يعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب المسرح العالمي لحرب تجارية خلال العام الحالي عبر التعديلات الكبرى التي أجراها في إدارته خلال الأسابيع الأخيرة، حيث انتقى لمناصب رئيسة مسؤولين يتوافقون معه في رؤيته الانعزالية التي تستهدف تحطيم القوانين العالمية التي تنظم التجارة بين الدول بمنظمة التجارة العالمية. ويرى معهد بيترسون للدراسات الاقتصادية في واشنطن، أن هذا النمط الانعزالي لا يخدم مصلحة النمو الاقتصادي العالمي أو حتى النمو الاقتصادي في أميركا. ويقول المعهد إن الإجراءات العقابية تستهدف حلفاء أميركا التقليديين أكثر من استهدافها لأعداء أميركا، وبالتالي فهي مضرة بموقع أميركا الاستراتيجي في العالم. يذكر أن إجراءات الرسوم على الصلب والألمنيوم التي قال ترامب إنها بداية لإجراءات عقابية عديدة، تضر كلاً من الدول الأوروبية وحلفاء الولاياتالمتحدة في اليابان أكثر من إضرارها بمصالح الصين ودول أخرى غير حليفة لواشنطن. وتعد دول الاتحاد الأوروبي أكبر مصدر للألمنيوم والصلب للولايات المتحدة، بعد كندا، حيث يقدر معهد بيترسون للدراسات الاقتصادية صادراتها بحوالى 7.3 مليارات دولار في العام الماضي 2017. أما الضحية الثانية لهذه الرسوم فهي اليابان التي تصدر منها حوالى 1.8 مليار دولار، وتأتي كوريا الجنوبية في المرتبة الثالثة. ولاحظ أن الصين التي تعرضت لعقوبات سابقة حولت مسار صادراتها إلى دول أخرى. وفي أولى الانعكاسات السلبية للإجراءات التي نفذها ترامب، ومن بينها الرسوم غير المبررة على مستوردات الصلب والألمنيوم، والتغييرات الوزارية الأخيرة، انخفض الدولار إلى أدنى مستوياته أمام الين الياباني، كما بدأ التذبذب في البورصات العالمية، وعلى رأسها بورصة وول ستريت نفسها. ومنذ أوائل مارس ، انخفض الدولار، حسب رويترز، بفعل تقارير تكشف عن مزيد من الاضطرابات في إدارة الرئيس ترامب، بينما ساد الهدوء أسواقاً أخرى مع استمرار حذر المستثمرين من تداعيات القرارات الأخيرة على السوق الأميركي. ويشير تقرير لمعهد بيترسون للدراسات الاقتصادية بواشنطن، صدر الأسبوع الماضي، إلى أن الرسوم التي أعلن عنها ترامب بخصوص الصلب والألمنيوم ستلغي واردات قيمتها 14.9 مليار دولار فقط، من واردات السوق الأميركي لهاتين السلعتين، ولكنها في المقابل ستضر بالصناعة الأميركية وسترفع من أسعارهما في السوق المحلي الأميركي. ومن الشركات الأميركية التي ستتضرر من هذه الرسوم التي من المقرر أن يبدأ تطبيقها يوم 23 مارس الجاري، شركات السيارات وقطاعات تصنيع المعدات والأجهزة الإلكترونية. ومنذ إعلان القرار شرعت بعض شركات المعدات والأجهزة الكهربائية في تقليص استثماراتها أو تعليقها مؤقتاً، حيث علقت شركة اليكترولكس الأوروبية التي تصنع في أميركا استثمارات قيمتها 250 مليون دولار. وقال المعهد الاستراتيجي في تقرير بهذا الخصوص "الغريب في الأمر أن ترامب ربط هذه الرسوم بقضايا استراتيجية من بينها التحالفات الأمنية ومحادثات نافتا ومحاثات العلاقات التجارية الثنائية مع كل من دول آسيا وأوروبا". ولاحظ التقرير، أن قرار ترامب جاء مليئاً بالتهديد والابتزاز لحلفاء أميركا، وهو نمط يخالف التقاليد والأعراف في العلاقات الدولية. ومن بين النهج الابتزازي والمغالطات التي ذكرها ترامب في بيانه بشأن الرسوم على الصلب والألمنيوم، في الثامن من مارس ، أنه سيعفي كلاً من المكسيكوكندا من هذه الرسوم، لكنه عاد لاحقاً ليربط هذا الإعفاء بموافقة الدولتين على شروطه الخاصة بمحادثات النافتا المعقدة التي تجريها الولاياتالمتحدة مع كل من كنداوالمكسيك. ويرى معهد بيترسون الأميركي أن هذا النمط من سلوكيات ترامب يعد "تهديداً مبطناً للدولتين بضرورة الموافقة على شروطه الخاصة بالإبقاء على اتفاقية النافتا التي تجري إعادة شروطها مجدداً ودخلت الجولة الخامسة". ومن بين أساليب الابتزاز الأمني دعوته لشركاء الولاياتالمتحدة وحلفائها في أوروبا وآسيا إلى بدء مفاوضات التجارة الثنائية مع الممثل التجاري الأميركي روبرت لايتزر، إذا كانت ترغب في إعفائها من الرسوم. ومن المتوقع أن يعقد لايتزر لاحقاً هذا الشهر اجتماعاً في بروكسل مع ممثلة التجارة الأوروبية سيسليا مالستروم في بروكسل، ومن المتوقع أن يحضر هذه المحادثات وزير التجارة الياباني. ولكن يبدو حتى الآن أن موقف الاتحاد الأوروبي واضحٌ من تهديدات ترامب. وحسب التصريحات الصادرة في كل من ألمانياوبروكسل، خلال الاسبوع الماضي، فإن دول الاتحاد الأوروبي تتجه للرد على ترامب بفرض رسوم على بعض الصادرات الأميركية في حال تنفيذ هذه الرسوم على صادراتها. من جانبها، ترى الصين أن هنالك ضرورة للتعاون مع الولاياتالمتحدة، ولكنها في المقابل تعد العدة لاحتمالات حدوث حرب تجارية في عهد ترامب. ومن بين هذه الاحتمالات التركيز على اتفاقيات ثنائية ضمن مبادرة "الحزام والطريق" التي ترصد لها أكثر من 6 تريليونات دولار وتمر بأكثر من 30 دولة في آسيا وأوروبا وأفريقيا. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، يوم الخميس الماضي، إن الصين تأمل في معالجة القضايا التجارية الثنائية مع الولاياتالمتحدة بأسلوب بنّاء ومن خلال صنع كعكة أكبر من التعاون. وجاءت تصريحات المتحدث لو كانغ حينما طُلب منه التعليق على أحدث إعلان صدر عن الولاياتالمتحدة الذي تضمن ضغطاً على الصين لخفض فائضها التجاري مع الولاياتالمتحدة بمقدار 100 مليار دولار، قائلا "لن نقبل أبداً تلك القواعد التي تفرضها أية دولة بشكل أحادي"، مضيفاً أن "الصين تلتزم دائماً بالنظام التجاري متعدد الأطراف الخاص بمنظمة التجارة العالمية. كما تلتزم دائماً باتفاقيات التجارة والاستثمار الثنائية ومتعددة الأطراف التي تم التوصل إليها مع الدول الأخرى"، وذلك وفقاً لما ذكرت وكالة شينخوا شبه الرسمية الصينية. وتابع لو "العلاقات التجارية بين الصينوالولاياتالمتحدة أثبتت أنها تبادلية في جوهرها وحققت منافع هائلة للشعبين ودوائر الأعمال في البلدين خلال ال 40 عاماً الماضية، ومن بين ذلك توفير سوق هائلة والكثير من فرص التوظيف في البلدين. لا أعتقد أن هذه العلاقات كانت ستستمر حتى اليوم لو أنها كانت تحقق منفعة الجانب الصيني فقط". واستطرد لو يقول "استطاع الجانبان حل خلافاتهما التجارية بشكل صحيح على نحو بناء على مدى الأربعين عاماً الماضية، ونعتقد أن البلدين لا يزالان باستطاعتهما تسوية خلافاتهما عبر مفاوضات ودية. ونحن على استعداد للقيام بذلك". وأكد لو أيضاً على أن الصين مستعدة لحماية حقوقها ومصالحها حال حدوث أي شيء غير مرغوب فيه. وكان مجلس الأعمال التجارية بالولاياتالمتحدة، وهو الأكبر من نوعه في البلاد، قد أصدر تحذيراً يوم الخميس للرئيس دونالد ترامب، من مغبة فرض رسوم كبيرة على واردات من الصين، لأن ذلك سيضر كلاً من الأعمال التجارية والمستهلكين بالولاياتالمتحدة. وقال توماس جي دونوهوي، رئيس مجلس الأعمال ومديره التنفيذي إن "هذه الرسوم هي ضرائب مدمرة للمستهلكين الأميركيين"، مضيفاً أن هذه الرسوم قد تقود إلى "حرب تجارية مدمرة" مع عواقب وخيمة على النمو الاقتصادي الأميركي وفرص العمل وحياة المستهلكين والتجار والمزارعين. وجاء تحذير المجلس هذا في وقت تنظر فيه إدارة ترامب فرض رسوم سنوية بقيمة 30 مليار دولار على واردات من الصين، بسبب ما تزعمه من "ممارسات تجارية غير عادلة" من الصين، وفقاً لتقارير إعلامية. ويتخوف مجلس الأعمال الأميركي من تضرر الشركات الأميركية الكبرى التي تجني نسبة كبيرة من دخلها من السوق الصيني، خاصة شركات التقنية التي تصنع العديد من أجزاء منتجاتها في السوق الصينية بسبب رخص الكلفة التصنيعية مقارنة بالولاياتالمتحدة.