يستذكر المعلم عبد الرزاق "عندما سألناه عن رأيه في الحالة التي وصلت إليها المكتبة المدرسية " تلك الصورة التي لا تغرب عن ذاكرته، وهي صورة الأستاذ الذي كان يقودهم مع طلاب صفه إلى المكتبة المدرسية وقد خصصت لها غرفة معينة من بنايات المدرسة ليختاروا ما يشاؤون من الكتب المتنوعة كالقصص والحكايات الملونة، وكتب الأدب المختلفة كل أسبوع، ومن ثم يقوم الأستاذ باختبارهم في مدى انتفاعهم من ذلك الزاد الثقافي عن طريق الكتابة في موضوعات الإنشاء والتعبير، اعتقد أن تلك الصورة (والكلام للأستاذ عبد الرزاق) كانت قد شكلت لي الانطلاقة الأولى للإقبال على الكتب وحب المطالعة والتثقيف الذاتي، وساهمت بتوسيع وتنمية قابليتي على الكتابة .. الآن غابت تلك الصورة الجميلة عن مدارسنا وتراجع الاهتمام بالمكتبة المدرسية التي لم يعد لها وجود في كيان المدرسة ولا في اهتماما ت إداراتها. مجرد ديكور من المؤسف أن لا نرى أثرا أو معلما لهذه النافذة أو الحاضنة للعلم والمعرفة في مدارسنا في الوقت الحاضر، هكذا تقول المعلمة "حسينة ب" في الطور الابتدائي، وهي إن وجدت على حد قولها نادرة وقليلة، وحتى هذه النادرة هي مجرد ديكور، صفت على رفوفها التي يعلوها التراب أعداد الكتب والمطبوعات في بعض المدارس، ولا تطالها أيادي التلاميذ، وتتساءل: ما الجدوى من ذلك إذا لم تقترن بالاستفادة من ثمرات المكتبة عمليا وتكريس عادات المطالعة فيها، وعلى الأخص في المراحل الأولى من سنوات الدراسة، لترسم بذلك تقاليد وسلوكيات نافعة للنشء الصغير. وتدعو السيدة حسينة إلى إزالة العراقيل المسؤولة عن غياب دور المكتبة في المدرسة، ومن بينها الادعاء بعدم وجود مكان مخصص لها في بناية المدرسة .. أو أنها تشكل عبئا مضافا إلى الدروس التي بطبيعتها كثيرة على التلاميذ، والتركيز على ما يمكن أن تقدمه المكتبة المدرسية من مزايا أهمها التعود على العادات القرائية الفعالة التي يستفيد منها الطالب حتى في طريقة قراءاته لكتبه المقررة، والتعود على الهدوء بدلا من أجواء الصخب والضجيج والفوضى التي تسود عادة في البيوت والمدارس. هموم أمناء المكتبات يحزّ في نفس أي موظف في مؤسسات الدولة خاصة المؤسسات التربوية أن تكون وظيفته بلا فائدة بما يقربها من البطالة المقنعة، وأمناء المكتبات في المدارس غالبا ما لا يمارسون دورهم ووظيفتهم في إعارة الكتب وأرشفتها وتجديد عناوينها، وذلك لإهمال موضوع المكتبة أساسا في جدول أعمال إدارات معظم المدارس وتجاهل وظائفها الأساسية، ولذلك يتحسر هؤلاء الأمناء على خسارة المزايا والأهداف التي يمكن أن يحققها ارتياد التلميذ للمكتبة. حيث يرى أمين مكتبة بمدرسة أساسية (ك عباس) ان المكتبة من أهم المرافق المدرسية التي يمكن من خلالها تحقيق المفهوم الحديث للمنهج المقرر والتي تتطلب برنامجا خاصا في تدريب التلاميذ على استخدام الكتب كأدوات للقراءة والبحث والترفيه، بغية مساعدتهم على تحصيل المهارات المكتبية إضافة إلى أنها المحرك الأساسي للرغبات الأدبية التي قد تتوفر لدى أصحاب المواهب من التلاميذ. بينما ترى السيدة " سمية م" أمينة مكتبة، في أن مكتبة المدرسة الفقيرة لا تجذب التلاميذ إليها لاحتوائها على الكتب القديمة والقصص المملة فضلا عن انعدام الأجواء المريحة للقراءة في معظم هذه المكتبات.. إلا أنها تحاول وسط الفوضى والارتباك أن تجذب بعض ممن له اهتمامات خارجية ولو بجهد شخصي لتصفح الكتب والمجلات رغم قلتها وسوء تنظيمها، وهي تقوم بإعداد جدول منظم للتلاميذ مدرستها لارتياد المكتبة وعادة لا يلتزم به بسبب ذريعة انشغال التلاميذ والمدرسين بالدروس الأساسية المقررة. أحلام التلاميذ يستغرب بعض التلاميذ الصغار الذين التقيناهم من وجود غرفة مخصصة في مدارسهم باسم المكتبة المدرسية، لأنهم لم يعلموا بوجودها أساسا ولم يخبرهم احد من المعلمين بوجودها ولا أهميتها التلميذة(مياسة) السنة السادسة ابتدائي تقول: مدرستي لا تملك مكتبة خاصة للتلاميذ بل لا أرى من زملائي التلاميذ من يتحدث عن وجود مكتبة او كتب علمية جميلة في المدرسة، فنحن نطالع الكتب المدرسية فقط والمعلمة لا تحدثنا عن أهمية المطالعة الخارجية والكتب العلمية التي تفيدنا ولا تشجعنا على الكتابة، بينما اسمع من والدتي التي تعمل في مجال الإعلام أنها كانت تهتم بقراءة الكتب منذ الصغر حينما شجعتها معلمتها على زيارة المكتبة المدرسية والانتظام في تعاطي المجلات والكتب لتطوير موهبتها في مادة الإنشاء، اما زميلتها (ورود) تتمنى أن تقضي أوقات فراغها في تصفح الكتب التي تحبها لاسيما المجلات العلمية، وان تأخذ دروس اللغة العربية تحديدا في غرفة المكتبة المدرسية التي لا تجد لها أثرا في مدرستها حيث لا توجد غرفة مخصصة لذلك، وتحلم ( منال) أن تنمي وتطور موهبتها الشعرية وان تجد كتبا ومصادر قيمة في مكتبة مدرستها.