04 إرهابيين يسلمون أنفسهم وأسلحتهم    المصادقة على مشروع قانون اختصاصات محكمة التنازع    استخراج شهادة الجنسية ببطاقة التعريف أو جواز السفر    مشروع توسعة مصنع "فيات" بوهران بلغ 70 %    عقد اجتماعا لمناقشة واستعراض المستجدات الوطنية والدولية    الجبهة المغربية لدعم فلسطين تجدد رفضها للحملة المخزنية    استدعاء مدافع نادي غانغون الفرنسي،ناير،للتربص    باتنة : الدرك الوطني بعين التوتة إحباط تمرير 600 غرام من المخدرات    باتنة : الدرك الوطني بفسديس توقيف مشتبه فيه في قضية سرقة المواشي    هل الشعر ديوان العرب..؟!    أول رحلة للحجاج في 10 ماي المقبل    جنرال فرنسي أمر بتعميم التعذيب على الجزائريين    اليمن.. حرب جديدة على قائمة ترامب    ترامب: ظاهرة صوتية فردية... أم تعبير عن أزمة عميقة؟    نحو رفع مساحة المحيطات الفلاحية المسقية    الشباب والاتحاد يتعادلان    آفاق جديدة لتصدير الكهرباء    هذه تعليمات سعيود..    حوادث المرور تتفاقم خلال رمضان    صلاة التراويح.. أبعاد روحية واجتماعية    الشرطة تواصل حملاتها    الدولة حريصة على ترقية تعليم الرياضيات    الشيخ عبد القادر الجيلاني.. أحد أشهر الأئمة الأقطاب    جاهد لسانك بهذا الدعاء في رمضان    ضرورة وضع استراتيجية مناسبة لحماية القصّر    هذا موعد أول رحلة حج    المصادقة على مشروع النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني    حماية الأجيال الناشئة من الوقوع في آفات تضر بالمجتمع    الجزائر تحتضن الألعاب المدرسية الإفريقية في 25 جويلية    بيتكوفيتش يدافع عن بن رحمة وأوكيدجة    تنسيق قطاعي لإنشاء مراكز للابتكار    12 مطارا و150 رحلة لنقل 41 ألف حاج    "حماس" تدعو إلى الالتزام باتفاق وقف إطلاق النّار في غزّة    منظومة المخزن تكرّس النّهب وتخنق المواطن    فتح باب المشاركة في الدورة 15    التحديات الزوجية في إطار كوميدي خفيف    "أناب" تطلق حملتها التضامنية    مهن موسمية تزدهر في رمضان    ليلة النصفية.. موعد للّمة العائلية والأطباق التقليدية    منتدى حول الصحراء الغربية غدا بسويسرا    هكذا يتم استخراج كشف الهوية البريدية    بوقرة يقصي محيوص ويراهن على بولبينة ولاعبي المولودية    تصفيات مونديال 2026 (المجموعة 7 - الجولتان 5 و6): حارس المرمى أسامة بن بوط, يعوض ماندريا    يوم دراسي حول المقاربة الجزائرية في مكافحة الإرهاب    اجتماع تنسيقي حول الربط الرقمي البيني    المهرجان المحلي للإنشاد بقالمة: رفع الستار عن الطبعة التاسعة بمشاركة 11 فرقة    بمشاركة 17 مترشحا متأهلا من مختلف ولايات الوطن..الطبعة ال14 للمهرجان الثقافي الوطني لأغنية الشعبي تنطلق هذا الخميس    تلمسان:انطلاق الطبعة الثامنة لليالي الخط والمخطوط    المشروع استثمار استراتيجي في عصر الذكاء الاصطناعي : إطلاق مركز حوسبة عالي الأداء خطوة استراتيجية نحو السيادة الرقمية    الشروع في عملية حجز تذاكر السفر للحجاج : انطلاق أول رحلة نحو البقاع المقدسة يوم ال10 ماي المقبل    الصوم يشفع لصاحبه يوم القيامة    فضل الجلوس بعد صلاة الفجر    الرابطة المحترفة الأولى : شباب بلوزداد واتحاد الجزائر يتعادلان (1-1)    صافرة مصرية للصدام الجزائري    نعمل على توفير عروض تكوين تلائم سوق العمل    الجزائر تتجه لتوطين صناعة الدواء بمختلف الأصناف    الحقن وطب الأسنان لا يفسدان الصيام والمرضع مخيَّرة بين الفداء أو القضاء    حفظ الجوارح في الصوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كاتدرائية نوتردام بباريس.. أسرار وأساطير وتاريخ
نشر في الجزائر الجديدة يوم 14 - 12 - 2017

تنطلق بعد أيام في باريس احتفالات العيد بكاتدرائية "نوتردام دو پاري"، أو "سيدة باريس"، أو "كاتدرائية سيدتنا العذراء" نسبة إلى مريم العذراء، حيث لا تزال الكاتدرائية الأكثر شهرة وبهاء وقداسة، ولا تزال تستقطب الزوار بقوة من داخل فرنسا وخارجها.
زينة بن سعيد/ باريس
وفي سنة 2013، وبالضبط في العيد 850 عاد القائمون على الكاتدرائة العودة إلى أواسط القرن الثامن عشر بعودة قرع أجراس الكاتدرائية بالنغمة ذاتها في تلك الفترة التي اكتملت فيها أجراسها قبل تحويلها إلى مدافع.
تحفة الفن والعمارة
كاتدرائية "سيدتنا العذراء" أجمل معلم تاريخي وسياحي يجلب آلاف السواح المذهولين بدقة بنائه وجمال تصميمه الذي استمر عقودا من الزمن، زيارتنا لها لم تكن عابرة، كل تفاصيلها دعوة للجمال، تحف، تماثيل، مجسمات لقرى ومنازل القرون الماضية، أضواء وشموع وبهجة تزرعها في عيون الناظرين.
كاتدرائية نوتردام هي كاتدرائية أبرشية باريس تقع في الجانب الشرقي من إيل دولا سيتي "جزيرة المدينة" على نهر السين أي في قلب باريس التاريخي، وتعتبر تحفة الفن والعمارة القوطية الذي ساد القرن الثاني عشر حتى بداية القرن السادس عشر، ومن المعالم التاريخية في فرنسا، ويعود تاريخ إنشائها إلى العصور الوسطى.
وتقوم كاتدرائية نوتردام في مكان بناء أول كنيسة مسيحية في باريس، وهي "بازيليك القديس استيفان" والتي كانت بدورها مبنية على أنقاض معبد جوبيتير الغالو الروماني، والنسخة الأولى من نوتردام كانت كنيسة بديعة بناها الملك شيلدبرت الأول ملك الفرنجة وذلك عام 528 م، وأصبحت كاتدرائية مدينة باريس في القرن العاشر بشكلها القوطي، وترتفع قبة الكنيسة إلى 33 مترا.
وقد استغرق العمل في تشييد الكاتدرائية عدة عقود، فقد بدأت عمليات بنائها في سنة 1163، وفي بداية القرن الثالث عشر أصبحت أكبر الكاتدرائيات في فرنسا، وهي تقع في جزيرة تتوسط نهر السين وسط العاصمة، وتعتبر واحدة من كبرى الكنائس في أوروبا، وتشرف واجهتها على ساحة فسيحة تحمل اسم البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، حيث يحتشد الزوار والسياح في الساحة لتأمل الواجهة المزينة بعشرات المنحوتات، والتقاط الصور أمام أبراجها الحجرية، قبل الدخول للتمتع بمنظر نوافذها الملونة التي تعتبر الأجمل بين زجاج الكاتدرائيات في فرنسا.
يُذكر أن مخطط احتفالات العيد 850 لإنشاء الكنيسة الذي كان في ديسمبر 2012، قد أوصت الكنيسة خلاله على 8 أجراس جديدة، تصنع في مصاهر هولندا، حيث قام أندريه فانتروا أسقف باريس بمباركتها في طقس احتفالي، ثم قُرعت للمرة الأولى ليلة أحد الشعانين في 23 مارس 2013، أي قبل أسبوع من عيد الفصح المسيحي، كما استمرت الاحتفالات حتى نهاية خريف 2013. كما كانت معظم الاحتفالات بذكرى تشييد الكاتدرائية برعاية رئيس الجمهورية السابق فرنسوا هولاند، كما جرت بعض المناسبات تحت رعاية وزيرة الثقافة وعمدة باريس، وأيضا برعاية الرئيس الأسبق جاك شيراك، وقد اشتغل عشرات العمال والفنيين على قدم وساق، لتحسين إضاءة المكان من الداخل والخارج وصيانة الأرغن الضخم تمهيدا لاستضافة موسم استثنائي من الموسيقى الكلاسيكية والروحية، كما شملت الاحتفالات مؤتمرا للعلوم ومعارض ونشر كتب عن تاريخ هذا الأثر الممتد عبر القرون.
صانع أقفال الكاتدرائية والشيطان
تماثيل مختلفة منحوتة في كاتدرائية نوتردام -وعدد من الكاتدرائيات والمباني الأخرى في أوروبا- لكن بعضها غريب وبشع بعضها بالأجنحة، وهي موجودة على الجدران والأجزاء العلوية للكاتدرائية إلى جانب تماثيل الملوك، وهو ما يدعو للتساؤل كون هذه الأماكن المقدسة من المفترض أن لا تحتوي على مثل هذه المنحوتات التي هي عبارة عن وحوش خرافية قيل أنها تستيقظ ليلا.
وأما المنحوت الأكثر شهرة هو "الجراغول" وتعني "ذو الأجنحة" وهو غير مفهوم تماما إن كان شيطانا أو خرافة أو خيالا فنيا صنعه مبدعون، وهناك أسطورة فرنسية ظهرت في عام 641 في مدينة روان تقول بأنه كان هناك وحش يسمى غوجي أو جراغول، طويل الرقبة ظهر في ذلك العام يتغذى على دماء المخلوقات ويقوم بقتل وتشويه الماشية، وهذا ما ينطبق إلى حد ما شكلا أو حتى إسما مع هذه المنحوتات الفريدة والمميزة، ومنهم من يقول أنه تم نحت تلك التماثيل لذلك المخلوق المخيف لطرد الأرواح الشريرة، ويقول أصحاب هذا الرأي أن تلك التماثيل عندما نحتت في القرون الوسطى عادة ما كان المهندسين المعماريين آنذاك يستخدمون الجرغول في التصاميم الفنية للكنيسة لنقل رسائل إلى عامة الناس وكانت الصور أفضل وسيلة لنقل الأفكار واستخدم الجرغول ليقف متربصا للشر خارج جدران الكنيسة حيث أكثر من 5000 جرغول منحوتة وبأشكال متعددة وتمثل أكثرها مزاريب للزينة لتصريف مياه الأمطار في كاتدرائية نوتردام، ومع ذلك ينظر بعض رجال الدين في القرون الوسطى إلى الجرغول كشكل من أشكال الوثنية، حيث قال زعيم كنسية نوتردام آنذاك والذي كان يدعى سانت برنارد وتحدث علنا ضد الجرغول بقوله "علينا أن نستحي وأن نخجل من وضع هذه السخافات في هذا المكان".
لكن كلّ هذا قد بدأ -حسب الأسطورة الشائعة- وقت بناء الكاتدرائية في القرن ال13 وفي ورشة البناء كان هناك صانع أقفال متدرب وكان شابا وموهوبا يدعى بيسكوغ نييه الذي كان مكلفا بمهمة تلبيس أبواب الكنيسة بالحديد، وفي ليلة واحدة فقط استطاع الشاب بيسكوغ نييه إنجاز تحفة فنية لأبواب الكاتدرائية، فجودة المفاصل والأجزاء المعدنية لازالت تبهر الزوار وتحير المختصين، والأكثر حيرة هو أن بيسكوغ نييه وبعد انتهائه من العمل تلك الليلة توفي مباشرة في سريره إثر تشنجات رهيبة، وحسب الأسطورة فإن روحه قد سلبها الشيطان، حيث أن هذا الأخير صنع أبوابا فنية مقابل روح إنسانية، لذلك تم نحته رغم عدم مطابقته لشخصيات الكتاب المقدس، وتم نحت الكثير من المنحوتات الغريبة ما يذكّر بأن الشر موجود في كلّ مكان.
فيكتور هوغو ينقذ الكاتدرائية ب"أحدب نوتردام"
لعلّ الحكاية الأكثر شهرة هي تلك المتعلقة بقصة الحب المستحيلة التي تدور أهم أحداثها بالكاتدرائية، وهي بين الأحدب كازي مودو والغجرية "إزميرالدا"، من خلال الرواية التاريخية للكاتب الفرنسي فيكتور هوغو "أحدب نوتردام". فقد اتخذ فيكتور هوغو دائما موقفا ضد الظلم وغياب العدل وأنصت لصوت الضعفاء والمحرومين، وهو كمبدع أصيل لم يعيش حياته بجبن، مطمئن على نفسه بالصمت، فظاهريا وقع الأحدب كوازيمودو في حب شابة جميلة محاولا التضحية بحياته عده مرات من أجلها، وبدا أنه حب رجل لامرأة وارتفع الكاتب بمستواه بالقدرة على التصوير، لكن الواقع أن الأحدب بعاهته والنكران والقمع الذين عانى منهما، وقع في حب دفء الجمال الإنساني المحروم منه (والموجود أيضا بأعماقه الداخلية) جمال ظهر أمامه في صورة امرأة، عطفت عليه ولم تسخر من عاهته أو تشويه جسده، وليس مجرد حب رجل لامرأة. كان هدف تضحياته من أجلها إبقاء هذا الجمال الإنساني في الحياة فلا يحرم الوجود منه، لقد أدرك أن فناء جسده القبيح يعنى استمرارية أعماقه الإنسانية الجميلة بالبقاء، لقد ظل أحدب نوتردام قابعا خلف جدران الكاتدرائية، منعزلا عن العالم، عاجزا عن أي اتصال خارجي، كرمز لعاهة تبعده عن العالم، وكاتهام لمجتمع يعزل العاهة ويخفيها ويحتقر الضعيف وينهش المحرومين، وما يتحكم في كل ذلك هو منظومة المجال الحاكمة، لقد تحول الأحدب إلى كيان منعدم وعاجز عن الفعل حتى تأتي شرارة الحب فيحدث التغير ويمتلك القدرة على تغير مجرى الأحداث، ويصبح مصير القوة في يد المتحكم فيهم، ويتفوق أحدب نوتردام على الجميع بأن يصبح أفضل منهم.
كوازيمودو أحدب لقيط قبيح المظهر ابن عائله غجرية أتت إلى نوتردام بهدف السرقة ولكن فرولو أمسك بهم وعندما هربوا بقي كوازيمودو معه ليربيه القس في كنيسة نوتردام الدوق كلود فرولو حتى يدربه ليكون قارع الأجراس في كاتدرائية نوتردام، وفي أواخر العصور الوسطى في باريس يتم اختيار كوازيمودو ليكون زعيم المهرجين في احتفال سنوي يسمى "احتفال المهرجين" وهذا ما لم يرده سيده، حيث أراده أن يقضي بقية عمره في الكنيسة وألا يظهر أمام الناس بسبب مظهره القبيح، وكانت الفتاة الغجرية إزميرالدا من الشخصيات الهامة في احتفال المهرجين واكتسبت إعجاب الناس برقصها مغرية ملاحقيها ومنهم فرولو الذي يفشل بجذبها إليه فيحاول أن يمتلكها بالعنف والاغتصاب.
فيكتور هوغو عندما عرض روايته، كانت كاتدرائية نوتردام مهددة بالانهيار، وقد سرّع نجاحها وانتشارها الإجراءات الإدارية التي أدت إلى ترميمها، وإن كان مصير الخبيبان في الرواية ليس سعيدا، فإنه في الواقع أنقذ الكاتدرائية من الخراب.
الكاتدرائية تستغيث للبقاء
وقد أطلقت كاتدرائية نوتردام نهاية السنة الجارية نداء استغاثة بسبب الأضرار التي تلحق بها جراء التلوث وعوامل المناخ والزمن، بحثا عن متطوعين من مختلف أنحاء العالم في استطاعتهم إغاثة هذا الموقع في ظل عجز الدولة الفرنسية عن التصدي للمشكلة بمفردها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.