الأعمال الخالدة هي التي تغوص في أعماق الهم الانساني، وفيلم " كرنفال في دشرة " هو أحد الأعمال التلفزيزنية الخالدة في الجزائر، فرغم مرور أكثر من عقدين على انتاجه، الا أن الصورة التي رسمها " مخلوف البومباردي " عن الرداءة التي تسير مؤسساتنا وادارتنا ومجالسنا المنتخبة، لا زالت قابلة للتسويق والحياة، ما دامت ذات الرداءة معششة في مؤسساتنا وحتى في عقولنا، ويشكل موعد الانتخابات المحلية القادمة محطة لافتة لتأكيد الرؤية التي قدمها محمد أوقاسي للجزائر في مرحلة معينة، وكان بالامكان أن يفقد العمل بريقه بالرغم من طابعه الساخر لو ان وضع الجزائر تغير الى الأحسن، لكن وأنه يسير من سيئ الى أسوأ فان " سي مخلوف " ليس وحده في هذه البلاد، وما اكثر " المخاليف " عندنا، والطرائف التي تتناقلها الألسن من هنا وهناك تدل على أن الميوعة هيمنت على كل شيئ. ولما يجري العاقل منا مقارنة بين رئيس بلدية نيويورك أو لندن او اسطمبول وبين رئيس بلدية " عين المكان " في الجزائر، يسقط صريعا أمام هول الصدمة، فأن تسير شبكة التطهير في لندن، أو شبكة الاضاءة الطرقية في نيويورك، أو النفايات في اسطمبول، هو في حد ذاته كمن يسير دولة من دول العالم الثالث، ولما تعلم أن رؤساء تلك البلديات ارتقوا الى مصاف رئيس الدولة، حينها تدرك حجم الفارق بيننا وبينهم الذي لا يقدر الا بالسرعة الضوئية.. كيف لا؟ و" المير " عندنا لا زال يعتبر نفسه موظفا في مصلحة من مصالح رئيس الدائرة أو والي الولاية، ومشروعه وطموحه لا يتعدى في احسن الأحوال حدود مكتب سكريتيرته، ولذلك فان رفع قمامة أو تطهير بالوعة أو غرس شجرة، أو ترميم رصيف، يشكل بالنسبة اليه تحديا كبيرا يتطلب الهرج والمرج والاجتماعات واللجان والصلاحيات والدرسات وما الى ذلك..!! ولعل الذي خفي على محمد أوقاسي في فيلم " كرنفال في دشرة "، أن صفات الكذب والنفاق والتزلف والأمية التي أسقطها على مسؤولي " الدشرة "، قد لحقتها صفات لم تكن على خاطر ولا على بال، ما دام البطالون و" الشومارة " والمترددون على أروقة المحاكم، والضالعون في نهب المال العام، هم من يتصارعون على كراسي البلديات كما تتصارع الذئاب على الفرائس، لأن فرصة الاسترزاق لا تتاح الا مرة واحدة في الخمس سنوات، والا بماذا تفسر حروب داحس الغبراء على مناصب لا تدفع الا ما يدفع لمناصب ما قبل التشغيل، وأتحدى أي كان أن يثبت لي عكس ذلك.