يعيش سكان حي بوصيلة ببلدية بوروبة حياة مزرية، في شاليهات أشبه بالأكواخ، في ظل جملة من النقائص حولت حياتهم إلى جحيم، بعد أن شاء القدر بتشريدهم في زلزال 2003، وكل أملهم أن يحظوا بالتفاتة من السلطات التي تتجاهل مطالبهم، كان 21 ماي 2003، التاريخ الذي حفر في أذهان هذه العائلات كان نقطة تحول جذرية في حياتهم، فهذه العائلات التي كانت تنعم بدفء منازلهم ولها أهدافها، شاء القدر أن تصبح في رمشة عين، ضحية وأجبرت على ترك ماضيها ونسيانه، وطي ذكرياته الجميلة، بعد أن انهارات مساكنها بالكامل، واضطرت كل عائلة نجت من موت محتم من زلزال 21 ماي 2003، الذي قتل الآلاف وشرد العشرات، إلى السكن في الخيم على الأرصفة، لمدة 6 أشهر كاملة، تحملت فيها مختلف الظروف الطبيعية القاسية خاصة حرارة الصيف، وبعد هذه المدة، انتقلت حوالي 200 عائلة من مختلف المناطق، على غرار رغاية، رويبة، إلى هذه الشاليهات الواقعة بحي بوبصيلة الذي ينتمي إلى بلدية بوروبة، وكانت هذه الشاليهات التي أنجزت كحل مؤقت، بمثابة النعيم لهاته العائلات، ظنا منها أنها مجرد فترة ستقضيها بهذا الحي، وسرعان ما سيتم التكفل بهم، خاصة بعد صدور قرار رئيس الجمهورية القاضي بالتكفل بضاحيا الزلزال وهاهي السنين تمر، بعد أن مرت الأيام والشهور، وبدأت أمال الكثيرين منهم بالتلاشي، بعد أن انقضت 6 سنوات على التاريخ المشؤوم، ومحاولة منا في التقرب من هذه العائلات وتسليط الضوء على يومياتهم، قمنا بزيارة ميدانية لحي "بوبصيلة" وما هي إلا دقائق، حتى التف من حولنا العديد من الاشخاص يسألون عن هويتنا، وفور الكشف عنها لهم رحبوا بنا، ودعونا للدخول إلى شاليهاتهم شاليهات أشبه بالأكواخ، طرق مهترئة، روائح كريهة....، أول ما لفت انتباهنا هو شكل هذه البناءات الجاهزة التي تشبه في حقيقتها الأكواخ، بعد أن أثرت عليها العوامل الطبيعية من أمطار، ورياح، فتصدعت معظم جدرانها وتشققت، وتعرضت العديد من السقوف إلى الثقب جراء الامطار، ولم تجدي الترميمات البسيطة التي قام بها أصحابها بأنفسهم نفعا، عائلة عمي "محمد.ل" تروي لنا معاناتها فهذه العائلة حسب ربة البيت متكونة من 9 افراد، والبيت يكون من غرفتين ومطبخ، لا يسع جميع أفراد العائلة، ولذلك اضطروا إلى الطبخ خارج الشالي، واستعملوا المطبخ كغرفة إضافية، وكانت الجدة "الزهراء" تتحسر ألما على أحفادها الثلاثة، الذين يبيتون خارج البيت، بسبب ضيق المكان وكذا رغبة منهم في عدم مقاسمة الغرفة مع أخواتهم البنات، وقالت "يابنتي هاذي ماشي معيشة .." وكانت عيناها مغرورقتين بالدموع، وهذا ليس حال هذه العائلة فقط، وإنما هو ما لمسناه تقريبا، عند كل العائلات التي دخلنا منازلها. أما المحيط البيئي الذي تعيش وسطه هذه العائلات، فلا حديث عنه، فقد كانت أكوام النفايات، منتشرة في كل ركن من الحي، تفوح منها الروائح القذرة، التي تزكم الانوف، وتسلل إلى الغرف، ناهيك عن المنظر المقزز الذي يثير الإشمئزاز في النفوس، أما إحدى الفتيات، فقد تطرقت إلى الأمراض المختلفة التي يعاني منها الكثير من القاطنين خاصة الاطفال، على غرار الحساسية، الربو والروماتيزم، وذلك بسبب ارتفاع درجة الرطوبة في هذه الشاليهات، حيث ترتفع إلى درجة لا تحتمل، ولا يتمكنون حي من الخروج أمام منازلهم، بسبب الروائح الكريهة، وكذا انتشار الحشرات اللاسعة، والباعوض، والذباب، أما الطرقات وأزقة الحي، فهي مهترئة بالكامل، وقد أكد القاطنون أنها تتحول إلى مستنقعات في فصل الشتاء بسبب امتلاء الحفر بمياه الأمطار وكذا الأوحال التي يصعب السير فيها، ومن جهة أخرى تحدث آخرون عن الجانب الأمني، الذي يكاد يكون منعدما، بسبب كثرة حالات السرقة، والإعتداءات من بعض شباب الحي، ورغم الشكاوي المرفوعة من قبلهم إلى الجهات المعنية للحد من هذه السلوكات التي زرعت الرعب والخوف في قلوب القاطنين، ولعله بسبب استغرابهم لزيارتنا لهم دون مرافق الأمن، وبعد التطرق إلى مختلف المشاكل التي يعاني منها القاطنون جدد هؤلاء مطلبهم من السلطات المسؤولة للتكفل الجاد بمطالبهم وترحيلهم إلى سكنات لائقة تحفظ كرامتهم خصوصا بعد عدة احتجاجات قاموا بها، ولكنها لم تفلح ولم تغير من واقعهم شيئا.