هل هيَ بما تضعُه بين أيدينا من نصوص تكتبُها لتنقذَ مخيلتها من فساد اللغة، تكون قد تَجاوزَتْ منظومةَ الضّوابط المتعارفِ عليها ، وحتى المختلف حولها في مجال الكتابة (المفترض تسميتها مجازا «كتابة شعرية» ) ، وآنَ لها أن تكتفي بما تجاوزته معلنة الوقوف على عتبة نصّها الذي ما انْفكّتْ تبشّر به في سياق تمرينات على الهجرة نحو الحرية؟ « لا أكتبُ لأكرّس شيئا ما؛ أنا أمحُو..» ... هكذا تقدّمُ نفسَها، كابري نهلة التي يصعبُ وصفها بالشاعرة، لقد جرّبت سابقا ال«هايكو» وسرعان ما تخلّتْ عنه، ربّما لأنّه فن شعري يقومُ على شروطٍ بنيويةٍ من حيث الشّكل واتّجهتْ إلى فنّ جديد في الكتابة يراهنُ على التّفكيك ،وعندما يتعلّقُ الأمر بكابري نهلة، فإنه يصعبُ اعْتماد تلك التّسمية المتعارف عليها؛ حيث تقول :«حدّثَ قلبَه عن رأسه التي تعرفُ ثمّ تعرفُ ولا تدورُ، عن حياتِه التي تجلسُ وراء نافذة عمياء وتبتسم أحيانا. حدّث قلبه ثمّ نامَ عن نفسِه ونسيَ كّل شيء، لكنّه من وطأة الشّعر بكى..» . وهي أي نهلة من وطأة الشهر لا تبكي، كما أنها لا تضحك، إنها بأقل ما يمكن من الكلمات والأحرف والأسماء والصفات والنقاط والفواصل والفراغات ، تشيد الكثير من الصمت وتغلف به نصها المتحركة كحالة انسيابيته ،أدواته ضمن تسواق دلالي وصياغات متجازة للغة، ونظم ما بعد منطقية وموازين تؤالف بين المترابط والمتنافر مما سبق وما سيلحق، كما في ديناميكا الهواء، فتكتب « آخر مكان تبقّى، هو الصّمت بلا ذاكرة، حياة وحيدة، لا يتمّ اخْتراقها الآن» ..وهو كذلك، فلا أحد يجرؤ على اختراق النسيان، كما أن « الأمل الغامض؛ لا أحد يفسده» كما كتبته... لا أحد.. فلتتقدمْ نهلة إلى وسط المشهد ولتعلنْ عن نفسها، وهي التي لم نقرأ لها بعد نصا واحدا على صفحات مجلة أو جريدة، إنها تشتغل بعيدا عن الضوء، ضمن حساسية أدبية جديدة في الجزائر، مختلفة تماما عن السائد، تمثلها نهلة وأسماء أخرى تنجزُ في الهامش نصوصا عميقة جدا ومكثفة، تحفر بشجاعة داخل العمق الإنساني، بعيدا عن اللغط، إن المرء ليعجز أن يتخيل نصوص تلك الأسماء منشورة في كتاب، أو يتم إلقاؤها في مهرجان به منصة وميكروفونات وبطاقات مشاركين وصور لشعراء يتناولون فطورهم بينما أشعة الشمس منعكسة على الصحن الفارغ..! شذرات لكابري نهلة جلّ الأخبار تقول؛ إن الحرية تلاعبت بالضّوء وقتلت الرسّام.. فيما الربع الأخير من السماء ملبد تماما. أما الحقيقة فلا أحد يعرفها إلا عشاق انطباعيون جدا. كانوا عند الشاطئ ثم غادروا جميعا، وتركوا العصفورة نائمة في أسفل اللوحة.. أيتها الريح؛ أنت أوّلُ من وقعَ بالحبّ، أما أنا فما زالتُ ألتفت لا أتعبُ منك أيتها العزلة، أنتِ طاولة وأنا أكثر من كائن.... العزلة علمتني كل شيء.. كل شيء تقريبا؛ باستثناء الانتماء.. لو أنّني أعودَ يا زهرتي العالقة بين الحجر والريح لن أفكر بالأشياء مرتين، سأتركني كدالية العنب.. أنا هشّة جدا، ينكسرُ لي ألف ضلع في خريف واحد، والموت ينتظر قصة رصينة وكاملة.