عرض أول أمس، بقاعة السينماتيك، الفيلم الطويل "فاطمة نسومر" لمخرجه بلقاسم حجاج بمبادرة من الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي، وذلك بعد مسيرة أربع سنوات من العمل، من بطولة ممثلة لبنانية وممثل مغربي، وبلغة أمازيغية عبّرت عن شخصية أهل المنطقة. وتنظم الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي عروض الأفلام الطويلة، فإلى جانب "فاطمة نسومر"، برمجت أيضا فيلم "تيتي" لخالد بركات، "البطلة" لشريف العقون بالتعاون مع المركز الوطني للسينما والمؤسسة الوطنية للتلفزيون. "فاطمة نسومر".. قصة كفاح أنثوي تعود كاميرا بلقاسم حجاج في "فاطمة نسومر" إلى نهاية العشرية الرابعة للقرن التاسع عشر، حيث كانت منطقة القبائل لا تزال تتميز بتمردها المعهود والمشهود لها على مر الزمن، بصفتها معقلا حقيقيا لكل الأصوات المنددة والمناهضة لتلك الأوضاع الجديدة التي فرضها المستعمر على البلد. في تلك الفترة كانت فرنسا تتأهب لغزو تلك المنطقة الإستراتيجية، فبدأت المقاومة تنتظم شيئا فشيئا، وفي هذا الجو المشحون بالقومية نشأت وترعرعت فاطمة، وسط عائلة من الأعيان المثقفة، بالإضافة إلى ارتباطها ارتباطا وثيقا بعقيدة دينية. "فاطمة" أدركت منذ صغرها أن شخصيتها المميزة لن تسمح لها أن تقبل بذلك النظام المفروض آنذاك على المرأة الريفية في القرن التاسع عشر، وقررت بعدها المسك بزمام أمرها بمفردها، إلى أن كان لها موعد مع قدر على مقاسها وفي الوقت المناسب تحركت عجلة التاريخ لصالحها ولتخدمها. على مدار ستة وتسعين دقيقة صور المخرج ببراعة لعشاق الفن السابع الحياة الريفية الحقيقية لأهل المنطقة بلمسة فنية محترفة، استطاعت أن تعيد بناء تلك الفترة بكل تفاصيلها وذلك في اللباس، الديكور، وحتى الجو العام فالمتلقي يغوص في الأحداث وينسى الزمن ليشعر أنه فعلا في تلك السنوات، بالاضافة إلى نوعية الصورة الجيدة والأداء المتميز للممثلين، خاصة الممثلة ليتيسيا عيدو التي أدت دور فاطمة، والممثل أسعد البواب الذي جسّد دور "شريف بوبغلة". "بوبغلة" بمساحة أكبر و"فاطمة" لم تمتطي حصانا إلا مرة واحدة لكن الفيلم وإن تميّز بالصوت والصورة والأداء المتميّز، إلا أنه لم يوفي الأحداث لصالح فاطمة نسومر، فالكاميرا كانت موجهة ل "شريف بوبغلة" الذي برز دوره بقوة، حتى يُخيّل للحظة أن الفيلم موسوم باسمه. من جهة أخرى لم نشهد فاطمة نسومر فوق حصان سوى مرة واحدة، في حين أن المعروف عن هذه الشخصية أنها فارسة شاركت في المقاومة، لكن التصوير حصرها داخل المنزل وأحيانا في الخارج، وأبرزها كشخصية متعبدة يتبرّك الناس بها، في حين أنه كان أقرب إلى شخصية "بوبغلة" التي كان يظهر أنها شخصية حركية ومحاربة. "فاطمة نسومر"، الناطق بالأمازيغية، قد خدمه استعمال اللغة الأصلية لسكان المنطقة آنذاك، بالإضافة إلى الملابس والحلي التي عُرف بها المكان، بالإضافة إلى المناطق الجميلة التي صوّرت فيها المشاهد. للإشارة فإن "فاطمة نسومر" من إنتاج الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي بدعم من وزارة الثقافة ووزارة المجاهدين، والمركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954 و"ماشاهو" للإنتاج. عرضه الأول كان ماي المنصرم يذكر أن "فاطمة نسومر" قد كان عرضه الأول شهر ماي المنصرم، حيث صرح آنذاك مخرج الفيلم بلقاسم حجاج، على هامش عرض الفيلم، أنه قد قضى مدة أربع سنوات في إنجازه بدون توقف، وذلك بين كتابة السيناريو والأبحاث التاريخية، مضيفا أن فريق العمل كان متعاونا بدرجة كبيرة، لا لشيء سوى أنه آمن بالمشروع. وأضاف حجاج، أن الأحداث التي تطرق لها الفيلم جسد فيها شخصيات معينة ومحددة فلم يكن مقدورا الإشارة إلى جميع الشخصيات التي كانت آنذاك. وقال المتحدث ذاته، أنه قد بذل جهدا كبيرا في التوازن بين شخصية "بوبغلة" التي وصفها بشخصية ميدانية، وشخصية فاطمة التي تميل إلى الهدوء والروحية، مبرزا أن قصة الحب بينهما لم تكتمل بسبب عدم إطلاق زوجها سراحها. وثمن المخرج مجهودات الممثلة الرئيسية ليتيسيا عيدو التي تعلمت نطق الأمازيغية من أجل الدور، وكذا محمد بن حمدوش الذي تكفل بالحوار الأمازيغي.