اختارت المكتبة الوطنية بمعية بيت الشعر الجزائري، الثقافة الحسانية بزخمها التراثي لتكون ضيف شرف ملتقى "الكتابة في وسط حضري، المدينة فضاء للكتابة" المنظم بمكتبة الحامة على مدار يومي 8 و9 مارس. جرى الإفتتاح وسط حضور نوعي من بينهم، رئيس المجلس الأعلى للغة العربية، رئيس الجمعية الجزائرية الفلسفية عمر بوساحة ومدير المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية عبد القادر بن جمعة، فاتح علاق، مدير مخبر الخطاب الصوفي بجامعة الجزائر 2، أمانة الله بلعمش، مدير مركز بلعمش بتندوف، وعدد من المثقفين. وقال مدير المكتبة الدكتور منير بهادي، أن الكتابة فضاء لحضور الإنسان في العالم من حيث إعادة تشكيله ورسمه، وحضور العالم في الإنسان من حيث هو أداة لتمظهره وتجليه، وأضاف بأن الكتابة حول الحواضر الجزائرية وامتدادها في النصوص الإبداعية الجزائرية، تجسد القيم الجمالية والمفاهيم الفكرية الإنسانية بتميز واختلاف، كما تبينها أغلب الدراسات والأبحاث النقدية بما فيها مداخلات المشاركين في الملتقى. وقد قامت المكتبة بتكريم رمزي للأستاذتين والباحثين، نيابة عن كل الباحثات، أمنة بلعلى في حضور طالباتها اللواتي قدمن من جامعة تيزي وزو، ومباركة بلحسن الحسانية القادمة من جامعة وهران، كمحاضرة. رئيس بيت الشعر سليمان جوادي، قال بأن هذا الملتقى هو صورة جلية للتعاون بين المجتمع المدني ومؤسسات الدولة على غرار المكتبة الوطنية، وشكر بالمناسبة جميع الداعمين لنجاح الملتقى مثل الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي ورحب بالثقافة الحسانية وضيوف منطقة تندوف الكبيرة. آمنة بلعلى رئيسة اللجنة العلمية للملتقى، في كلمتها المعبرة، قالت بأن بيت الشعر الذي يواصل نشاطه في ظل جائحة لا تريد أن تنتهي، ولا زال يؤكد أنه بيت كل الشعراء والمثقفين، ويتاكد من خلال انفتاحه على مختلف المؤسسات العلمية لمخابر البحث والجامعات من أجل الدفع بالشعر والثقافة إبداعا ودراسة، وخاصة في ظل الدراسات البينية والثقافية التي تكتسح مختلف المعارف مضيفة أن الكتابة في وسط حضري هو موضوع يروم من خلاله بيت الشعر قراءة الأدب والفن والكتابة عامة في سياق تاريخي وثقافي مهيمن، هو سياق المدينة كفضاء في الكتابة يفرض تأملها وتوصيفها ورصد تحولات الإبداع من خلالها وعلاقته بمختلف التحولات السوسيوثقافية في الجزائر. ألقت الأستاذة أمال حمزاوي، كلمة نيابة عن صالح بلعيد رئيس المجلس الأعلى للغة العربية، قائلة أنه يسعده أن يكون ضمن هذه المبادرة، وأنه بتعبيره يرمي مع الجميع إلى بث الخميرة لتفعل فعلها في الحراك الثقافي. يطرح الملتقى تساؤلات من بينها، كيف شكلت المدينة أنماطها البلاغية في الشعر، وتمفصلاتها السردية في الحكي، وكيف صاغت سؤالها المعرفي في الكتابة الفلسفية وموضوعه الجمالي في الفنون الأخرى. وتدور محاضراته في خمسة محاور، من الشفوية إلى الكتابية، الرهان الحضاري وإكراهات التكنولوجيا، الكتابة الشعرية في الوسط الحضري، الرواية والفضاء الحضري، المدينة والكتابة الفلسفية، المدينة في الفنون الأخرى، السينما والمسرح والفن التشكيلي. مباركة بلحسن تروي نضالها ورهان الكتابة تحدثت الاستاذة الدكتورة مباركة بلحسن من جامعة وهران 2 وهي أصيلة المنطقة الحسانية من تندوف عن تجربة الكتابة في المجتمع الحساني، أو الثقافة الحسانية ورهان الكتابة، وسمت تجربتها بالنضال وتدخل في نطاق فسيفساء الجزائر الدولة القارة، وقالت بأنها ثقافة مجهولة إلى حد ما، لكونها تتقاطع من جهة مع دول مغاربية ومع الأشقاء التوراق ومع الصحراء الغربية. وقالت بأن مقاربتها للموضوع هي أنثربولوجية ثقافية واجتماعية، هذه التي كان ينظر إليها كعلم استعماري وتم محاربته. وانطلقت صاحبة كتاب "المرأة الحسانية وثقافة الجسد، مقاربة أنثروبولوجية للجنسانية" بأن للكتابة تتطلب الإنغماس في المجتمع المدروس والمعايشة المتواصلة الطويلة لثقافة خاصة، وفي الوقت نفسه التناول بالمقارنة مع بيئات أخرى، وبينت أن انتماء الباحث إلى مجتمع البحث من شأنه أن يكون سلاحا ذا حذين. ومن الصعوبات التي تواجه المرأة الباحثة، خاصة إذا كانت تدور حول الطابوهات كالجنسانية النسوية، الجسد، العذرية، الشرف الزواج وختان الفتيات. وقالت في معرض حديثها عن الشفوية أن التراث الشعبي للأسف معرض للضياع رغم تداوله وحفظه من قبل بعض المهتمين، مع العلم أن عملية التدوين لا زالت ضعيفة، حتى أنه يجهل أصحاب بعض القصائد والأغاني، وهذا ما يجعلها تفقد تاريخها وأصولها، وأصبح الباحث أحيانا يلجأ إلى المفردات المستعملة في الشعر والغناء والحكايات لشعبية للتمييز بين "بيظان" الجزائر -وهي التسمية الأخرى المجتمع الحساني- وبيظان موريتانيا، الصحراء الغربية وغيرها. وأهم ما يعترض الباحثة من صعوبات، نظرا لإنتمائها للمجتمع المحلي "الحساني" المدروس، هو صعوبة تحديد وتعريف المجتمع الحساني، نظرا إلى الظروف الجغرافية والسياسة لأنها مجموعة ذات مميزات ثقافية واجتماعية تتوزع بين الجزائر، موريتانيا، الصحراء الغربية ودول أخرى وحضور محتشم لهذه القبائل الحسانية في كل من نيجريا ومالي، وهو ما يجعل هذا للمجتمع يدخل في إطار الانثروبولوجيا المغاربية والانثروبولوجيا الإفريقية. أما الخصوصية الثقافية فتتجلى في عدد من الملامح، كالملبس، اللغة، الطقوس، العادات، التقاليد والنظام الإجتماعي، وإشكالية التسمية، المجتمع الحساني، أم البيظان. كما أشارت إلى المكانة كأنثى تقاوم أحكامها المسبقة المتعلقة بثنائية الذكورة والأنوثة، ومحاولة تفادي النزعة النسوية المفرطة، وذكرت حالة المرأة المطلقة في المجتمع الحساني في تندوف مثلا لا تفقد مكانتها ولا وزنها داخل قبيلتها في حال طلاقه، بل بالعكس، فحظوظ الزواج لديها أكبر من تلك التي لم تتزوج بعد فالاحتفال بطلاق للمرأة الحسانية ليس تشجيعا لقبيلتها لظاهرة الطلاق بل لحمايتها من الحالة النفسية الصعبة التي قد تعاني منها بعد الانفصال. وأكدت بلحسن، أن أوضاع المرأة في مجتمع البيظان أو الحساني وتمثلاتها وتصوراتهم الإجتماعية لها ليست ثابتة وواحدة بل هي متعددة ومتحولة حسب السن، القبيلة، المستوى التعليمي والنزعات الإيديولوجية التي سجلت لدى بعض الشابات المثقفات. الثقافة الحسانية شعبية عربية إفريقية بامتياز أما المداخلة الثانية حول الثقافة الحسانية، النشأة والتطور والمخلفات فقدمها الدكتور مباركي السعدي، رئيس بيت الشعر الجزائري في تندوف، تناولت اللهجة الحسانية، الشعر الحساني والموسيقى، الأمثال والحكم والاحاجي، الزي التقليدي، العمارة الحسانية والصناعة التقليدية الحسانية. ذكر المتدخل أن الثقافة الشعرية المنتشرة في غرب الصحراء الكبرى الموسومة والثقافة الحسانية أو ثقافة الديوان العديد من التساؤلات عن ظروف نشأتها وتطورها وتعدد مشاربها وحقيقة ما خلفته من تراث ثقافي متنوع ومتميز. واشتكى المتدخل من شح المصادر وقلة المراجع والدراسات المتخصصة. وخلص في الأخير إلى أنها ثقافة شعبية عربية إفريقية بامتياز، بالإعتماد على مخلفاتها المادية واللامادية من عمارة وحرف وصناعة، لهجة وأشعار، أمثال وحكم، موسيقى وفولكلور. يشار إلى أن ملتقى الكتابة في وسط حضري المدينة فضاء للكتابة والثقافة الحسانية ضيف شرف نظم من المكتبة الوطنية الجزائرية. وبيت الشعر الجزائري بالتنسيق مع مكتب العاصمة وبالتعاون مع مخبر تحليل الخطاب بجامعة تيزي وزو ومخبر الخطاب الصوفي بجامعة الجزائر 2 وبدعم من المؤسسات الثقافية.