أطفال في مقتبل العمر تحولوا إلى تجار بين موسم دراسي وآخر، واحترفوا عملية البيع لتأمين مصروف العائلة خلال شهر رمضان، ومصروف الدخول المدرسي، متحملين أعباءمسؤولية البيت قبل أن يحين الوقت،.ينتشرون في كل الأسواق الشعبية وعلى الطرقات والأرصفة وبين الأحياء، أجسادهم النحيلة معرضة لساعات طويلة تحت حرارة الشمس الحارقة في عز الصيف خاصة مع الارتفاع المذهل للحرارة هذه السنة التي منعت حتى الكبار من الخروج للشارع وجعلتهم لا يفارقون المنازل أو السيارات أو المقرات التي تتوفر بها المكيفات الهوائية، غير أن هذا الموضوع لا يعني البراعم من قريب ولا من بعيد وكل ما يهمهم تأمين بعض المال لسد حاجياتهم وحاجيات عائلاتهم الفقيرة فتجدهم يبيعون خبز "المطلوع" أو "المحاجب" أو ربطة "الحشيش" و"الديول"، والشاربات في رمضان وقاروات المياه المعدنية و المناديل والورقية هذه الأيام القليلة التي إتفصلهم عن موعد الدخول المدرسي. فالصورة التي طبعت في أذهان الكثيرين والتي تتكرر موسم كل صيف هي انتشار عدد كبير من الأطفال ذكورا وإناث على أرصفة الطرقات وبين أيديهم سلل خبز المطلوع أو .. أكثر المأكولات الشعبية طلبا من الجزائريين خلال شهر الصيام، كل واحد منهم يجتهد بطريقته الخاصة لجلب الزبائن الكبار وبيع كل الكمية المتوفرة لديه قبل حلول ساعات المساء، حتى يعود إلى البيت محملا ببعض الدنانير قد تنفس عن العائلة وتفرج عنها ولو الشيء اليسير. وعدد الأطفال المنظمين إلى بائعي المطلوع والمعدنوس صار يرتفع بارتفاع غلاء المعيشة، حتى أن البعض منهم أصبح يضحي بجميع عطله المدرسية من أجل تأمين مصروف أكبر يمكنه من شراء مستلزماته المدرسية، والشخصية ويجود بالباقي للعائلة لتوفير احتياجاتها اليومية. عائلات تستغل فقرها وتدفع بالبراءة للعمل الشاق وسلبه حق العطلة ولوج عالم التجارة ولو كانت موسمية، لم تفرضه فقط الحاجة أو الفاقة، فالكثير من العائلات الجزائرية باتت تستغل أطفالها لبيع ما تصنعه ربات البيوت من أكلات يكثر عليها الطلب من الجزائريين خلال شهر رمضان أو بعده بسبب الربح السريع الذي توفره ، وهي أكلات وجدت مكانا لها بين طاولات التجار الفوضويين وسط الأسواق الشعبية، وعلى الطرقات السريعة وترفض العائلات تفويت الفرصة للربح من تجارتها ولو كان ذلك على حساب راحة فلذات أكبادها.ويقول «محمد» طفل في ال 14 من العمر، أنه يضطر لمساعدة والده في بيع المأكولات التي تحضرها والدته في الصباح الباكر، وليس بإمكانه رفض ذلك لأنه مسؤول هو كذلك على تأمين مصروف خاص لشراء ملابس الدخول المدرسي والكتب بسبب عجز والده على توفير كافة مستلزمات البيت وإخوته، لأنه يملك هذه الطاولة فقط للاسترزاق منها.أما على مستوى الطرق السريعة فحدث ولا حرج، رغم الخطر المحدق بالكثير من الأطفال إلا أنهم يصرون على عدم مبارحتها والاستمرار في بيع المطلوع بسبب أن عائلتهم تدفعهم دفعا إلى العمل، وإلا حرموا من ملابس العيد أو الدخول المدرسي بسبب عجز بعض الأولياء عن تأمين احتياجات أبنائهم خاصة أمام الارتفاع المذهل لأسعار الملابس عشية كل مناسبة دينية. ويمكن ملاحظة هؤلاء الأطفال على مستوى الطريق السريع الرابط بين العاصمة والبليدة، ويكثر انتشار هؤلاء بناحية بئر توتة على امتداد الطريق حيث لا تفصل بينهم إلا مسافات قريبة، واغلبهم من أبناء الاحواش والمزارع القريبة من المنطقة، بعضهم من عائلة واحدة والبعض الآخر أصدقاء أو جيران، ضحوا بعطلتهم الصيفية لبيع المطلوع الساخن، رغم أشعة الشمس الحارقة وخطر الطريق الناجم من السرعة المفرطة لأصحاب المركبات والشاحنات . أطفال يجوبون المنازل ويبحثون في القمامة عن الخبز اليابس هي مهنة قد يستحيل على البعض ممارستها نظرا لخجلهم، لكن الحاجة الشديدة دفعت بعض الأطفال لرفع التحّدي، بعدما اضطر هؤلاء الأبرياء إلى البحث عن أيّ وسيلة تكسبهم المال لإعالة عائلاتهم، وكان جمع الخبز بمثابة مصدر رزق رغم تراكمه بشكل كبير أمام صناديق القمامات، لكنه يبقى بالنسبة لهؤلاء مصدر ربح، حيث يحرص بعض الأطفال والشباب على جمع أكياس الخبز بعرباتهم منذ الصباح الباكر، ليعيدوا بيعه لمن يحتاج إليه كغذاء للمواشي، ولا يمتنع البعض عن دق أبواب المنازل ويسألون عن الخبز لدرجة أن بعض العائلات باتت تجمعه لهم وتسلمه لهم لمساعدتهم. أطفال عرضة للحوادث بسبب استغلال أرباب العمل يغتنم بعض أرباب العمل حاجة الأطفال لعمل يوفّر لهم قوت يومهم، فيكلفونهم بأعمال تفوق طاقة أجسادهم، وهو ما يعرضهم لأخطار مهنية كثيرة في أيّ لحظة، لكن أمام الوضعية المعيشية الصعبة فلا خيار آخر خاصة وأنّ منهم من يريد المحافظة على مقعد له في المدرسة. ويشكّل الأطفال في بعض أماكن العمل يدا عاملة بخسة سهلة الاستغلال، ورغم الموانع القانونية لتشغيل القصر إلاّ أنّ بعض أرباب العمل لا يضعون أي اعتبار لصغر سنّهم فيكلفونهم بأعمال صعبة مقابل أجر بسيط وهمهم الوحيد هو تحقيق الربح، ناهيك عن عدم تأمينهم اجتماعيا، ما يدعو إلى ضرورة تشديد الرقابة على مختلف أشكال استغلال الأطفال. صغار يقتحمون ورشات البناء ويجنون مالا بخسا مقابل عمل شاق وجد كثير من الأطفال أنفسهم بحاجة إلى العمل في مهن تتطلب بذل جهد كبير لا يتناسب مع أعمارهم وقدراتهم الجسدية، إلاّ أنّ معظمهم يضطرون إلى قبول تلك المهن رغم صعوبتها لمواجهة ظروفهم الاجتماعية الصعبة، وتخوض تلك الوجوه البريئة في مهن لا يقدر عليها الكبار في ظل الحرارة المرتفعة التي عرفتها هذه الصائفة.هذا ما شاهدناه بإحدى ورشات البناء بباب الوادي، أطفال في معاناة يومية ومشقّة عمل متعب، يتصببون عرقا وهم حاملين لأكياس الإسمنت الثقيلة، يحاولون التقليل من الحرارة التي لفحت أجساهم بصبّ الماء على أجسادهم ليبقى هدفهم واضح وهو مساعدة عائلاتهم على توفير بعض المستلزمات خاصة وأنّ الدخول المدرسي على الأبواب.ورغم أنه يتقاضى مبلغا جدّ بسيط إلا أن ذلك يبقى بالنسبة له أفضل من لا شيء.مراهقون آخرون وجدناهم بتلك الورشة التي ألهبتها حرارة الطقس كانت وضعيتهم الإجتماعية السيئة قاسمهم المشترك ولكن كل واحد يبذل ما استطاع من جهد مضحيا بعطلته وراحته. المشهد لا يختلف كثيرا بالنسبة لبعض الأطفال العاملين في ورشة حدادة في بابا علي، حيث يضطر هؤلاء لرفع قطع حديدية لا تقل عن وزنهم ويعملون لساعات طويلة مقابل 400 دينار يوميا، ومنهم من تعرض لحادث مهني خطير.سارة.ب