الحماس الزائد عن حده، والثورة والهيجان عندما يتعلق الأمر بالوطن والراية الوطنية هو حالة صحية جدا، ولا يمكنك في أي حال من الأحوال إقناع شاب أو مناصر لكرة القدم التي لم يعد لاعبوها وحتى مناصروها على فئة الذكور فقط..هذه اللعبة التي صنفت الأكثر شعبية وجماهرية على مستوى الكرة الأرضية بل إن ميزانية ناد واحد فقط كنادي برشلونة تعادل ميزانيته ميزانية أربع دول إفريقية مجتمعة.. في الجزائر وعند كل تعديل حكومي نسمع عن آراء تنادي بإلغاء وزارات وإضافة أخرى، والغريب في الأمر أن وزارة مثل وزارة الرياضة وعلى الرغم من إخفاقاتها المتكررة والتي لا حضور لها لكن كرة القدم تكون بالنسبة لها كالشجرة التي تغطي الغابة، وهانحن لسنا ببعيد عن إخفاق وفدنا في ألعاب القوى والأولمبية في تظاهرة طوكيو العالمية وعاد بصفر نتيجة صفر ميدالية، نتائج كانت كفيلة بالإطاحة بكل الهرم الرياضي من مسؤولين ولاعبين..إلى أن أتى اللاعب السابق والمدرب الجزائري جمال بلماضي لينقذ بلدا بأكمله وليس وزارة فقط، كيف لا وقد أطلق عليه الشعب لقب وزير السعادة لما حمله من أفراح لشعب اشتاق للحظة فرح حتى ولو كانت على حساب الكثير من القطاعات المتهالكة والمهترئة.. قطاع الثقافة في الجزائر هو الآخر ما أحوجه إلى بلماضي ليعيد له مجده الضائع، فجزائر السبيعينات من الناحية الثقافية ورغم قلة الإمكانيات إلا أنها كانت تسجل حضورها محليا وقاريا ودوليا..فبلماضي لا يملك خاتم سليمان، وما من تركيبة سحرية أو خلطة يتناولها حتى نجح..عوامل النجاح معروفة، حتى قوقل نفسه إن سألته يجيبك عنها..المعضلة في كيف تصنع النجاح في بيئة غير مشجعة، وكيف تتعلم الاصرار والتحدي وأن تضع هدفك نصب عينك دون الانشغال بما يحكى أو يقال عنك..لاحظنا كلنا تصرفه مع الإعلام، مع الجمهور، مع المؤسسات الرسمية..كونه يعلم إن نجح سينسب إليه وإن فشل فلن يرحموه.. نكاد نسمع عن اسمين أو ثلاثة في المسرح يجتهدون رغم العراقيل ويصنعون أمجادهم، في الكتاب أيضا أسماء لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، في الشعر في الرسم في الموسيقى في صناعة المشهد الثقافي إن أعددتهم كثير وفي الجدية قليل.. يلزمنا الكثير من بلماضي حتى تنهض الثقافة في بلادنا، لابد من القضاء على الفساد الذي ينخر عظمها وليس مكافحته، لأن بالمكافحة تقضي فقط على البراعم لكن الجذور تبقى ولادة..لابد من أن يكون للشاة راعيها وللأرض خادمها، وسنرى السعادة تعم الجميع حتى أولئك الذين لا يرون نفعا من كرة القدم وينظرون إليها كأمر مضيع للوقت والمال والفكر، ولو أنها فعلا مصدر لثراء طرف على طرف آخر، لكن نحن هنا لسنا لتعداد مساوئها بل لأخذ العبرة كيف نجح روادها وكيف ألهمت الشعوب ولفتت الأنظار، وكيف تصبح وزيرا للسعادة.