في مثل هذا اليوم 15 ماي من العام الماضي 2011 الموافق ل: 12 جمادى الثانية 1432ه،، اختفى نور نجم من نجوم الجزائر إلى الأبد، نور عرف بالتواضع وغزارة العلوم الدنيوية والأخروية، نور تغلغل داخل جميع بيوت الجزائريين والعالم الإسلامي ففتحوا له أبوابهم على مصراعيها، إنه نور "أبو الدعاة" الشيخ مرموري الناصر بن محمد بن الحاج عمر. الشيخ مرموري الناصر بن محمد بن الحاج عمر، ولد يوم 01 رجب 1345 ه الموافق ل 07 جانفي 1927م بالقرارة ولاية غرداية، أمه بسيس عائشة بنت أحمد. تربى بين أحضان عائلة متواضعة وتلقى تعليمه الأول بمسقط رأسه على يد الشيخ أبو الحسن علي بن صالح والشيخ بسيس قاسم بن الحاج سعيد. استظهر القرآن كاملا على يد أستاذه بسيس عمر بن الحاج سعيد يوم 15 جوان 1942 وهو شاب يافع ذو الخمسة عشر ربيعا، بعد هذا انضم مباشرة إلى معهد الحياة لمواصلة مشواره الدراسي الثانوي. تلقى الشيخ الناصر تعليمه في معهد الحياة على يد رائد الإصلاح في وادي ميزاب الشيخ إبراهيم بيوض ومساعده الشيخ عدون رحمهما الله، إلى جانب مشائخ وعلماء ذلك العصر منهم الشيخ علي يحي معمر والشيخ بكير بيوض والشيخ عمر بن صالح آداود حيث أخذ عنهم علوم اللغة العربية والفقه والحساب والميراث. بعد الاستزادة من مختلف العلوم بدأ الشيخ الناصر مسيرته التعليمية بمعهد الحياة يوم 1 أكتوبر 1947 وهو لا يزال حاملا مشعل التعليم والإصلاح إلى يومنا هذا. سنة 1962 طلب الإمام غالب العماني من مشائخ وادي ميزاب إيفاد أحد أساتذة المعهد إلى مصر للإشراف على مكتب عمان في القاهرة ورعاية شؤون البعثة العلمية العمانية هناك، وفاوض في هذا الأمر كلا من الشيخ عدون والشيخ عبد الرحمن بكلي رحمهم الله، فوقع الاختيار على الشيخ الناصر المرموري ليضطلع بهذه المهمة العلمية في القاهرة، فانتقل الشيخ إلى القاهرة بتاريخ 01 سبتمبر 1962 ليمكث فيها مدة ثلاث سنوات إلى أن أنهى مهمته يوم 01 جوان 1962.
أيام في قاهرة المعز
سنوات الشيخ الناصر في القاهرة تعتبر نقطة تحول مهمة في حياته حيث كانت فرصة للاغتراف من بحر العلوم الشرعية فكان يلازم مشائخ الأزهر ويواظب على حضور محاضراتهم بمركز المؤتمر الإسلامي في الزمالك، وعلى رأسهم الشيخ محمد الغزالي ومحمد أبو زهرة والسيد سابق ومحمود حسن ربيع وفتح الله بدران والشيخ أحمد الشرباصي وغيرهم، كما كان يستقدم بعضهم للتدريس في الداخلية التي كان يشرف عليها، كما كان هو أيضا مدرسا لمادة الفقه فيها. كان الشيخ خلال تواجده بالقاهرة يلتقي بالشيخ البشير الابراهيمي في مقر إقامته بمصر الجديدة في جلسات أدبية رفيعة، كما كان ملازما للشيخ أبو إسحاق ابراهيم اطفيش في أمسيات يتبادلان فيها أطراف الحديث عن السياسة والتاريخ و أحوال الأمة العربية و الإسلامية. واصل الشيخ الناصر مشواره التعليمي بمعهد الحياة بعد رجوعه من مصر سنة 1965 مدرسا للعلوم الشرعية من أصول الفقه والحديث والتفسير، وقد كان يلازم الشيخ صديق دربه الشيخ أبو اليقظان مساء كل جمعة ولمدة طويلة حيث كانا يجولان معا في عالم الشعر والأدب ويستطلعان أمور المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. تميز في التواصل مما يشتهر به الشيخ الناصر أسلوبه المتميز في التدريس والوعظ والإرشاد وذلك لغزارة علمه وتفقهه في الدين، فأول بداياته في هذا المنهاج كانت بدار العلم (الشيخ بالحاج) بالقرارة أين كان يلقي دروسا على التلاميذ والطلبة وعامة الناس وذلك من سنة 1947 إلى غاية 1971 سنة انضمامه إلى حلقة العزابة بمدينة القرارة، وفي السنة نفسها عُين عضوا في مجلس عمي سعيد الهيئة العرفية التي تتولى الشؤون الدينية في وادي ميزاب. بداية من سنة 1975 اعتلى الشيخ الناصر منبر المسجد الكبير واعظا وخطيبا وإماما بتكليف من الشيخ بيوض؛ وبعد وفاة الشيخ شريفي سعيد الشيخ عدون رحمه الله أصبح الشيخ الناصر رئيسا لحلقة العزابة بالقرارة سنة 2004 إلى أن وافته المنية، فكان مرشدا دينيا ومصلحا اجتماعيا في قرى وادي ميزاب والجزائر متبعا المنهج الإصلاحي للشيخ بيوض رحمه الله. تولى الشيخ الناصر المرموري لعشرات السنين مهمة مرافقة الحجاج الميامين إلى البقاع المقدسة كمرجعية فقهية وتاريخية للحجاج باعتباره عضوا دائما في البعثة الميزابية إلى البقاع المقدسة، كما اشتهر بالرحلات العديدة التي قام بها في ربوع الوطن الإسلامي بهدف نشر العلم والمعرفة حيث زار تونس، ليبيا، عُمان، السعودية وجزيرة زنجبار بتنزانيا، واستقدم العديد من البعثات العلمية العُمانية والزنجبارية للدراسة في معهد الحياة بالقرارة، كما أرسل عدة بعثات علمية جزائرية للدراسة في معهد القضاء الشرعي بمسقط والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. يعرف الشيخ الناصر بالأدب الراقي الذي أبدع فيه منذ كان طالبا بمعهد الحياة في أربعينات القرن الماضي، حيث كتب عشرات القصائد ومئات المقالات في مختلف المجالات و المناسبات، و أول قصيدة كتبها كانت سنة 1946 و عمره تسعة عشر سنة كانت بمناسبة استقبال الشيخ بيوض رحمه الله من الجولة الاستطلاعية التي قادته إلى مختلف المدن الجزائرية وذلك بعد رجوعه من المنفى، و مطلع القصيدة: أهلا بمن ورث النبيء محمدا في العلم والعرفان والإحسان ومن أشهر ما كتب كذلك قصيدة بمناسبة استقبال مصالي الحاج في العاصمة سنة 1947؛ أما مقالات الشيخ فقد كان ينشرها بمجلة الشباب الصادرة عن معهد الحياة والتي كانت تعتبر عصارة النتاج الأدبي لطلبة وأساتذة المعهد، كما نشر الشيخ بعض مقالاته في جريدة الإصلاح للشيخ الطيب العقبي، والبصائر لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين. وللشيخ الناصر المرموري مؤلف تحت عنوان مختصر تفسير الشيخ بيوض رحمه الله في ثماني مجلدات، جمع فيه ملخصات للدروس التي كان يلقيها الشيخ بيوض بالمسجد الكبير بالقرارة في تفسير القرآن الكريم. و في يوم يوم الأحد 12 جمادى الثانية 1432 ه الموافق ل 15 ماي 2011ممن كان يدري أنه سيفارق الحياة في يومه الأخير الحافل والمشهود في القرارة، فقد التقى بصديقه الحبيب ورفيق دربه الشيخ أحمد بن حمد الخليلي مفتي عام سلطنة عمان الذي كان في زيارة علمية إلى الجزائر، وألقى كلمة على طلبة وأساتذة معهد الحياة في منتدى الحياة داخل رحاب معهد الحياة العامر، وقضى لحظات تاريخية مع أبنائه الروحيين، بعدها عاد إلى غرداية في الظهر للقاء طبيبه، لكن بعد خمسة ساعات من ذالك كان لقائه من مع طبيب الأطباء خالق الداء والدواء عن عمر يناهز أربعة وثمانين عاما. رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه - إنا لله وإنا إليه راجعون.