تطرق اليوم مختصون وباحثون في الحقل المسرحي في اليوم الثاني لندوة "همزة وصل" حول نقد تجرية المسرح الجزائري بالاشتراك مع الهيئة العربية للمسرح وتنظيم مسرح بشطارزي، إلى تجارب الإخراج المسرحي في الجزائر واتجاهات الإخراج والسينوغرافيا في المسرح الجزائري بعناوين مختلفة حملتها مداخلات باحثين ومخرجين. زينة.ب.س وافتتح الجلسة الصباحية الأولى لليوم الثاني من ندوة "همزة وصل" التي ترأستها الدكتورة خديجة بومسلوك من مستغانم وعنونت ب"تجارب الإخراج المسرحي في الجزائر" وجرت بقاعة العروض "حاج عمر"، الدكتور حبيب بوخليفة بمداخلته التي حملت عنوان "الكتابة الرمحية في تجربة الإخراج المسرحي الجزائري". حبيب بوخليفة: لا يمكن تفسير الظواهر بأدوات لم ننتجها وأكد الدكتور حبيب بوخليفة، أننا نعيش أزمة خانقة فيما يخص المصطلح وعدم التمكن من تحليل منتجاتنا بمصطلحات أنتجها الغرب، فنحن كنا نملك طقوس احتفالية ولم نمارس المسرح الأرسطي الذي يعتمد على الجمهور والخشبة والممثل، قائلا أن النص هو الذي أسس التجربة المسرحية، وأن مسرحنا ولد بشكل صعب ولم يكن نتيجة تراكم أدبي وفني حتى يلد عملية الاخراج، كما أن الثقافة المسرحية كانت خاصة بالاستعمار، ورغم ما كان يتوفر لدينا من طقوس شعبية فإنها كانت تتوفر على عناصر المسرح الأرسطي شكلا لأن النص لم يكن أدبيًا، مؤملا أنه من غير الممكن تفسير الظاهرة بأدوات لم ننتجها حتى نستطيع الغوص في اللاوعي الجمعي للمجموعة البشرية الجزائرية. وتحدث خليفة عن ولد عبد الرحمان كاكي الذي انتقل من الكتابة إلى الإخراج معتمدا على التجربة الأوروبية لكن همه كان في كيفية جعل العرض مرتبطا بالجمهور وحاول تقريب المشهد المسرحي إلى الجمهور وخلق التوحد فبما أننا -يضيف- كنا خلال ظهور المسرح الاحتجاجي ولا يزال الآن وهو لا يملك أبعادًا فلسفية لأننا لم نعرف التراجيديا لأن المجتمع الديني لا ينتجها، لذلك كان كاكي كان يبحث عن الهوية الثقافية الجزائرية، ونفس الهدف كان لعبد القادر علولة وكاتب ياسين، فعلولة يرى أو النص هو الفعل كما وظف التراث الجزائري في بناء العرض المسرحي، وكاتب ياسين كان إيديولوجيا بالدرجة الأولى ونصوصه كانت تولد على الخشبة. لخضر منصوري يخوض في تجربة عز الدين عبار من جهته، قال الدكتور لخضر منصوري في مداخلته "التجارب الإخراجية في المسرح بالجزائر: مقاربة تطبيقية للاتجاهات العالمية والأساليب المحلية"، أن جوهر الصنعة الفنية يظل القاعدة التي تنهض عليها الإبداعات مهما سايرت التجارب المتباينة وتظل الأداة الرئيسة التي تحفظ لهذا الفن تمايزه، وهذا الجوهر منهج فكري وفني ويترك للفنان حرية الانطلاق مهتديا بمن سبقه أو شاقا طريقا جديدا، مضيفا أن العرض المسرحي جاء على ضوء المناهج والأساليب التي تركت بصمتها في المسرح العالمي وأن التحولات التاريخية في الممارسة العالمية ألقت ظلالها علينا، مشيرا أن المخرجين سعوا لوجود طرق منهجية وثقافية من خلال قراءة وتأويل الأعمال العالمية بالجزأرة أو الاقتباس مستفدين من تجارب سابقة في صناعة العرض المسرحي. وأشار الدكتور إلى تفاعل المستويين مع التطورات من السياسة والفكرية واستعمال التقنية والرقمية التي أصبحت تتحكم في الإنتاج، مشيرا إلى حضور الأعمال الجزائرية بجدية وجمال في المحافل الوطنية والدولية حيث أنها باتت تحاور الراهن وتضمن فرجة خلال حقبة مهمة، مضيفا أن المسرح فن في نشأة مستمرة انطلاقا من تفاعله مع محيطه وفي التسعينات وبداية الألفينات عرف منعطفا جماليا من خلال الانفتاح على آليات جديدة حيث اهتم بالفرد والإنسان، وأن القطيعة مع المدرسة القديمة انعكس في الأعمال بعد أحداث أكتوبر 88، مشيرا إلى الإحساس بالتجديد، مشيرا إلى دخول وسائط مادية ساهمت في إبراز السينوغراف وكتاب آخرين إلى الخشبة مثل الكوريغراف. وتطرق منصوري لتجربة عز الدين عبار حيث قال أن له حساسية كبيرة في الإخراج وقد تعامل مع الكتاب والمخرجين والمشتغلين في المسرح كما قرر صناعة الفرجة لإنتاج المتعة والاعتماد على قوة اللعب من عمق الروح في تزاوج لغة الجسد واللسان وتعددت المناهج التي نهل منها كما دعا نصه للالتحام بين النص والممثل وعالج النص ودفاعه عن حرية المخرج في تغيراته كما أنه جرب إخراجيا اتجاهات مختلفة وجرب فضاءات مختلفة من شبه العاري إلى الواقعية واعتمد على الأسلوب الترفيهي والموسيقى والموروثات الشعبية، مضيفا أن تقنية المخرج المتفرج بناء وهدم ما تمت صياغتها من قبل الممثلين فالعرض في تجدد وتغير مستمر وكذا توظيف إكسسوارات وأصوات الممثلين وأحيانا مرافقة هذه الأصوات للعرض وتكون فواصلا بين المشاهد. حبيب سوالمي: الوعي بالتقابل والتداخل في المدارس الإخراجية وفي مداخلته التي حملت عنوان "المدارس الإخراجية في المسرح الجزائري بين التقابل والتداخل: مقاربة نقدية في نماذج مسرحية"، أشار الدكتور حبيب سوالمي إلى ضرورة وعي المخرجين بمكامن التداخل بين الإخراج والتجارب السابقة ودقق على التقابل والتداخل من خلال التجارب العالمية وعن الوضعيات في المدارس الإخراجية والأداء وحلل التجارب السابقة أيضا. كما حلل ثلاث مسرحيات هي عرض "صيفاكس" التي صرح مخرجها أنها تنتمي إلى المسرح الملحمي وأنها بين الواقعية التاريخية والواقعية النفسية في حين -حسب سوالمي- هي ليست كذلك حيث استعمل المخرج الملابس التاريخية وإن استعمل الراوي فإنه لم يكن دعما للعمل قائلا (سوالمي) أن العرض مزيج من الواقعية التاريخية والفانتازيا. وعن عرض "قلعة الكرامة" للمخرج لخضر منصوري الذي أنجز بواقعية اعتمد فيها المخرج -يقول سوالمي- على الاسترخاء لرفع توتر الممثلين بالإضافة إلى طاولة المشاورات مع فريق العمل وتطرقه للذاكرة الانفعالية، وكذا تعليم الممثل التحرك والكلام والانفعال. بينما اعتمد المخرج لطفي بن سبع في عرضة "افتراض ما حدث فعلا" على الفضاء الفارغ وجسد الممثل لتجسيد ديكور المسرحية. وتساءل سوالمي عن مدى فهم المخرجين الجزائريين التقابل والتداخل في المدارس الإخراجية، مشيرا أن بعضهم استطاع تجسيدها بحرفية لكن هناك من تناولوا مدارس مختلفة في العمل الواحد دون إدراك للأمر، كما هناك -يقول- تجارب إخراجية لا يمكن تصنيفها ويعتمد مخرجوها تهربا من الإجابة إلى أنها تنتمي للمسرح التجريبي. السينوغرافيا والتكوين واتجاهات الإخراج تناولت الجلسة الصباحية الثانية لليوم الثاني التي حملت عنوان "اتجاهات الإخراج والسينوغرافيا في المسرح الجزائري" برئاسة السينوغراف الأستاذ حمزة جاب الله، حيث قدمت الدكتورة ليلى بن عائشة مداخلة بعنوان "الأنسان الثقافية في السينوغرافيا الجزائرية"، حيث استعرضت تجربة ليليان الهاشمي التي تعتبر أول امرأة تخوض في السينوغرافيا من خلال أعمال مسرحية مختلفة خلال السبعينات والثمانينات. كما تطرقت الدكتورة لتجربة السينوغراف عبد القادر فراح. وتدخل الإعلامي والأستاذ رابح هوادف بورقة بعنوان "تمايزات تصميم الملابس في تجربة السينوغرافي الجزائري حبال بوخاري"، حيث تجربته تشكل علامة هامة وتجربته في ربع قرن من خلال الشباب الأول والممارسة الأكاديمية والأعمال الميدانية، فهو الذي نشأ في جو له معرفة بالأقمشة والألوان وبين الورشات تنامت تجربته ووجد ملاذه في اكتشاف مراجع أخرى وأنجر مسرحية "الربيع الخالد" وقدم عدة تصاميم في أفلام وأظهر عراقة الملابس الجزائرية بمختلف أنواعها. من جانبه تناول الدكتور محمد شرقي "توضيب المكان في العرض المسرحي الجزائري المعاصر بين المعطى الدرامي والتصور الإخراجي"، قائلا أن المكان خطير ومهم بالنسبة للكاتب والسينوغراف، فيما غاب الأستاذ زياني شريف عياد الذي كان من المفترض أن يقدم شهادة بعنوان "تأملات". وحملت الجلسة المسائية الأولى لليوم الثاني عنوان "التكوين في المسرح الجزائري" حيث ناقشت محورين هما "سياسة التكوين في المسرح الجزائري" و"أساليب التمثيل في المسرح الجزائري".