ما يزال مقترح وزارة التربية، بخصوص إدراج العامية في المقرر الدراسي، يطرح الكثير من الجدل في الساحة، بين رافض للفكرة من أصلها، ومنتقد لها، وبين من يرى أن الفكرة التي أطلقتها وزيرة التربية الوطنية، لا تعدو أن تكون مجرد " بالون اختبار" بدلالات سياسية، يراد من خلاله استرجاع الثقة الضائعة بين الحاكم والمحكوم، كما تبين ذلك تصريحات جمعتها الجزائر الجديدة في هذا الملف. حركت التوصيات التي خلصت إليها الندوة الوطنية حول تقييم المنظومة التربوية، جميع النخب والشخصيات والطبقات السياسية في الجزائر بين مؤيد ومعارض، فمن جهة تتوالى ردود فعل الأحزاب السياسية، خاصة الإسلامية منها، منددة بخرق الدستور واتهام الوزيرة بمحاولة تشتيت الوطن وإثارة الصراع الإيديولوجي، في وقت فضل أهل الإختصاص "خاصة نقابات التربية"، تجاهل الموضوع، معتبرين إياه موضوعا ليس ذا أولوية ولا يمكن الخوض فيه والإنشغال به عن القضايا المصيرية التي يتخبط فيها القطاع. نعمان لعور: أولادنا لا يعانون مشكل مع الفصحى أبدى النائب والقيادي بحركة مجتمع السلم نعمان لعور، رفضه المطلق لمقترح إدراج العامية في المنهاج التربوي، وقال في تصريح للجزائر الجديدة، إن قضية التربية في الجزائر لا علاقة لها باللغة الفصحى أوالعامية، بل مشكل الأخلاق والتربية التي اندثرت في المدارس، حتى أفقدت المنظومة التربوية قيمتها ومصداقيتها، وفي الوقت الذي تتحقق دول العالم مختلف الإنجازات العلمية، لا تستطيع جامعات الجزائر أن تجد لها ترتيبا حتى في قائمة الدول الإفريقية المتخلفة، والفقيرة مقارنة بالجزائر، وتسائل لعور" لماذا نقدس اللغات الأجنبية في القسم ونمنع دمجها بالعربية، ونهين العربية وندوس عليها؟". وأضاف المتحدث متسائلا، من قال لبن غبريط، إن أولادنا لا يفهمون العربية الفصحى؟"، واستدل ببرامج الرسوم المتحركة التي تعرض على مختلف القنوات التلفزيونية، والتي تعد أولى البرامج التي يتفرج عليها الأطفال وهي تعرض باللغة العربية الفصحى. وحول التدريس بالعامية، قال النائب عن حركة مجتمع السلم، ليس هناك دولة في العالم تدرس بلهجاتها المحلية، فمثلا بريطانيا يتكلم قاطنوها 33 لغة محلية وحوالي 80 لهجة، ولكن التدريس في المدارس يتم باللغة الأم الإنجليزية، وفرنسا يتكلم سكانها 40 لهجة محلية لكن التدريس يتم باللغة الأم الفرنسية، وذهب المتحدث إلى أن الموضوع لا يتعلق باللغة في حد ذاتها وإنما هو موضوع سياسي له أهداف على المدى البعيد يقصد منها تفتيت كيان المجتمع، وهي قضية إيديولوجية وليست بيداخوجية. وقال النائب لعور، في حال وافقنا الوزيرة في "طرحها العبقري"، فأي عامية سندرس بها وكم كتابا بالعامية ستضع وزارة التربية"، خاصة وأن الجزائر معروفة بتعدد لهجاتها العامية من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب مرورا بالوسط. وأوضح أن المشكل الذي يطرحه أهل الإختصاص، أكبر من مشكل اللغة الذي تتحدث عنه لجنة بن غبريط، وتتطلب إصلاحات في العمق، مشيرا إلى أن لا أحد ضد مصلحة أبنائه، خاصة إذا تعلق الأمر بتعلم اللغات الأجنبية وإكتساب المهارات والمعرفة التي تسمح لهم بالتواصل مع العالم وتحقيق الإنجازات ولكن ليس على حساب اللغة الأم التي ليست السبب الرئيسي في تخلف المدرسة الجزائرية. سعيد بوحجة: لا ينبغي لفرد أن يقرر في رصيد قرون رغم أن المكلف بالإعلام والإتصال السابق لجبهة التحرير الوطني، بدا متحفظا في رده عن سؤال "الجزائر الجديدة"، بخصوص الجدل المتواصل حول العامية واللغة العربية، إلا أن إجابته حملت رفضا قاطعا للمقترح، وقال بوحجة "اللغة العربية لغتنا الأم، التي تمسكنا بها تاريخيا خلال كفاحنا المسلح، كما أن المدرسة الجزائرية العريقة أنجبت علماء ذاع صيتهم عبر العالم"، وفي الموضوع قال ، إن الوزيرة قدمت تجربة نظرية كسائر التجارب ومن الممكن أن تنجح أوتفشل، وهو مقترح لن يخرجنا من النفق المظلم الذي تعفنت فيه المدرسة الجزائرية وإنما وضع القطاع في مدخل النفق. وقال بوحجة، إن جبهة التحرير الوطني، تتشبث بقرارات المؤتمر وما تعلق باللغة العربية، مضيفا أن 22 بلدا عربيا، يتكلمون لهجات محلية مختلفة، غير أن اللغة العربية الأم تجمعهم جميعا. سياسيا، يرى بوحجة أن الفرد في الجزائر لا يمكن له أن يحل محل المؤسسات التاريخية للدولة، والمشروع الوطني يجب أن يكون مشروعا جامعا لأهل الإختصاص والخبراء، والعربية هي ميراث ورصيد قرون وليست رصيد يوم واحد، ولا ينبغي للقضايا المتعلقة بالثوابت والقيم أن تخضع للصراع داخل قطاع واحد، وأشار إلى أنه ما كان أن يتفرج العالم على هذا الصراع. خالد أحمد: تطبيق المقترح يتطلب الملايير و30 سنة من العمل والتكوين على عكس التحليلات السياسية التي طبعت مواقف الأحزاب والجمعيات، قال رئيس جمعيات أولياء التلاميذ، إن المكتب الوطني للجمعية الوطنية لأولياء التلاميذ في اجتماعها الأخير "السبت الفارط" لم تتطرق أصلا للموضوع، الذي لا يرى فيه موضوعا ذو أهمية، يستحق كل هذا اللغط والجدل الإعلامي والمواقف السياسية. وأوضح المتحدث، أن الوزيرة لم تأت بأي جديد ولا بمعجزة، كون اللغة العامية مستعملة في التدريس منذ الإستقلال، ومن السنة الأولى إلى غاية الجامعة، ثم إن الوزيرة عبرت علنا عن توصية من توصيات المنظمة العالمية للفنون والثقافة والتربية والتي تنص على استعمال اللغة الأم في التدريس، واللغة الأم واسعة وتشمل اللهجات المحلية، مضيفا أن المقترح هو توصية من توصيات الندوة الوطنية لإصلاح المنظومة التربوية. ويرى المتحدث، أن الوزيرة لا تتدخل في عمل الورشات التي هي ضمن عمل المختصين والشركاء الاجتماعيين والنقابات، وبرر للوزيرة نورية بن غبريط أنها لم تستعمل أي وسيلة ضغط لفرض المقترح على اللجان العشر التي شكلت منظومة الإصلاح. وذهب أحمد خالد لتفسير القصد من المقترح وقال" يجب أن نفرق بين التدريس بالعامية وتدريس العامية"، وقال إن هذا الأخير يتطلب 25 سنة، أو30 سنة من العمل لإخراج الكتب المدرسية وتكوين الأساتذة والبحث عن الرموز والأبجدية التي تكتب وتقرأ بها، والعمل يحتاج لجهد كبير، أما سياسيا فيرى أحمد خالد أن أطرافا معينة أثارت هذا الموضوع في هذا الوقت لإثارة الرأي العام وإشغاله عن مختلف المشاكل الاجتماعية التي تتخبط فيها عدة قطاعات. سنابست: لا ينبغي لهذا الموضوع أن يشغلنا عن القضايا المصيرية من جهته، مسعود بوديبة المكلف بالإعلام بنقابة المجلس الوطني لأساتذة التعليم الثانوي والتقني "سنابست"، قال إن الإتفاق كان يتضمن الإنتهاء من تقييم المرحلة الثانوية ثم التطرق لمنظومة الإصلاح التربوي، وتساءل عن سبب إثارة هذا الموضوع في هذا الوقت بالذات، مشيرا إلى إلتفاف القائمين على القطاع عن قضايا أهم، وأضاف أن الإشكالية التي تعيشها المدرسة الجزائرية لا تتعلق باللغة وليست أمرا مطروحا في قطاع التربية، ولم يصدر كتوصية في الندوة وإنما جاء كمقترح من بين عدة مقترحات وتساءل عن الدافع وراء التركيز على هذا المقترح. أحمد عظيمي : بوتفليقة سيضحي ببن غبريط لاستعادة ثقة الشعب قال الناطق الرسمي باسم حزب " طلائع الحريات" الدكتور أحمد عظيمي، إن الضجة التي أثارتها قضية إدراج " العامية " في التعليم، هي مجرد عملية تلهية للشعب "المغلوب على أمره " مضيفا أن السلطة تقضي حاليا صيفا هادئا بسبب انشغال الشعب بقضية بن غبريط وتصريحاتها المتتالية. وقال عظيمي في تعليقه الذي نشر على صفحته عبر موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"، إن السلطة "نجحت من خلال إثارة هذه القضية، في تحقيق عدة أهداف"، لخصها المتحدث، في إحياء الصراع القديم بين المعربين والمفرنسين، وكذلك بين الرافضين والداعين إلى إدخال الأمازيغية إلى المدرسة، وإضعاف صف المعارضة التي التقت بزرالدة بكل أطيافها وانتماءاتها وتوجهاتها، واستعادة ثقة الشعب في الرئيس بوتفليقة الذي "سيتدخل في آخر المطاف للتضحية بالوزيرة بن غبريط وتعويضها بآخر" وقال عظيمي إن الشعب لا يعلم أن الوزير ليس هومن يقرر وبالتالي فالوزيرة بن غبريط هي مجرد آلة استعملت، ولما ينتهي دورها سيلقى بها كما حدث لغيرها ". وأضاف عظيمي في نهاية تعليقه، يقول إنه سبق أن قال إن السلطة هي سلطة شيطانية استطاعت أن تخلق قضية رأي عام الهت الشعب عن كل ما يحيط به من مشاكل ونقائص. اقتراح "الدارجة" بالطور الابتدائي يقابل برفض الطبقة المثقفة له إدراج العامية أو ما يصطلح عليه ب"الدارجة"، في الطور الابتدائي بدلا من اللغة العربية الفصحى، هواقتراح خرجت به مؤخرا وزارة التربية الوطنية، وأثير حوله جدل كبير، وأسال الكثير من الحبر في الوسط الإعلامي وعبر مواقع التواصل أيضا. يقول الدكتور علاوة العايب أستاذ القانون الدولي بكلية الحقوق بجامعة الجزائر، إن اعتماد العامية بدل اللغة الفصحى بالمدرسة الابتدائية، لا يزال لحد الساعة "مجرد اقتراح"، لأن وزارة التربية لم تعلن بعد عن نيتها الحقيقية بالتدريس بالعامية، وإن كانت هناك دلائل ومؤشرات توحي بذلك، فهو يؤكد رفضه التام لهذه الفكرة. ويواصل المتحدث يقول "أنا كرجل قانون، أرى أن الأمر غير مقبول بتاتا، فالدستور الجزائري ينص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية، ويكفينا أن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم، وهي الوسيلة الوحيدة التي تجمعنا، وإذا فكرنا في تفعيل المقترح، علينا أن نبحث بأي عامية سندرس أبناءنا، فلهجاتنا تختلف من منطقة لأخرى. من جانبه، يرى الشاعر ومدير تحرير الجريدة الالكترونية "أصوات الشمال" رابح بلطرش، أن اقتراح العامية عوض العربية الفصحى، خطأ كبير، بإعتبار أن للجزائريين أكثر من لهجة، حتى القرية الواحدة بها عدة لهجات، متسائلا بأي عامية يدرس معلم من ورقلة إذا تم تعينه بسوق أهراس، أو بتيزي وزو. ويضيف رابح بلطرش قائلا:" إذا اعتمد كل واحد منا على لهجته الخاصة، سنصبح بعد سنوات نتحدث فقط بالإشارة، لأن اللغة هي الجامع وهي التي توحد الأمة، كما أن اللغة العربية تعتمد على بناء أفكار، عكس الدارجة التي تعد مجرد كلمات موروثة، نرددها دون تفكير على شفاهنا". فيما يرى الدكتور عبد الحميد بورايو، أستاذ جامعي مختص في الموروث الشعبي، أنه لا حرج من إدراج الدارجة في التعليم، شريطة اقترانها بالفصحى، معتبرا أن العامية العربية لها علاقة وطيدة بالعربية الفصحى، ولذلك وجب مراعاة تلك العلاقة الكامنة بينهما، من خلال طرح دراسة مستقلة وعميقة للموضوع. أعد الملف: سارة بن عيشة/ ش. مزياني/ مليكة .ب