لم تعد شبكات التواصل الاجتماعي، خصوصا الفايسبوك وتويتر، فضاء للتعبير عن الرأي والتواصل مع الأصدقاء والأهل، بل أصبحت نسيجا عنكبوتيا إلكترونيا تنشأ فيه علاقات عاطفية افتراضية تنتهي بالزواج، فيما تعرف أخرى مسارا مأساويا. مع انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، لم تعد لقاءات التعارف بين شخصين تجري بالضرورة في ظروف تقليدية كالأعراس والمآتم، فقد دخلت التكنولوجيا بقوة على الخط لتقلب الكثير من المقاييس المتعارف عليها. فالتعارف عبر الإنترنت ثم الارتباط الجدي المؤدي إلى الزواج تحوّل إلى شبه ظاهرة متبعة من قبل كثيرين. والمثير أن هذا النوع من الزواج يحقق نسبة نجاح أكبر من ذلك الذي يتم بطريقة تقليدية حسب ما تشير إليه دراسات خاصة حول الموضوع. نذكر منها دراسة أمريكية جرت في جامعة شيكاغو، تفيد بأن الأشخاص المتزوجين بعد تعارفهم من خلال الإنترنت أكثر سعادة من غيرهم، كما أن نسبة الطلاق لديهم تبلغ 5.7 بالمائة مقابل 7.6 بالمائة بين المتزوجين زواجا بالطريقة التقليدية. وشمل الاستطلاع ما يزيد على 19 ألف شخص في الولاياتالمتحدة تزوجوا بين العامين 2005 و2012 بسبب أن الزيجات كانت كلها جديدة، فإن معدل الطلاق كان 5% والانفصال 2.5%. ووجد العلماء أن ما يزيد عن ثلث الذين شملتهم الدراسة التقوا بأزواجهم عبر الإنترنت، وأن 45% منهم التقوا بهم عبر مواقع التعارف الإلكترونية، مقابل 21% التقوا عبر شبكات التواصل الاجتماعي مثل “الفايس بوك”. “الفايسبوك” جمعنا قصة الشاب كريم، المنحدر من ولاية سوق أهراس، مع فارسة أحلامه بدأت من الفايسبوك، حيث روى ل”الخبر” مغامرته قائلا “كنت أنشر تعليقات في أحد المواقع الاجتماعية وأطرح مواضيع ونكت، وكانت فتاة تختبئ وراء اسم مستعار، ترد على تعليقاتي بالإعجاب، لتتطور العلاقة من خلال الدردشة في الحساب الخاص، بعد أن أرسلت لها طلب صداقة وأصبحنا نتحدث يومياً”. وتابع محدثنا:” بدأت أتعلق بالفتاة وكنت أفيض لها بكل ما لديّ من أسرار وكذا بكل يومياتي، وكنا نتحدث حتى الفجر، إلى أن خرجت العلاقة من الفضاء الافتراضي لتصبح واقعية، بعد أن طلبت منها رقم الهاتف، لتتوج العلاقة بالزواج”. بنت الشاوية تخطف أحمد المستغانمي لم يكن أحمد يعلم أن القدر سيسوقه إلى الارتباط الأبدي بفتاة من شرق البلاد بواسطة وسيله التواصل الاجتماعي الفايسبوك وهو من عائلة محافظة ترفض الزواج إلا من نفس منطقته. تعود قصة أحمد، إلى صائفة 2011 عندما تلقى على حسابه الشخصي للفايسبوك طلب صداقة من فتاة أطلقت على نفسها بنت الشاوية، فقبل هذه الصداقة رغم إحساسه أن هذه الاسم الذي يرمز لجهة معينة لا تكون صاحبته ذات شأن. ومما زاد في غضبه أنها كانت تنتقد في تعليقاتها كل تدخّل منه في الفايسبوك إلى درجة أنه يسرع في كل مشاركة في حوار إلى تفقّد آراء بنت الشاوية . ولما كثر انتقادها له، قرر أن يتصل بها، حيث عرف أنها فتاة ذات عقل راجح وأن تدخلاتها كانت صائبة كما بيّنت له أخطاءها، ومن هنا أصبحت علاقته بها تزداد تقاربا واحتراما، لكن اهتمام عناصر أخرى بتدخلات بنت الشاوية وشعوره بالغير عجّل في طلب يدها وكانت الموافقة سريعا وبذل جهد كبيرا لإقناع عائلته التي قاطعته ورفضت حتى الذهاب لخطبتها بمدينة سطيف وتطوّع عمه بالمهمة وتم الزواج في جو من الغضب. لكن أحمد آمن بحبه لكريمة وهو اسمها الحقيقي، وقاوم كل العراقيل التي وضعت في طريق الارتباط بها، لكن كريمة تفاجأت أن أحمد لم يخبرها بأنه بطال ويملك شهادة ابتدائي رغم أنها تحوز على شهادة ليسانس في الحقوق. وأمام هذا الإشكال، قررت كريمة أن تقتحم عالم الشغل وهي تعمل حاليا في البلدية بصيغة عقود ما قبل التشغيل ولها ابن زاد من رباط الزوجية وتأمل أن تجد عملا قارا يؤمّن مستقبل عائلتها الصغيرة. نشير أن عائلة أحمد غيّرت نظرتها لكريمة بعدما اكتشفوا خلقها الكريم وطيب معدنها . من دردشة إلى زواج فاعتناق للإسلام ومن بين الحالات التي وقفت عليها “الخبر”، تلك القصة التي جمعت شابا فرنسيا مع شابة سطايفية مباشرة عبر صفحات الانترنت والدردشة، فقد كان يوم السبت 9 جوان 2012 يوما استثنائيا بكل المعايير، بالنسبة للفرنسي جيريمي البالغ من العمر 26 سنة، حيث حطت به الطائرة بمطار العاصمة قادما من مدينة بات كارلي التابعة لمقاطعة ليل الفرنسية، رحلة جيريمي جاءت لاكتشاف حقيقة الكثير من القصص التي روتها له ‘'منال'' عبر غرف الدردشة بالأنترنت. يروي جيريمي في حديثه ل''الخبر'' بحسرة، كيف كان مدمنا على الخمر والسجائر، وكان محبطا للغاية. وصادف دخوله للانترنت تواجد الشابة ‘'منال'' التي راحت تنصحه في كل مرة بترك المنكرات، في مقابل توضيحها لنكران العقيدة الإسلامية لكل ما يفعله وتمكنت من نسج علاقة احترام متبادل بينهما، أساسها النقاش في الكثير من الأمور خاصة الدينية منها، عرضت منال عليه فكرة الدخول إلى الإسلام، فوافق دون تردد وقرر زيارتها التي كانت سببا في راحته النفسية. استقبله والد الفتاة في المطار وتوجّه به إلى منزل العائلة، حيث لقي الترحاب الكبير، حيث قرر أن يرتبط بالفتاة بعد أن يشهر إسلامه. توجّه عمي بوعلام والد منال إلى نظارة الشؤون الدينية وعرض عليهم الأمر، وتمت مباشرة إجراءات اعتناق الإسلام، ثم عقد قرانه على الفتاة بمسجد السبطين بحي المستقبل، ثم أقيم عرس كبير احتفالا باعتناق عبد الكريم الإسلام وزواجه من ابنة بوعلام. وعن رأي والديه في الموضوع، قال عبد الكريم ‘'والداي مسيحيان متدينان، غير أنهما وقفا بجانبي عندما لاحظا الفرق بين حياتي الأولى وبين الثانية، وأكدا لي بأن المهم أن يكون سعيدا وفقط“. زواج الفايسبوك يغزو مناطق الجنوب والزواج عن طريق الفايسبوك غزا مجتمع مناطق الجنوب وحتى بعض المداشر بسبب الثورة الاتصالية التي أرغمت الجميع على الدخول في مسارها بحلوها ومرها. وحسب بعض الشهادات ل”الخبر”، فإن هناك أسباب عدة جعلت مثل هؤلاء يلجؤون لمثل هذه الزيجات، منها تعمّق الصداقة بين الطرفين وتحوّلها الى حب جامح، على غرار الشاب “إلياس نصرات” ذي 25 سنة من حي المصاعبة والذي تزوّج في بداية الصيف من شابة من جنسية أوكرانية أسلمت على يديه وتفوقه بضع سنوات. يصرح ل”الخبر” بأنه تعرّف في البداية على أمها عن طريق الفايسبوك والسكايب، حيث كان يتحدث إليها بما يعرفه من اللغة الانجليزية، ثم لم تفتأ الأم أن قدمته إلى ابنتها التي تعلقت به وبادلها نفس المشاعر في عزّ الأزمة الأوكرانية التي تشهدها بلادها، حيث جاءت من أجله إلى الوادي وأشهرت إسلامها في أحد المساجد المعروفة والذي شهد أيضا عقد قرانهما. ويعتزم الشاب إلياس إنشاء مشروع تجاري في أوكرانيا مع زوجته، ثم يدخلان نشاطهما مع بعض إلى الجزائر في وقت لاحق للاستقرار فيها نهائيا. الشاب الوسيم والاحتيال لكن في علاقات الزواج عبر مواقع التواصل الاجتماعي قصص مأساوية أيضا، وهو ما ينطبق على شابة من العاصمة وجدت صورة شاب وسيم على “الفايسبوك” أرسلت إليه طلب صداقة، وبعد أن قبلها دخلت معه في علاقة غرامية استمرت ثلاث سنوات، لتتطور وراحت تمنحه مجوهراتها في كل مرة، ظنا منها أنها تساعده ماديا للزواج بها، لكن الشاب الوسيم اقترن بأخرى في اليوم الذي كانت تنتظره غريمته “الافتراضية” أن يتقدم لخطبتها، مما جعلها تعيش حالة نفسية حرجة.
رئيس قسم علم الإجتماع بجامعة سطيف الدكتور نويصر بلقاسم “زواج الانترنت ناجح “ يرى الدكتور نويصر بلقاسم، رئيس قسم علم الاجتماع بجامعة الهضاب، أن ظاهرة الزواج الإلكتروني هي نتاج طبيعي للتطور الحاصل في مجال الاتصالات، وأكد في حديث خص به “الخبر” أن الأنترنت أضحى ظاهرة اجتماعية جديدة. وأضاف الدكتور نويصر، بأن هذا الفضاء المرقّم فتح أبواب الحريات الفردية على مصرعيه، وبالتالي فبنية العلاقات الاجتماعية الجديدة لا تعني بأي حال من الأحوال الاستغناء عن العادات والتقاليد على حساب المنظومة الافتراضية الجديدة، بل هناك العديد من النماذج والحالات التي تؤكد بأن هناك تعايشا نسبيا بينهما، لذا لا يمكن لوم الشباب على دخوله هذا العالم الاقتراضي للبحث عن الشريك الآخر، بل يجب أن تحاط هذه المنظومة الجديدة بدوائر من القيم الدينية والعادات والتقاليد من أجل تقنينها، خاصة وأن هذه العلاقات الجدية تنتهي بزواج مثل باقي الزيجات، وهو زواج ناجح مقارنة بالزيجات التي تكون من وراء جلسات صالونات الحلاقة والحمامات والأعراس والمقاهي، لذا فالقضية أساسا هي قضية ثقافة ومسايرة وتوعية .
نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين بن يونس آيت سالم “لا حرج من زواج الانترنت إذا استوفى الشروط” قال نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين، أن الدين الإسلامي أكرم المرأة واعتبرها جوهرة، لذلك أحاطها بسياج، ليس لتقييدها وحرمانها، بل ليكون حاضنا وواقيا لها من براثين بعض الرجال الذين يستعلمون هذه المواقع كأدوات لاصطياد ضحاياهم. وبالنسبة لمن انتهت علاقاتهم الإلكترونية بالزواج، قال المتحدث أنه لا حرج في ذلك في حالة ما إذا تم القران وفق الشروط الشرعية والقانونية.
مدير المركز العربي لدراسات الفضاء الالكتروني، عادل عبد الصادق ل “الخبر” “المشاعر عبر الانترنت يضعف العلاقة” قال الخبير في دراسات الفضاء الالكتروني، عادل عبد الصادق، في اتصال ب “الخبر”، أمس، إن “مواقع التواصل الاجتماعي سهّلت على الكثيرين عقد علاقات عاطفية، نظرا لخاصية السرية والبعد عن أعين الأسرة التي تطبع هذه المواقع. وربط المتحدث نجاح العلاقة العاطفية عبر الانترنت بقدرة الطرفين وقابليتهما على نقلها من الفضاء الافتراضي إلى الواقع، مشيرا إلى أن طول العلاقة عبر الانترنت يبعث على الملل، ومن ثم يمكن أن تفشل العلاقة. ولفت الخبير أن العلاقات العاطفية التي كانت بوابتها الأهل هي الأكثر تماسكا واستقرارا، مشيرا إلى أن الاستمرار في نقل المشاعر عبر الانترنت يضعف العلاقة. وأوضح المتحدث أن درجة قبول الأسرة الزواج عبر الانترنت، تختلف من مجتمع إلى آخر، مشيرا إلى أنه يتوجّب على الطريفين احترام قيم المجتمع الذي ينتميان إليه.
الناشطة في حقوق المرأة سمية صالحي “علاقات الفايسبوك قد تتحول إلى قصص محزنة” ❊ نصحت الناشطة في حقوق المرأة، سمية صالحي،الأشخاص الذين ينسجون علاقات غرامية عبر الانترنت، بإخراجها إلى الواقع الحقيقي وتحويلها إلى اتصال شخصي رسمي، مشيرة إلى أن الإدمان على الاتصال الالكتروني من شأنه إحداث صدمة نفسية في حالة الانفصال المفاجئ، خاصة عند المراهقين. كما أشارت المتحدثة، أن خصائص شبكة الانترنت تسمح للمبحرين على إخفاء هوياتهم الحقيقية وتقمص شخصيات أخرى، موضحة أن الكثير من العلاقات تحيد عن مسارها الحميمي والعاطفي للتحول إلى قصص محزنة، بل قد تترجم في شكل جريمة نصب واحتيال مثلا.