مع التطوّر الكبير في الاتصالات وثورة الإنترنت التي يشهدها العالم، ظهر في القرن الواحد والعشرين وتحديداً في عام 2004، واحد من أهم وأبرز الاختراعات في ذلك القرن، وربما في عالم الإنترنت، وهو مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديداً الموقع الأكبر والأشهر "الفايسبوك"، ومنذ ذلك الحين بدأ ينتشر مثل الوباء، حيث كانت بدايته في الولاياتالمتحدة ومنها صدر إلى جميع أنحاء العالم، وهو ما جعله أحد المؤثرات الرئيسية والموجهة للسلوك العام، بل امتدّ دوره وتأثيره إلى السياسة وصنع القرار، فانطلقت منه ثورات الربيع العربي لتسقط أنظمة قوية راسخة في المنطقة؛ ما جعله يتحوّل من مجرد موقع تواصل اجتماعي إلى أداة وسلاح يمكن من خلاله فعل الكثير. يُقدّر مستخدمو "الفايسبوك" حول العالم بحوالي مليون وثلاثمائة مستخدم نشط شهرياً بحسب آخر الإحصائيات، يتركّز معظمهم في الولاياتالمتحدة وأوروبا، ويوجد منهم في الوطن العربي 200 مليون مستخدم. ورغم أن الهدف الرئيسي للفايسبوك في البداية كان جمع الناس معاً من أجل التواصل، أصبح له الكثير من الآثار السلبية على المجتمعات سواء بقصد أو بغير قصد، وذلك بعدما اكتسب الكثير من شعبيته، وأصبح يؤثّر سلبياً على الإنتاجية والحياة الاجتماعية والسياسية. ويشير متخصصون إلى أنه من أبرز التأثيرات السلبية للفايسبوك، أنه ينسج خيوطه حول عقل المستخدم ويسيّطر على كل حواسه وشعوره وسلوكياته، في عالم افتراضي بمعزل عن العالم الحقيقي وحقيقية النفس، وإهدار الطاقات والوقت والجهد، بخلاف كل ما يعانيه الشخص من صراع نفسي ليبقى الأفضل والأكثر حصولاً على إعجاب وعدد أصدقاء بين أقرانه. كذلك فإن الفايسبوك يدمر مهارات الاتصال لدى الشخص، فبسبب وسائل التواصل الاجتماعي التي من المفترض أن تساعد على التواصل، أدت إلى فقدان التواصل الحقيقي، وبالتالي يصبح لدينا صعوبات في التواصل الفعّال؛ ما يؤثّر سلباً على العلاقات الإنسانية، والتي تُعتبر مهمة للصحة النفسية للشخص، كما له تأثيره المدمر على المهارات الإبداعية، كونه يعطّل قدرات العقل على الابتكار والإبداع، بالحصول على ما هو متاح وتقليدي من أجل الإعجاب، وزيادة "اللايكات"، بل إنه أحياناً يصنع نجاحاً وهمياً بكثرة الإعجاب والثناء. وأكدت الدراسات أن الفايسبوك من أكثر الوسائل التي تهدر الوقت، فالكثير لا يشعر بالوقت الذي استهلكه في مشاهدة أحداث حياة الآخرين أو مشاركتهم، وهو ما جعل الأمر يتحوّل إلى مرض نفسي، فقد يظن الشخص أن الوقت الذي يقضيه على الفايسبوك هو وقت الفراغ، على الرغم من أنه يمكن أن يستفاد منه في أشياء تعود بالنفع مثل تعلّم شيء جديد أو القيام بالمهام اليومية. هدر الوقت والافتراضيات فقط كما أن العالم الافتراضي الذي يصنعه الفايسبوك يجعل الفرد يتعامل مع أشخاص وحياة غير حقيقية وعديمة الفائدة، من خلال المشاركة في مناقشات وجدال لا يعني الشخص في شيء، وهو ما يهدر الوقت والطاقات، ودوماً ما يجعلك تشعر بالضغط في نواحي التعامل مع الآخرين؛ مما ينعكس على الأداء الإنتاجي وأسلوب الحياة. يوفر الفيسبوك قدراً هائلاً من المعلومات سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، من خلال تشاركها بين مستخدميها، والتي وصلت معدلاتها إلى مئات الأخبار والمعلومات في الثانية الواحدة، والتي تواجه مشكلة المصداقية وصحة المعلومة والخبر، لان أن المستخدم يقوم بمشاركتها إذا وافقت هواه واتجاهاته دون التأكد من صحتها، وهو ما يزيد من معدلات الشائعات والأخبار الكاذبة، ما جعل الفيس واجهة ومقصداً لأجهزة المخابرات المختلفة، لفعل ما تريده بعقول الشباب. ويوضح علماء النفس، أن الفايسبوك يصيب بالإحباط، حيث إنه ومع ظهوره زادت نسبة الإصابة بالاضطرابات النفسية، من خلال الشعور بعدم الرضا عن الوضع الحالي بكل جوانبه، من خلال مشاهدة أوضاع وأسلوب حياة المستوى المعيشي للآخرين وفي جميع أنحاء العالم؛ مما يجعل الفرد ساخطاً على وضعه ورافضاً لحياته وربما لأسرته. وتُعتبر اقتحام خصوصيات مستخدميه من أكبر المشاكل التي يسبّبها الفايسبوك، فهو لا يضع له حدوداً أو التزاماً بضوابط مع معلومات وخصوصيات مشتركيه، ولا يعطي أيّ اعتبار لحياتهم الخاصة، وينظر إليها على أنها ملكه ويستطيع الاطلاع عليها بل وتوجيهها كيفما يشاء. وفي دراسة أجراها موقع الفايسبوك على حوالي سبعمائة ألف من مستخدميه عبر أسبوع كامل، كشفت نتائجها عن حدوث "عدوى" بين المستخدمين في المشاعر الإيجابية والسلبية؛ ما يعني أن الشعور والاتجاهات والمواقف تعتمد إلى حد كبير على ما تراه وتتابعه من منشورات على الفايسبوك. وقامت الدراسة على التلاعب بنوع المنشورات التي تظهر على الصفحات الشخصية للمستخدمين، لتقلل مرة عدد المنشورات ذات المحتوى الإيجابي، وتزيد مرة أخرى عدد المنشورات السلبية بشكل ملحوظ، وهو ما أظهر أن مستخدمي الفايسبوك يتميّزون بنوع من "العدوى العاطفية"، التي تجعلهم يتضامنون أكثر مع المنشورات التي تحمل رسائل سلبية وينشرون محتواها، وما يساعد على انتشار الطاقة السلبية التي تمثّل خطورة على الصحة النفسية والاجتماعية. ولعل ما أكدته تلك الدراسة هو إمكانية تلاعب "الفايسبوك" بمشاعر مستخدميه وميولهم وأفكارهم في المستقبل لأغراض معيّنة، وهو ما يزيد من خطورته ويجعله سلاحاً ذا حدين.