مرّت سنة بأكملها، بساعاتها وأيامها، بأشهرها وبفصولها، بأفراحها وبأحزانها، خسرنا أشياء وربحنا أخرى وهذه هي دورة الحياة، فدوام الحال من المحال وهي مقولة قديمة وسارية المفعول، على كل الظروف والأحوال، ولكن هذا المفهوم ومن خلال ممارسة الصحافة التي تقوم على الاحتكاك والاتصال المباشر بالأشخاص، لاحظت أنه قد سقط ولم ينطبق على شريحة من المجتمع الجزائري، فمقولتهم تغيّرت "تبدل الأحوال من المحال" وليس العكس، كما لاحظت أنهم لا يستعملون أجندة للزمن ولا يعرفونها، لأنهم ببساطة أشخاص كل أيامهم سواء، وكل سنواتهم طبق الأصل عن بعضها عنوانها المعاناة، وموضوعها الحرمان وخاتمتها أمل صعب المنال، هم بشر مثلنا يمشون على الأرض التي نمشي عليها، ويتنفسون الهواء الذي نتنفسه، ولكن شاءت الأقدار أن تأسرهم في دوامة وهم أحرار، و أن تقبض على أرواحهم وهم أحياء، وهذه الشريحة التي تأثرت كثيرا لحالها، وتفاعلت معها رغم طبيعة عملي التي تفرض علينا الموضوعية، هذه الطبقة الفقيرة المهمشة التي تجاهلها الزمن والمسؤولون، فلا هم عرفوا معنى الحياة ولا عايشوها، بعضهم ولد ومات على حاله، وما كان الجميع يولد بالفطرة إلا أن للظروف الاجتماعية، دور فعال في صقل الإنسان، وتحديد أهدافه وإبراز مواهبه، وهو بالفعل ما يتجلى ويظهر من خلال ما لمسناه لدى الأشخاص القاطنين بالبيوت القصديرية، والأحياء الفقيرة على حد السواء فقد ساهمت أحوالهم في تحديد شخصياتهم فجعلت من الكثيرين أشرارا، ومنحتهم شهادات تفوق في الاعتداءات وامتهان السرقة وممارسة الرذيلة والفسق بأنواعه، وعلقت على صدر هذا الجيل الذي كان يفترض به أن يتكون ويتخصص ويتعلم ليبني وطنه علقت أوسمة الانحراف، فهم خريجي السجون بشهادات تقدير لا لشيء إلا أن الظروف عاكستهم ولم يحالفهم الحظ، ولم يجدوا طريقا آمنا يسلكونه، بعد أن تجرّدوا من كل حقوقهم الطبيعية، فكان أكثر ما أثر في نفسي هي صورة أطفال يلعبون وسط القمامة والمياه القذرة المتسربة من قنوات الصرف، فما هو مصير هؤلاء وإلى أي طبقة سوف ننسبهم؟ هل سيكونون إطارات سامية؟ هل سيحملون شهادات عليا؟ أم هناك سبل أخرى سيسلكونها طوعا وكراهية؟ ماهو المصيرالذي ينتظر الأطفال الذين عايشوا المعاناة منذ ولادتهم يوما بعد يوم، ومن خلال تجربتنا المتواضعة في الميدان، ومن خلال الأحياء الفقيرة التي تنقلنا إليها كان دائما يجول بخاطرنا سؤال يتكرر في كل مرة حول مصير الأطفال الذين نتفاجأ بهم لحظة وصولنا إلى أي حي فقير، فتجدهم يلعبون وسط أكوام النفايات والمياه القذرة المتسربة من قنوات الصرف القديمة، والروائح التي تزكم الأنوف، وأحيانا نجدهم عراة حفاة ينظرون إلينا نظرة بريئة، تحمل في طياتها الكثير من الحزن، وخاصة في أيام الصيف الحارة أين يكون الجميع في عطلة دراسية يمضي وقته في مخيم صيفي على شاطئ البحر، أما هؤلاء فكانوا تحت حرارة الصيف التي تتجاوز أحيانا 39 درجة، منتشرين تحت شجيرات يتظللون، هروبا من الحرارة المرتفعة داخل بيوتهم القصديرية، وأجسامهم الصغيرة تحمل لسعات الباعوض يحلمون بقطرة من المياه الباردة تخفض من حرارة أجسامهم الضعيفة، يستنشقون هواء ملوثا تفوح منه الروائح الكريهة، فلكم تعجبنا، ولكم تساءلنا حول المصير الذي ينتظرهم، وكم هي براءتهم شديدة حين نسألهم إن كانوا يمارسون الدراسة أو أية هوايات، فكانوا يضحكون كثيرا، لأن أغلبهم لا يحب الدراسة ونتائجهم كارثية، راسبون بل الأغرب من ذلك أنهم يفضلون العمل كبيع الخبز أو باقات الزهور أو أي عمل آخر، يمكنه أن يمنحهم بضعة نقود يشترون بها بعض الخبز لعائلاتهم الفقيرة، أو حذاء مثلا، أو سروالا غير ذلك البالي الذي تملؤه الثقوب فكيف لمن ينام على قطعة رغيف من الخبز أن يدرس وينجح. وغير بعيد عن هذه الظاهرة، نجد كذلك أن الكبار يفضلون العمل بشتى أنواعه وخاصة منه المنحرف، للحفاظ على بقائهم، وكل هذه الظواهر وبخاصة الدعارة وكل ما يمكن له أن يجني نقودا وجدناه متفشيا بكثرة في هذه الأحياء الفقيرة، والجواب والسبب واضح ولا يحتاج إلى تفسير، وهي الظروف الصعبة القاهرة التي تدفع بهم إلى عمل أي شيء لجلب المال. ما دور السلطات المحلية والجهات المسؤولة من كل هذا؟ أغرب ما في الأمر، أن كل هذه المشاكل تدركها السلطات المحلية، وكل هذه الأحياء قد تم زيارتها ومعاينتها من قبل المنتخبين المحليين، بالطبع في الحملات الانتخابية، وقد تم وعد كل هؤلاء المتضررين بحلول كفيلة وعاجلة، إلا أن شيئا من هذا لم يتغير، وذلك منذ سنوات أي ما يقارب 20 سنة وفي بعض الأحيان 30 سنة، وقد تعدى الأمر ذلك في بعض المناطق 50 سنة، وهو ما يتعلق بالأحواش القديمة التي ورثها القاطنون عن المستعمر الفرنسي ورغم مرور عقود من الزمن على الاستقلال، إلا أن أحواشهم لا تزال مأهولة وتفتقر إلى أدنى شروط الحياة، ورغم أن البلديات تحصل على ميزانية خاصة مع بداية كل سنة، ورغم عدد المشاريع المسطرة كل سنة، والتي تتحصل عليها بسهولة من طرف رؤساء البلديات الذين يتكلمون عن البرامج المسطرة لهذه السنة، إلا أنه وبمرور سنة كاملة ومع نهاية السنة، لا حظنا أنه لاشيء تغير، فحتى بعض البلديات التي تم إنجاز وحدات سكنية بها قصد القضاء على البيوت الهشة، والقصديرية رأينا أنه قد تم توزيعها ولكن لا أحد من المعنيين غادر منزله، ببساطة لأنهم ليسوا المعنيين بأمر الترحيل، وهنا نفتح مجالا آخر للسؤال؟ من يستفيد من كل هذه الوحدات السكنية؟ وما هي الطريقة التي تعتمدها السلطات المحلية في الأخذ بعين الاعتبار، الناس والأشخاص الأحق بالسكنات، وهناك أحياء في بعض البلديات كالكاليتوس والحراش وبئر توتة وغيرها من البلديات تفتقر إلى قنوات الصرف الصحي، ناهيك عن المشاكل التي من شدة تكرارها سئمناها، وهي المعاناة، اليأس والحرمان، وكل المواضيع التي سبق وأن تناولناها لا تخلو من "طالب، ناشد" أما التأسف والغضب والسخط فهي كلمات جفت أقلامنا بسبب تكرارها، فلكم أتمنى يوما أن أزور إحدى هذه الأحياء، وألاحظ فيها تغييرا، ولكم أتمنى أن أعبر عن فرحتهم وهم يستفيدون من السكن ويحصلون على الغاز والنقل والتهيئة، وغيرها من المشاكل التي تؤرق السكان. وحى مشروع 100 محل لكل بلدية الذي أمر به رئيس الجمهورية، هناك بعض البلديات لم ينته بها المشروع، وفي بلديات أخرى لم يتم توزيعهم بسبب المحسوبية والبيروقراطية في تحديد المستفيدين من هذه المحلات، على غرار بلدية الحراش، فالمحلات لا تزال على على حالها في حين تحولت بعضها في مناطق أخرى إلى أوكار للدعارة، فمن المسؤول عن التسيير والتنظيم ومن يراقب سير الأمور؟ وبالحديث عن بلدية الحراش، فيكفينا الحديث عن واد الحراش الذي هزم دولة، ولم يتمكن ولا مسؤول من حل معضلته، وهو الحال بالنسبة لمفرغة واد السمار، وماذا عسانا نقول عن النفايات التي أضحت طابعا وديكورا يوميا لمدن العاصمة، والكل يتحدث عن تكافل الجهود، إلا أن الواقع شيء آخر، فإلى أين نحن متجهون، وما المصير الذي ينتظرنا؟