهما في المسرح العادي، متسائلا أيضا عن كيفية تغطية الخطأ أو العطب التقني أو الأدائي في المسرح الرقمي، وهل بإمكان التكوين وحده تغطية اختلالات وأعطاب هذا النوع من العروض؟، وإلا -يقول- فإننا سنكون أمام إساءة كبيرة للعرض والفرجة والجمهور والعمل بأسره، وإن كنا نفكر في تقليد التقنية دون تمكن من إدارة اختلالاتها المفترضة. وفي إجابته، قال الدكتور محمد حسين حبيب، أنه يمكن إخراج أي نص بطريقة رقمية، كما أن الخطأ وارد في أي نوع من العروض لذلك ينبغي تلافيه بالقدر الممكن، نضع -يقول- سيناريو إخراج للعرض باستثمار التقنيات الرقمية حتى لو اقتضى الأمر الاستعانة بخبير رقميات أو مهندس برمجيات ويمكن اعتباره مساعد مخرج فلا بأس بذلك، إذ ليس بالضرورة أن يكون المخرج هنا ملما بعالم الحاسوب وبرمجياته الغزيرة والمتطورة يوميا. حميد علاوي: التجارب الرقمية حاليا في خانة التقليد وفي تدخله، اعتبر الدكتور حميد علاوي الموضوع جديرا بالطرح والاهتمام خاصة وأن الإخراج المسرحي يتطور ويستفيد من الإمكانيات التقنية يوما بعد يوم، وهو ما نجد له صدىً في عديد التجارب المسرحية العربية، لكنّه تساءل فيما إذا كان حضور الرقمنة في المسرح العربي يأتي في الغالب الأعم من خارج العملية المسرحية أي يأتي من باب التقليد وركوب الموجة لا غير، مشيرا أن هناك فرقا بين التقليد والتأثر، فنحن -يضيف- استفدنا من تقنيات المسرح الغربي لوجود سياقات تبرر ذلك وقد أجاد مسرحيون عرب في ذلك وأضافوا، لكن التجارب الرقمية في المسرح اليوم -وأنا أتحدث عن حالات- لا تتعدى دائرة التقليد ولم تصل إلى درجة التأثر. وفي رده، أكد حسين حبيب أن مسرحنا العربي بكل تقنياته مستورد من الغرب تاريخيا، فلماذا نعتبر الرقمية تقليدا. الممثل السوري عبد الحميد خليفة: الثورة التقنية حقيقة أما الممثل السوري عبد الحميد خليفة، فأوضح أنه علينا بداية الاعتراف بالثورة التقنية التي غزت كل مفردات حياتنا حتى أنها قفزت إلى الخشبة المسرحية فارسة حضورها القوي والفعال دون استئذان لتصبح إحدى المفردات التي تسوق للعرض المسرحي، فبالإضافة إلى المساهمة الدلالية في العرض حضورها الجمالي والتزييني لافت والحق القول هو أنها كالسيف إن استُخدمت بحساب وحاجة كانت نورا قاطعا للعرض، وإن أسيء الاستخدام كانت تشويشا وتشتيتا للمشاهد وبالتالي ستكون عبءً عليه. الدكتور يوسف مجقان: يمكن تحقيق عرض بفضل الأنترنت وفي كلمته، الدكتور يوسف مجقان، قال أنه في الغرب يتم استخدام جميع المعارف الحديثة في العمل المسرحي. وبالتالي نستخدم علوم “الإدراك” في تحليل السلوك، حتى أنه من الممكن تحليل سلوك الدماغ البشري، فالعلم -يؤكد- أمر أساسي في العلوم الاجتماعية وكذلك في دراسة السلوك على المسرح ونطرح؛ هل “التقنيات الرقمية” تعني استخدام وسائل التكنولوجيا على المسرح؟، مشيرًا أنه يتوافق مع صديق له عراقي من موسول يستخدم وسيلة الأنترنت ليتمكن من إنشاء نص مسرحي مع مجموعة من اللاجئين في باريس، هذه تجربة فريدة، يعمل معه كاتبان مسرحيان أحدهما في العراق والآخر في تركيا، يعملون في نفس الوقت وقاموا بإنشاء نص جماعي بفضل الأنترنت، وقد اختبروا النص على خشبة المسرح مع أفراد مجموعتهم، وتم تنفيذ هذه التجربة المسرحية الجميلة بفضل وسائل الأنترنت. الناقد علاوة وهبي: الرقمنة صاحبة الكلمة “فلنُجرّب” أما الناقد علاوة وهبي، فقد أثنى على الموضوع المطروح للنقاش، معتبرًا إياه من الموضوعات الجديدة والتي استخدمت في الغرب، كما أنه وصل إلينا نحن العرب في وقت أقل مما كان عليه الأمر من قبل مع تجارب أخرى والتي كانت لا تصلنا إلا بعد أن يبدأ الغرب في تجربة اخري، ويرجع الفضل في الأمر -يضيف- للدكتور حسين معتقدا أنه كان سباقًا. وتابع بأننا فعلا ومع ما يعيشه العالم كله في مجال المسرح من تجارب، نحتاج في البلاد العربية إلى مواكبة هذه الثورة ومثل هذه التجارب التي من شأنها -عند الاستخدام الصحيح والفهم الجيد لها وكيفية توظيفها- أن تُحدث انقلابا ربما جذريا في المسرح عندنا، ولكن إذا ما استخدمت دون فهم فقد تكون وبالا عليه، لذلك -يؤكد- نحن في حاجة إلى تدريسها كمادة من المواد التي تدرس في المعاهد والكليات الفنية وعلى أسس صحيحة وعلمية، فالرقمنة في العصر الذي نعيشه وفي الوقت القادم ستكون صاحبة الكلمة الأولى في كل المجالات، إذًا “فلنجرّب”. وفي رده عليه، وافقه حسين حبيب أن التدريس مهم وهو موجود اليوم بشكل خجل مع الأسف ومستهجن من قبل كثيرين، لكن المستقبل سيفرض ذلك. ومع هذا في السنوات الأخيرة ظهرت دراسات أكاديمية على صعيد دكتوراه وماستر تناولت الموضوع وهي تصله باستمرار وقد أشرف وناقش قسما منها. الكاتبة كنزة مباركي: التكنولوجيا لا تستدعي التخلي عن النص من جهتها، تساءلت الكاتبة والباحثة كنزة مباركي، أنه رغم وجود التكنولوجيا الحديثة التي قدمت خيارات للمؤلف وللمخرج ولمصمم السينوغرافيا والإضاءة من أجل إضافات جمالية للعرض المسرحي إنتاجا وعرضا، فلماذا لا نجد حضورا لتطبيقات ناجحة في الواقع المسرحي عربيا للمسرح الرقمي ولغيره من المفاهيم والمصطلحات المرتبطة باقتران التكنولوجيا بالمسرح والتي تناولتها الدراسات والبحوث؟، مضيفة أن المحاولات موجودة حقا، لكنها تتساءل عن نجاحها من عدمه، وهل نفذنا مسرحا مستعينا بالتكنولوجيات الحديثة فاعلا مؤثرا وجميلا أم أن ما قُدم كان عروضا استعراضية لا مسرحية، مشيرة إلى فهم البعض الخاطئ لاقتران التكنولوجيا بالمسرح وجعلهم إياها طاغية على بقية العناصر المكونة للعرض المسرحي، مؤكدة أنه ما من قاعدة مطلقة تقول بأن دخول التكنولوجيا على المسرح مثلا يستدعي التخلي عن النص المسرحي أو عن عنصر آخر لتحقيق فرجة بصرية خالصة. محمد حسين حبيب، أجابها، أن العروض موجودة لكن حاليا مقتصرة ومحدودة على ما ذكر من أسماء عربية، لكن الظاهرة مستقبلية، وهو على يقين من ذلك بحكم فرضيات المستقبليين كلا حسب تخصصه العلمي، لكن المحاولات مستمرة رغم شحها الآن، مضيفا أن الاستعراض لم يكن أبدا مسرحا. الأستاذ الدكتور محمد حسين حبيب في سطور الأستاذ الدكتور محمد حسين حبيب، أكاديمي، ناقد، مؤلف ومخرج مسرحي من مواليد مدينة الحلة بالعراق، حاصل على شهادة دكتوراه فنون مسرحية، تخصص فلسفة الإخراج المسرحي من جامعة بابل 2004، حاليا أستاذ الاخراج والنقد المسرحي في كلية الفنون الجميلة بجامعة بابل العراقية، وله عديد النصوص المسرحية تأليف وإخراجا منها “آلام السيد معروف” (2005)، وإخراجا “قميص رجل سعيد” (2004)، حيث في محصلته الإخراجية للمسرح العراقي (25) مسرحية شاركت في عدة مهرجانات عراقية وعربية، كما عمل ممثلا في أكثر من (40) مسرحية عراقية بجانب إسهامات تلفازية وإذاعية، ومارس الإخراج الإذاعي والتمثيل الإذاعي. كما تجمع اهتماماته بما يتعلق بالمسرح تكوينا وممارسة بدولة العراق والعالم العربي، حيث لخص ذلك في مقالات حول محاور عديدة على غرار: إشكالية الاستقلال في المسرح العربي، وعن الأدب التفاعلي في الثقافة العربية، وحول الملكية الفكرية والبحث العلمي، إلى القراءة في رسائل اليوم العالمي للمسرح، وعن كيفية الاستثمار في تقنيات الرقمنة ضمن توجه التجريب في المسرح العربي المعاصر. وله عديد المشاركات كمحاضر ومحكم في ملتقيات علمية ومناسبات فنية عبر دول العالم، وقد حاز على أفضل ناقد مسرحي عراقي لعام 2012 في استفتاء مؤسسة عيون للثقافة والإعلام العراقية.