يظن الكثير من الأولياء أن الوسيلة الأنجع لكسب طاعة أبنائهم ،هي المعاملة بالقهر والتسلط والإكثار من الأوامر والتعليمات طوال الوقت، ما قد يدفع الطفل إلى إلغاء ذاته ، و التصرف على حسبهم ، غير أن ذلك سيجعل منه صاحب شخصية منقادة تنتظر دائماً أوامر الآخرين لتتحرّك، في وقت يمكن فيه تفادي هذه الأخطاء وتجنّب هذه النتائج السلبية ،عن طريق تربية سليمة منذ الصغر ، من شأنها نقل السلوكيات الإيجابية للوالدين إلى الطفل ، برفق وحنان و طريقة سويّة . زهية بوغليط : هي أخطاء اعتاد عليها المجتمع الجزائري في معاملتنا السيئة لأبنائها بطريقة غير صحيحة خلال نصحنا لهم ، حيث يلجأ الوالدان إلى معاملة أبنائهم بالتسلط و إملاء الأوامر ، وأحياناً يتصرّفان بصورة لا شعورية اتجاههم إلى حدّ العدوانية ، فيولّد ذلك ما يفكك الأسرة و يكون سببا لتشتت شملها و زرع الحقد و الكراهية بين الأبناء و الوالدين، حيث يتحدث خبراء علم نفس الطفل عن طريقة لتعليم الطفل الطاعة والسلوكيات الجيدة ، تعتمد على نقل القواعد السلوكية الحسنة و دفعه للسلوك الإيجابي، من خلال جمل قصيرة وإيجابية، تقتصر على طلب محدد وحيد، واستبدال الأوامر بالتذكير ،كأن تقول الأم لطفلها بلين " الألعاب مكانها الصندوق" ، بدلا من قول " أعد الألعاب إلى مكانها سريعا يا مهمل" ، ومن خلال هذا الأسلوب يتعلّم الطفل السلوك الجيد، ويبني شخصيته بنفسه في ذات الوقت، كما يمكن أن تشرح الأم الغرض من وراء طلبها لكي يقوم به عن علم و يتفاعل مع الوالدين في كل طلباتهم ، وإن اقتضى الأمر أن تساعده الأم على فعل ذلك فلتفعل بأسلوب التسلي ، وفي حال خروج الوالدين مع الطفل وخوفهم من تعلق الطفل بأكثر من لعبة أو أكلة ، فعليهم تحديد الأمر قبل الخروج كأن يقولوا "بإمكانك شراء لعبة واحدة " لا أن يلغوا كل الخيارات أمامه تماما. تقول رقية،27 سنة:"عانيت كثيرا في طفولتي و حتى في مرحلة مراهقتي من توبيخ والدي لي أثناء توجيهي خاصة في مجال الدراسة، و قد أثّر هذا الأمر على حياتي و كاد أن يحطّمني بسبب تراجعي في دراستي، إلا أنني فكّرت في الهروب من البيت مرة لولا ستر الله سبحانه و تعالى و تراجعي في آخر مرحلة"، و يعتقد بعض الأولياء أن إظهار القوة و التسلّط للأبناء أفضل وسيلة للتربية ، بحيث أظهرت التجارب و الدراسات العلمية في علم النفس أن استعمال أسلوب العنف على الأبناء يعود بالضرر الحتمي عليهم ، لاسيما من الناحية النفسية ،أين يشعر الطفل بالقهر و الظلم من أقرب الناس إليه و من هم أولى بحمايته . أخطاء يقع فيها الوالدان من بين الأخطاء التي قد يقع فيها الوالدان في تربية أبنائهم ،هو الحكم على تصرف الطفل دون سؤاله عن الدافع الذي يقف وراءه ، بل عليهم أن يسألوه ويتحاوروا معه ويتفهموا خياره ، ثم يسعون لإصلاح الأمر بعقلانية ، فقد يتشاجر الطفل و يعاقبه والداه مباشرة ، في حين قد يكون تعرّض لمضايقة أو احتقار، حيث يجب على الوالدين أن يتعاملوا بذكاء مع الطفل ، فمثلا إذا كسر شيئا عمدا عند منعه من القيام بأمر ما ، فلا يجب ضربه بل يقال له أنت فعلتها لأنك كنت غاضب ، و إلا فأنت حسن التربية، أو كأن يقول الأب "أنا تخاصمت مع صديق لي ، لهذا فسأتصل به وأعتذر منه" ، فبهذه الطريقة سيتعلم الطفل السلوك الإيجابي. كما أن أسلوب التهديد والرشاوي من أسوء الأساليب في التربية ، لأن في حال استخدام الوالدين لها لكسب الطاعة ، فسيتعود الطفل على التهديدات ولن يخافها مع الوقت، ولن تغره الرشاوي لأنه سيطلب دائما أكثر، هذا وتولي أهمية كبيرة للدعم الإيجابي ، فيمكن للوالدين أن يغرسوا حب الطاعة في الطفل عن طريق التشجيع والمكافأة ، و أولا وقبل كل شيء الحنان ، فهو أكثر ما يطلبه الطفل من أبويه. .. و سلوكات يورّثها القدوة السيئة لأبنائهم أصبحت الكلمات البذيئة من شتم و سب و غيرها عادة سيئة لدى بعض الأطفال ، بل أصبح أسلوبهم في الحياة و نمط معيشتهم، غير أن هذه الظاهرة تخطت الحدود و استحوذت على مجتمعنا ، لتصبح عادة تتوارثها الأجيال القادمة، و غالبا ما ترجع ظاهره الألفاظ السيئة لدى الأطفال إلى القدوة السيئة، وهى التي تقود الطفل إلى أن يتعوّد ترديد الألفاظ القبيحة، و لأن الطفل يتقمّص شخصية والديه، فإنه يتعود على استخدام أسلوبهما في الحياة إذا ما كانوا ينتهجون أسلوب الحدّة و العنف في حياتهم، تقول نورة، 28 سنة : " زوجي شديد القسوة مع أبنائه و لا يتأخر عن شتمهم في كل أوقات ، فأصبحوا بدورهم يستخدمون أسلوبه . سلوك الطفل يتقمصه من أسرته بالدرجة الأولى، هذا ما صرّح لنا به العربي، 46 سنة ، و هو أستاذ بالطور الابتدائي قائلا:" من خلال تجربتي في الحياة و خبرتي في مجال التعليم ، غالبا ما أوجه استدعاء لبعض لأولياء التلاميذ بسبب سلوكاتهم و سبّهم و شتمهم لزملائهم ، لأجد أن أوليائهم سبب مشكلتهم من خلال حديثي إليهم، فلا أجد نفسي إلا و أشعر بالشفقة على حال هؤلاء الأطفال ، كونهم ضحايا سلوكات خاطئة من أسرهم، و ليس لهم ذنب في تقمصهم تلك الشخصية المتدنية". يبقى الرفق والحنان الوسيلة الأمثل لكسب الوالدين طاعة واحترام أطفالهم ، خاصة في هذه المرحلة العمرية الصعبة ، التي يودُ الطفل فيها فعل ما يحلو له بحرية مطلقة ، دون إدراك للعواقب .