تقريب الشرطة من المواطن، وجعل مركز الشرطة ملجأ لكل من لديه مشكل... هو المبدأ الأساسي الذي أنشئت من أجله الشرطة الجوارية، والتي تنتشر مراكزها بسرعة، بهدف التكفل بالمواطن، وتغيير الصورة التي ارتسمت لدى الكثيرين خلال العشرية السوداء، والتي جعلت الجزائري يرى بأن الشرطة مصدر للقمع والخوف. الشرطة الجوارية مصلحة تابعة للأمن الوطني، تقوم بعدة مهام، أساسها الوصول الى المواطن ومساعدته، البداية كانت سنة 2000، وهي لحد الآن في طور التجسيد، والعمل لا يزال مستمرا لتطويرها، كما يقول العميد بن غريفة، المشرف على ملف الشرطة الجوارية بمديرية الأمن العمومي: "الشرطة الجوارية في طور التجسيد، فحتى على المستوى العالمي نجد أنها في بلدان مثل فرنسا، بريطانيا وأمريكا، لم تعرف تجسيدا نهائيا، فالأمور ليست سهلة، لكن أؤكد بأننا قطعنا شوطا كبيرا لحد الآن". تفشي ظاهرة الإجرام والإجرام المنظم، إلى جانب السرقات، الإرهاب والآفات الاجتماعية، جعلت المديرية العامة للأمن الوطني، تفكر في كيفية معالجة هذه المشاكل الدخيلة على المجتمع الجزائري، من أجل إعادة الأمن: " كان لابد أن تسترجع الدولة مكانتها في الميدان، فالشرطة تواكب هذه التطورات من أجل إعادة الأمن والاستقرار، فهو اختيار لا رجعة فيه"، يقول العميد بن غريفة، ومن هذا المنطلق قام المدير العام للأمن الوطني، بتكثيف نشاطاته الميدانية، بتدشين عدة مراكز للشرطة الجوارية عبر العديد من الأحياء في العاصمة". كما يضيف محدثنا موضحا: "لتجسيد أهداف المديرية العامة للأمن الوطني، قامت هذه الأخيرة بفتح مقرات للشرطة عبر الأحياء، خاصة منها المعزولة، حتى يكون حضور شرطة ظاهرا ودائما لبعث الاطمئنان". ويؤكد العيمد بن غريفة، أن معظم هذه المراكز دشنت في أحياء عرفت في السابق ببعض المشاكل الأمنية، مثل مقاطعات براقي، الحراش وجسر قسنطينة، خاصة وأن هذه المناطق استفحل فيها الإرهاب في السابق. وبالإرقام يشير ذات المصدر " لقد كانت هناك قفزة نوعية في هذا المجال، فنجد الآن 96 مقرا للأمن الحضري، وقد دشن المدير العام مؤخرا 14 مقرا آخر، تمس بنسبة 100 كل الاحياء المعزولة، المعروفة بانتشار الجريمة والإرهاب فيها". ومن الاهداف التي تسعى المديرية العامة للأمن الوطني إلى تحقيقها من خلال هذا المشروع، حسب ما أكده العميد بن غريفة، تقريب الشرطي من المواطن وربط علاقات حميمية فيما بينهما"، التقليص من الشعور باللاأمن الذي استفحل لدى المواطن، التقليص من الإجرام مع التركيز على مكافحة تهميش الشباب والوقاية من خطر الآفات كالمخدرات والعنف والعنف العائلي، وهذا من خلال الإصغاء الدائم للمواطنين، الذين يعتبرون عنصرا أساسيا في العلاقات بين الشرطة وكل شخص، إضافة الى ضمان الأمن والسكينة العامة والصحة العمومية في اطار مفهوم النظام العمومي، وتحرير المخالفات والقيام بتحقيقات فيما يخص الجوار وما شابه ذلك من مشاكل الحي". ومن أجل أن تكون هذه العملية شاملة وكاملة، عمدت المديرية العامة للأمن الوطني الى تكوين وحدات نموذجية، تم إدماج العنصر النسوي فيها، حسب ما أكده العميد بن غريفة الذي صرح لنا قائلا: "بداية إدماج العنصر النسوي كانت في 1999 - 2000، حيث تمت عملية تجنيد فتاتين في الصفوف". وللوصول الى تغطية أمنية بنسبة 100 سنة 2010، والتي تسعى المديرية العامة للأمن الوطني الى تحقيقها، يتم تجنيد كل عام ما يقارب 15 ألف شرطي، ووصل العدد حاليا الى 160 ألف. ويؤكد محدثنا أنه "من خلال التكوين، نعطي بعض الأفكار للمنخرطين الجدد لتكسير الصورة النمطية، التي كانت عند المواطن حول الشرطي والشرطة". أخيرا.. أصبحنا نشعر بالأمان استطلاعنا الميداني، جعلنا نحتك بالشرطة الجوارية، وكذلك بالمواطنين الذين يتعاملون مباشرة مع هذه المصلحة من مصالح الامن الوطني، وكعينة عن أحد مراكز الشرطة الجوارية، توجهنا الى مركز الأمن الحضري لحي 2248 مسكن بجسر قسنطينة، حيث وقفنا على العمل الميداني لعناصر الشرطة بهذه المصلحة التي تتوسط الحي وتشرف على "قرية الشوك" التي تضم 900 بيت قصديري. وحسب ضابط الشرطة عميروش بايش، رئيس هذه المصلحة، فإنه منذ تواجد مصلحته في هذه المنطقة تغيرت الأمور بشكل كبير " لقد تم تدشين هذه المصلحة في 19 جويلية 2008 من طرف المدير العام للأمن الوطني، نحن هنا نشرف على حماية الممتلكات والأشخاص، مع تقديم الخدمات اليومية، بالإضافة الى التدخلات، هدفنا هو القضاء على ذلك الخوف الذي يعاني منه سكان الحي، فقد عانوا من "الحقرة" كثيرا، ونحن نحاول التقرب منهم بربط علاقات صداقة معهم، فهناك العديد منهم من يتصل بنا عبر الهاتف ويمدنا بالمعلومات". هذا التغيير الذي عرفته قرية الشوك يشهد عليه السكان، الذين يقطنون البيوت القصديرية، مثلما يؤكد عليه بلقاسم نموشي، رئيس جمعية الحي "الوفاء" في هذه القرية، إذ يقول " من قبل كنا نعاني من حقرة كبيرة، اللصوص يقتحمون البيوت في منتصف الليل.. كانوا يقومون حتى بنزع القصدير الذي نغطي به البيوت، لكن عند مجيئ هذه المصلحة شعرنا بأننا تحصلنا على الاستقلال من جديد، فقد سويت الطريق، وتم ادخال الكهرباء والماء، ورحل اللصوص من هنا". فتواجد هذه المصلحة على مقربة من الحي جعلت السكان يتشجعون ليبلغوا عن أي اشياء غير عادية، حتى فيما يخص بناء بيوت قصديرية أخرى تقول احدى السيدات، التي صادفناها في ذات الحي: " لدي بنات وأؤكد لكم أنه كان من الصعب عليهن الذهاب الى المدرسة، لأنهن يعانين دائما من الاعتداءات، وكنت أنا من يقوم دائما بمرافقتهن، لكن الآن نحمد الله على هذا الأمن، فبناتي يذهبن ويرجعن دون أي مشكل". تواجد مثل هذه المصالح للشرطة الجوارية في مثل هذه الاحياء، كان له دوره الهام في اعادة الامن إلى هؤلاء المواطنين واعادة الثقة لهم، فاللصوص والمجرمون الذين كانوا ينشطون بكل حرية ويعتدون على الجميع، لم يصبحوا يظهرون وابتعدوا جميعا، فمنهم من زج به في السجن ومنهم من خاف لدى انشاء هذه المصلحة في قرية الشوك وذهب الى مكان آخر "عملنا يتم ليلا ونهارا فلدينا دوريات متواصلة من أجل مراقبة أي شيء مشبوه عبر هذا الحي وعبر الاحياء الاخرى، فنحن نراقب حتى الأقبية التي يتخدها اللصوص والمدمنون على المخدرات ملجأ لهم، فنحن هنا من أجل مكافحة كل الآفات" يقول الضابط بايش. في نفس السياق، يقول الضابط جمال يوسفي رئيس الامن الحضري الجواري رقم 13 لجسر قسنطينة: "بصفة عامة فكرة المدير العام قيمة، نحن نتواجد بالقرب من البيوت القصديرية التي تكثر فيها مختلف الظواهر، كالمخدرات، الدعارة، السرقة، الاعتداءت على الممتلكات، ولهذا فنحن نتقرب من الناس، فإن كان منهم أهل سوء سيعرفون أن هناك أمن، وأهل الخير نشعرهم بالأمن". وقد بدأ عمل هذه الشرطة قبل الافتتاح الرسمي لهذه المراكز والمقرات، حيث أن الضابطين المذكورين سبق لهما وأن تنقلا الى الاحياء، قبل بداية عملهما، رسميا مثلما يؤكد عليه الضابط بايش: " لقد كونت علاقات طبية قبل تدشين هذا المقر بأشهر عديدة، حيث تمكنت من التعرف على بعض الناس من سكان هذا الحي".. وهذا ما يؤكد عليه رئيس جمعية الحي أيضا: " لقد تعرفت على الضابط بايش بعيدا عن هذه المصلحة وقبل تدشينها بوقت كبير"، وهو نفس ما ذهب إليه الضابط جمال يوسفي الذي يقول " قبل الافتتاح الرسمي، كنا حاضرين وكان هناك احتكاك، كنا نتبادل الآراء ونطلع على انشغالات المواطنين وطلباتهم، فقد كان هناك تحضير منذ مدة طويلة". استعراض العضلات.. والعمل البسيكولوجي وتعتمد الشرطة الجوارية أساسا، على الاتصال والعمل البسكولوجي، الذي يعتبر أساس التعامل مع المواطن، مثلما يؤكد عليه الضباط بايش قائلا: "نحن نتكلم مع الجميع، ونحاول دائما إقناع من تكون فيه شبهة قبل أن نخضعه للإجراءات القانونية". الضابط يوسفي من جهته، يؤكد على اهمية الاتصال والعمل البسيكولوجي مع المواطن: "أظن أن للاتصال أهمية كبيرة في كل مجالات الحياة، فعندما نتصل مع بعضنا البعض نصل الى ايجاد حلول مفيدة، فأنا أستمع إليك واحترم رأيك، وهذا يضيف أشياء كثيرة للإنسان ويعطيه راحة أكبر، فمنذ تواجدنا هنا لم نكف عن هذا العمل الاتصالي". فالمصلحة التي يشرف عليها جمال يوسفي متواجدة في حي 224 مسكن ومزرعة (بريمونتي) حيث يوجد 177 بيت قصديري بها 830 ساكن، ويقول محمد زين أهيبة، شرطي بمصلحة قرية الشوك: " نستقبل المواطن والعاملة عادية معه ولم نواجه، أي مشكل، وطريقة التعامل تختلف من شخص لآخر، نحن نتقرب أكثر من المواطن ونخدمه أكثر، ونحاول معالجة مشاكله، فنحن نعرف معظم الناس وهم يعرفوننا ". نفس الرأي عبر عنه لخضر شيكار، أحد أعوان الامن في الفرقة المتنقلة، حيث قال : "نتكلم مع كل الناس بشكل عادي، فنحن شرطة جوارية ونتقرب منهم، فالمواطن يرى نفسه فينا نحن كمرآة بالنسبة له". العمل الجواري لهؤلاء لمسناه على أرض الواقع وفي الميدان خلال تنقلنا مع هذه الفرقة المتنقلة، حيث كشف المواطنون عن راحتهم ورضاهم لما يقومون به، كما يقول زهير مرسلي أحد ساكني قرية الشوك: "صراحة منذ مجيء هذه المصلحة الى هنا نحن في سلم، فهم في دوريات يومية ونحن نساعدهم في مهامهم، قبل هذا كانت هناك مشاكل كثيرة، اليوم وجدنا هذه الشرطة الى جانبنا في كل المجالات". وساهمت الشرطة الجوارية في جلب الكهرباء والماء الى بيوت هؤلاء، وكذا في صحة السكان أيضا، فهي من تقوم بالاتصال بالإسعاف عندما تقتضي الحاجة ذلك، هذا ما أكد عليه أيضا سكان هذا الحي في جسر قسطنينة "نحن الآن في راحة كبيرة، فهم يساعدوننا كثيرا ويؤدون واجبهم على أكمل وجه، فقد عانينا كثيرا من الحقرة وعدم وجود طريق ولا كهرباء، وما نطلبه أيضا من هذه المصلحة أن تقوم بإحصاء عدد السكان". ابراهيم شرطي في الفرقة المتنقلة، وهو من سكان عين النعجة القريبة من المقر، يقول من جانبه : " أنا أعرف معظم الناس هنا، فهم يأتون الي حتى بعد ساعات العمل، وعندما يكون هناك أي شيء مخالف يعلمونني به، ونحن نقوم بواجبنا وما نقدر عليه، والنظرة الى الشرطة تغيرت كثيرا". ويضيف زميله عبد الرحمان : "دورنا ليس قمعي، فمتهمنا الاولى هي مد يد العون، فقد كانوا يملأون الماء من عندنا، فنحن نؤدي عملنا ونتكلم معهم، هناك عمل بسيكولوجي". وقد خصصت المديرية العامة للأمن الوطني، بعض الملتقيات التي يحضرها من حين لآخر هؤلاء الاعوان من أجل اكتساب بعض المعارف الاخرى، والخاصة اساسا بطريقة التعامل، كما تعطى لهم يوميا تعليمات خاصة لمساعدة المواطن وتسهيل المهمة.