وجدتني أقول هذا الكلام حين أعدت قراءة مقاطع طويلة من رواية "أحدب نوتردام" للشاعر الفرنسي العظيم فيكتور هيغو. كاتدرائية هي من أشهر كاتدرائيات الدنيا المسيحية كلها، تتحول إلى مكان تجري فيه أحداث تتراوح بين الألم والحب والجشع، ولا يجد فيها القراء؛ من مسيحيين وغير مسيحيين، أية غضاضة. ونظرت صوب القاهرة ونحو الأزهر الشريف على وجه التحديد، وتساءلت بيني وبين نفسي: ولم، يا ترى، لا أقرأ رواية عربية تدور أحداثها في هذا الجامع الأثري العريق؟ هل حرام علينا ما هو حلال على الآخرين في الأصقاع الأخرى؟ وتذكرت ما أصاب الروائي الكبير نجيب محفوظ في ثمانينيات القرن المنصرم. جاء من طعنه بخنجر في رقبته وكاد يرديه قتيلا. والسبب هو أن الجهلة حكموا عليه بالموت؛ لأنه وضع روايته الشهيرة "أولاد حارتنا"، وبنى فيها شخصياته وفقا لما جاء في القرآن الكريم، مع بعض التحوير الذي لا ينال من اللب أصلا. وفي تاريخنا الإسلامي، جاء الحجاج بن يوسف الثقفي خادم بني أمية في دمشق، وقضى على الثائر عبد الله بن الزبير، وضرب أسوار الكعبة المشرفة بالمنجنيق. ومضت هذه الحادثة دون أن يعالجها شاعر أو قصاص أو أي أديب آخر؛ لكأنما جاء أحدهم وذبح شاة أو ناقة، وكفى بالله وكيلا! كانت الجوامع عبر تاريخها الطويل عبارة عن أكاديميات ومجامع لغوية وفقهية وقيادات حربية وألف شيء وشيء، لكننا إلى حد الآن لم نقرأ أدبا يتناول بعض أحداثها ووقائعها؛ لكأنما صدر الأمر بالتحريم من جهات عليا لا تريد أن يتطفل عليها أحد، ولا أن يقضّ عليها مضاجعها أحد. فهل معنى ذلك أن التعبير الأدبي عندنا مازال قاصرا، يخشى على نفسه من نفسه ومن بنيه ومن جميع الذين يزعمون صلة به؟ لنا في القرآن الكريم أبلغ درس في هذا الشأن، وفي سورة "الفيل" على وجه التحديد. جاء أبرهة الأشرم وأراد النيل من الكعبة حتى تتحول أنظار القبائل العربية إلى كنيسة "القليس" التي بناها في صنعاء. والحكاية معروفة في هذا الشأن، وذلك يعني أن القرآن حلل ما أراد البعض تحريمه؛ فهل يكون الشاعر فيكتور هيغو أسبق من أهل العربية والدين الإسلامي في هذا الشأن؟ أصيبت بعض الجوامع العريقة أثناء الزحف التتري الجديد؛ أي الأمريكي، على بغداد وغير بغداد. وبعضها الآخر أصيب في المعارك التي يحتدم أوارها في أرض سوريا، بينما جرى تحويل العديد منها عن وجهتها الأصلية، حين حدث الاسترداد الكاثوليكي في أرض الأندلس، أو حين هجم الاستعمار الفرنسي على بعض جوامع الجزائر العاصمة، وجعلها مرابط لخيوله. لكننا لم نقرأ بعد أدبا ينظر صوب هذه الجوامع، ويجعلها إطارا لهذه الرواية أو تلك الملحمة الشعرية أو تلك القصيدة. وأهل الأدب في عالمنا العربي لم يحوّلوا أعينهم صوب هذه الأماكن المقدسة؛ فلا هم استفادوا من قراءاتهم في التراث العربي العريض، ولا هم حذوا حذو ما قرأوه من آثار فيكتور هيغو وغيره من أدباء العالم الغربي؛ فإلى أين تمضي بنا سفينة الأدب العربي الحديث؟