تعرف بعض الأنشطة التجارية خلال شهر رمضان الكريم إقبالا كبيرا من طرف التجار إذ يكثر الطلب خلال هذا الشهر الفضيل على بعض المنتوجات التقليدية التي تتفنن أيادي النسوة في إعدادها وبيعها ويأتي على رأسها الديول، المطلوع، والقطايف، الكسكسي.. وغيرها من العاجائن التي تعرف إقبالا واسعا من المواطنين خلال هذا الشهر الكريم فبمجرد دخول شهر رمضان العظيم تزادا عدد النسوة اللواتي يصنعن مختلف أنواع العجائن بهدف تلبية الطلب الكبير على هذا النوع من الأطعمة، ومن اجل زيادة الكسب المادي للأسرة الجزائرية ، حيث يلاحظ الزائر للأسواق أنه من الصعب على المواطن دخولها، خاصة الشعبية منها مثل سوق بلكور المعروف بسوق "12" وسوق ساحة الشهداء وسوق بومعطي لكثرة عدد الباعة الذين يتاجرون بما تصنعه أمهاتهم أو زوجاتهم وشقيقاتهم من العجائن أو حتى جاراتهم . عائلات تلجأ إلى بيع المطلوع لتغطية مصاريف رمضان يكثر عدد بائعي المطلوع في الشهر الكريم عادة، وهو ما أثار انتباهنا خلال جولتنا الاستطلاعية التي قادتنا إلى عدة أسواق بالعاصمة خلال اليوم الأول من رمضان، في وقت ازداد الطلب على هذا النوع من العجائن لدى أصحاب محلات مواد الأغذية وكذا في الأسواق. هذا النشاط أصبح له مختصوه من تحضير وإعداد وطهي المطلوع إلى بيعه، وجميعهم يخرج بقسط وفير من المال بعد أن تصل هذه العجينة إلى الصائم وخلال جولتنا التي قادتنا إلى سوق مشري 12 ببلكور لاحظنا عدد كبير من الأطفال يبيعون خبز المطلوع والذي أصبح جد مطلوب من طرف المواطنين خاصة في هذا الشهر الكريم حيث لا يمكن لبعض الصائمين أن يفطروا بدون وجود خبز المطلوع الذي أصبح جد أساسي على طاولة الفطور في شهر رمضان إذ أصبح المطلوع ينافس أجود أنواع الخبز لأنه يفتح شهية المستهلك عند الإفطار، ولان إنتاج أنواع المطلوع يزيد في رمضان، أكد لنا بعض الباعة أن بعض المواطنين يشتكون من زوجاتهم اللواتي لا يعرفن كيفية إعداد المطلوع أما آخرين يفسرون شرائهم للمطلوع بسبب عدم استطاعة زوجاتهم تحضيره لأنها عاملة ولا يكفيها الوقت لذلك ، في حين يلجأ البعض الآخر إلى إجبار زوجاتهم على تعلم العجن من اجل تأمين المطلوع في رمضان، لأنهم يحبون استهلاكه ساخنا مع الشربة كما ان كمية المطلوع تنفد بسرعة لدى الباعة. خبز المطلوع حضوره إجباري على طاولة الفطور في رمضان وعن أهمية تناول المطلوع في رمضان حدثنا "مراد . و" وهو طالب : "خلال رمضان ورغم ا ن أبي خباز ويتفنن في تحضير أنواع عديدة من الخبز ، فإني لا اشتهي إلا المطلوع، فأنني اشتري خبز المطلوع يوميا لذا فقبل أذان المغرب مباشرة اقصد احد أصدقائي العامل بمخبزة المطلوع واحصل على المطلوع ساخنا ، لأعود مباشرة إلى منزلي ، وعن أنواع المطلوع الأكثر استهلاكا في رمضان، قال لنا "سمير ، ز" من مفتاح أمي رفقة أخواتي يقمنا بتحضير المطلوع بكل أنواعه لأبيعه في السوق ، وهي: خبز فطير المطلوع العادي، مطلوع الكوشة ومطلوع الفرينة وفطير الشعير أبيعها ابتداء من بعد صلاة العصر ، وهو الوقت الذي يزداد عدد المتوافدين على السوق خاصة العمال فسعر المطلوع يتراوح بين 20دج و40دج كل واحد له سعره الخاص وبعد ساعة واحدة فقط تنفد كل الكمية التي بحوزتي، لأطلب من والدتي أن تزيد في الكمية لأتمكن من تلبية الطلب المتزايد علي ومن جهة أخرى التقينا ب كريم عمرة 10 سنوات هو تلميذ في الابتدائية الذي قال أمي تحضر لي يوميا المطلوع وفي المساء اذهب إلى احد المجمعات السكنية والأحياء بالمنطقة لأبيعه فالعمل جد متعب لأنني اضطر أن اصعد وانزل سلالم العمارات عدة مرات لكي أبيع خبز المطلوع ولكن الحمد لله هناك إقبال كبير من طرف العائلات لاقتناء خبز المطلوع فبعض الأسر طلبنا مني إحضار كمية معينة من خبز المطلوع يوميا إليهم لشرائها لان أمي تجيد صنعه ويضيف كريم انه اضطر بيع خبز المطلوع لأسباب اضطرارية لان عائلته معوزة. "أطفال رمضان" يمتهنون بيع الديول والقطايف لمساعدة الأهل تعرف تجارة ''قطايف''، ''ديول''، رواجا كبيرا خلال شهر الصيام نظرا لاستهلاكها من قبل عامة الناس خلال ذات الشهر بصفة خاصة، وهو ما يجعل الطلب عليها كبيرا حتى إنه من النادر أن تتمكن خلال أولى أيام شهر رمضان من الحصول على تلك المواد وخاصة ''الديول''، فتصطف طوابير طويلة في أولى أيام الصيام أمام محلات أو طاولات بيع ذات المادة. وفي جولة لنا عبر بعض أسواق العاصمة، ونحن نتجول بسوق ساحة الشهداء صادفنا أبرياء كثيرون واقفون على الأرصفة وعلى قارعة الطريق أمام صناديق تحمل منتوج أمهاتهم، من عجائن متنوعة كالديول التي تعرف إقبالا كبيرا من طرف المواطنين وهذا لتحضير البوراك الذي لا يمكن الاستغناء عنه على طاولة الفطور مع شربة فريك حمراء وهم يصرخون بأعالي أصواتهم مثلما يفعله الكبار لترويج سلعهم، لكي يحظون بعدة دنانير تسعدهم وتدخل الفرحة على قلوبهم وقلوب أوليائهم. كما كان لنا حديث مع مصطفى 9 سنوات بالعمارة التي اقطن بها فبعد طرقه الباب بكل أدب لاتصادف بطفل يحمل صندوق به الديول ملفوف بغطاء ابيض يطلب مني شراء الديول بكل لطف وبراءة فرغم أن الديول كان موجود ببيتنا إلا أنني اشتريت الديول من الطفل لكي ادخل الفرحة لقلبه فقمت بطرح عدة أسئلة عليه ليجيبني بكل صراحة واطمئنان . وفتح لي قلبه بكل بساطة ، قال لي انا دائما في رمضان تحضر لي أمي الديول لأبيعها في المنازل في هذا الشهر العظيم، وهو تلميذ بالابتدائية وناجح في دراسته، أخبرني أنه دخل عالم التجارة من أجل دعم والدته لكسب بعض المال ومساعدتها لان مصاريف العائلة أثقلت كاهلها وهذا لشراء الأدوات المدرسية والألبسة للذهاب هو واخوته الى المدرسة ، قال لي لا تندهشي من عمري لان الفقر هو الذي أرغمني على اكتشاف عالم التجارة رغم صغر سنه. مضيفا في هذا السياق أن السبب الرئيسي الذي جعله إلى مزاولة هذا النشاط هو عدم وجود مدخول مالي للعائلة لان والده متوفي وأمه تعمل منظفة بأحد المدارس وراتبها الشهري لا يكفي لتغطية مصاريف إخوته الستة ولا نبتعد كثيرا عن هذه العجائن فالقطايف تعرف هي الأخرى إقبالا واسعا في الأسابيع الأولى من رمضان، ويقل عليها الطلب في الأيام الأخيرة حسب ما أكده لنا بعض الباعة لهذه المنتوجات مضيفين أن الجزائريين يأكلون بأعينهم فهم يشتهون كل شيء يرونه يباع ويشترون كل أنواع المحليات لتناولها في السهرة، ولكن بعد التعود على رمضان تصبح هذه الوجبات عادية، بل ويقل عليها الطلب، خاصة وان مخابز اليوم تتفنن في إعداد أنواع مختلفة من الحلويات الجزائرية والمشرقي الإسراف في الأكل والشرب في رمضان فبمجرد حلول الشهر الفضيل إلا أن هناك أغلبية من المواطنين يسارعون في الإسراف في كل شيء مذموم ومنهي عنه ، لا سيما في الطعام والشراب ، قال الله تعالى : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) الأعراف وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ لُقَيْمَات يُقِمْنَ صُلْبَهُ ، فَإِنْ كَانَ لا مَحَالَةَ ، فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ) رواه الترمذي (2380) وابن ماجه (3349) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي (1939) والإسراف في الطعام والشراب فيه مفاسد كثيرة أن الإنسان كلما تنعم بالطيبات في الدنيا قَلَّ نصيبه في الآخرة حيث نرى أن الأسواق تكتظ عن آخرها بالمتسوقين فالبعض يشتري كل شيء يرونه في حين أن هناك أناس لا يستطيعون توفير فطورهم العادي ولا يطلبون الصدقة من احد فهم يستحون من ذلك فعلينا في هذا الشهر الكريم أن نبحث عنهم وان نتقاسم معهم فطورنا لان هذا الشهر تكثر فيه الحسنات وتكفر فيه السيئات وهي فرصة عظيمة لا يمكن أن تمر علينا هكذا فهي فرصة لا تتعوض للتقرب لله عز وجل فأوله رحمة وأوسطه مغفرة وأخره عتق من النار لكن للأسف أن الإنسان ينشغل بذلك عن كثير من الطاعات ، كقراءة القرآن الكريم ، والتي ينبغي أن تكون هي الشغل الشاغل للمسلم في هذا الشهر الكريم ، كما كانت عادة السلف لتجد المرأة تقضي جزءاً كبيرا من النهار في إعداد الطعام ، وجزءً كبيرا من الليل في إعداد الحلويات والمشروبات واستقبال الضيوف كما أن الإنسان إذا أكل كثيراً أصابه الكسل ، ونام كثيرا ، فيضيع على نفسه الأوقات كما أن الأسواق تعرف حالة استنفار قصوى ويتهافت الناس على الشراء واقتناء مجموعة مواد كأن المجاعة وشيكة أو كان خرابا سيصيب البلاد والعياد بالله في حين أن المرء عليه التزود بالصبر و النية الصالحة في التكفير عن ذنوبه و غنم الحسنات والتقرب لله عز وجل.