يسعى الشاعر المغربي الشاب محمد الزرهوني، إلى إعطاء المهمشين نوافذ للتعبير، من خلال نشاطه في جمعية الهامش الشعري بجرسيف، حيث الهدف -كما يقول في حواره مع ''الجزائر نيوز''- هو التأكيد على أن الهامش لا يلد فقط الإرهابيين وأحزمة للفقر والتطرف، وإنما هو أيضا خزانا ومشتلا للإبداع والخلق· لو دخلنا عوالم الشاعر محمد زرهوني، متى وكيف أصبح شاعرا؟ أنا من مواليد ,1975 في مدينة جرسيف، شمال شرق المملكة المغربية، على بعد 150 كلم من مدينة وجدة، حيث تلقيت تعليمي الأول، أما التعليم العالي والجامعي فكان بمدينة فاس. منذ المدرسة الإعدادية كنت أجدني أميل إلى كل ما هو شعري، بل وحاولت كتابة بعض الأشعار التي لازلت أحتفظ بها حتى اليوم. ومع تدرجي في التعليم بدأت أتعرّف على علم العروض والبحور الشعرية... وأذكر أنني كتبت قصيدة على منوال قصيدة عمرو بن كلثوم، أثارت إعجاب أستاذي فزاد من اهتمامه بي وأذكر مطلعها: ''وأيام عمر كان فيها تلاقينا نرى النجم في الليل البهيم يدانينا''. وكان أن نظمت المؤسسة التعليمية مسابقة شعرية، فشاركت فيها بقصيدة حول القضية العربية، نالت الجائزة الأولى، ومن يومها تشجعت على كتابة الشعر. في المرحلة الجامعية، بدأت أكتب الشعر مع تعرّفي على تجارب شعرية عربية وعالمية، بل أكثر من ذلك تحوّلت من كتابة الشعر بشكله الكلاسيكي إلى كتابة الشعر الحديث التي أعتبرها من أخطر الكتابات وأصعبها. الشعر لا غير كان خيارك، لماذا القصيدة بالذات؟ جوهر الشعر أن يقرب بين الأشياء البعيدة مهما كانت متنافرة، فكيف لا يستطيع أن يقرب بين البشر؟ الشعر بالنسبة لي هو ملاذي، ولا أظن أجد نفسي إلا فيه، فأنا أحيا وأتنفس بالشعر، فهو الأصل، وكل صنف أدبي آخر هو بمثابة إكسسوارات ومكملات، وإلا لِمَ وجدنا كل الصنوف الأدبية الأخرى تحاول إدخال الشعرية في وظيفتها، فنجد شعرية الرواية وشعرية القصة وشعرية المسرح·.. إلخ. الكتابة علامة سؤال والشاعر هو من رأى ولم يصمت، ما هي أسئلة الكتابة لديك وما الذي أردت قوله؟ لم يعد الشعر جزءا من مادة استهلاكنا ومن مادة هضمنا... ولعل من وظائف الشعر أن يجعلنا نتوغل في أنفسنا بشكل سري وغامض... وعندما أكتب أحاول أن ألفت الانتباه إلى أن الشعر قادر على حمل رسالة الإنسانية ويجب على رجال السياسة ومدراء المجتمع والنخب المختلفة أن تقرأ الشعر وكأنه مقدمة لدساتير بلدانهم ولنصوصهم الدينية ولمعاهداتهم الدولية··· وغيرها. والشعر عندما يعترض فإنه يعترض على الظلم وعلى فقدان الحس الإنساني، لأن الشعراء هم ممثلو المستقبل في الحاضر وملزمون بتوجيه مسار الإنسانية، وتجدر الثقة بهم لأنهم يستطيعون اختراق أي حظر على كلمات الحقيقة والجمال والإلهام وقادرون على تقديم رؤاهم للعالم بالشعر... أصدرتم ثلاث مجموعات شعرية حتى الآن حدثنا عن كل تجربة منها؟ نعم، أصدرت ثلاث مجموعات شعرية وهي على التوالي: ''أول الصراخ'' (1999)، ''ورد وعوسج'' (2006)، ''وعلى أصابعي يجلس الماء'' (2010)· المجموعة الأولى كانت باكورتي الشعرية، من خلالها دخلت المشهد الثقافي المغربي، جاءت نصوصها عبارة عن محاولة للصراخ والبوح، ومقدرتي على لكتابة في كل المواضيع. أما الثانية، فجاءت في 20 نصا موزعة بالتساوي ما بين العاطفي والسياسي، في حين جاءت المجموعة الثالثة، أكثر نضجا وتم توقيعها بالمعرض الدولي بالبيضاء سنة 2010 وجاءت أغلب نصوصها تأملية مع رمزية طاغية وتلميح لقضايا إنسانية كبرى... وقريبا ستصدر لي المجموعة الشعرية الرابعة التي اخترت لها عنوان ''وتسكن الشمس تجاعيد الحزن''· ما هو واقع الكتابة والنشر بالمغرب؟ الحديث عن واقع الكتابة والنشر بالمغرب ذي شجون، فالمغرب يعرف ثورة إبداعية في مجال الشعر خصوصا مع الشعراء الشباب الذين أكدوا علو كعبهم وشاعريتهم وصدق كتاباتهم، في مقابل ذلك هناك تردي وشبه موت لدور النشر التي لا همّ لها سوى الربح والاغتناء على حساب هؤلاء المبدعين، في حين نجدها تهرول نحو الأسماء ''الكبرى'' التي صنعها الإعلام والسياسة في وقت ما، التي تحاول جاهدة اللحاق بشعرية هؤلاء الشباب، لكنها أبدا لن تستطيع مهما مارست من تعتيم وإقصاء في حقهم، والحقيقة لا مجال للمقارنة بين هؤلاء وأولئك، لذلك نجد الشعراء الشباب يتحمّلون نفقة الطبع والنشر والتوزيع بعيدا عن ممارسات دور النشر التي أصبحت غير قادرة على الالتحاق بالركب، ولا زالت تتخبط في غيها القديم. أصبحنا نرى ظاهرة المبدع الذي يمارس طقس الكتابة والطبع والنشر والتوزيع. لكم مساهمات جادة في تفعيل المشهد الشعري والتشكيلي المغربي من خلال تظاهرة الشعر والتشكيل بجرسيف، لو تعطنا صورة عن هذه التظاهرة؟ نحاول من خلال حضور العديد من الملتقيات الشعرية الجادة، التي أساسا تنظمها جمعيات في مدن صغيرة ومهمشة ثقافيا ومستقلة عن وزارة الثقافة والمؤسسات الرسمية، التأكيد على أن الإبداع لا مركز له· من هذا المنطلق ننظم في مدينة جرسيف ملتقى سنويا للشعر والتشكيل بحضور أسماء عربية، محاولة منا في جمعية الهامش الشعري بجرسيف لتفعيل المشهد الثقافي المغربي، والتأكيد على أن الهامش لا يلد فقط الإرهابيين وليست فقط أحزمة للفقر والتطرف، وإنما هي أيضا خزانا ومشتلا للمحبة ومنبعا كبيرا للإبداع والخلق، وأن لها أيضا من الإمكانيات ما يجعلها تلد المبدعين بشتى أصنافهم... وقد وصلنا إلى الدورة الرابعة من ملتقى جرسيف للشعر والتشكيل في غياب تام لدعم وزارة الثقافة وللمجالس البلدية... ونحن الآن بصدد الإعداد للدورة الخامسة التي من المقرر عقدها في الأسبوع الأخير من شهر مارس .2012 كلمة أخيرة للقراء في ''الجزائر نيوز''؟ لأن رواسب الطفولة لا زالت بذاكرتي، وبحكم قربي منكم جغرافيا وثقافيا، وحيث حكايات الأجداد وشيوخ القبيلة عن أسفارهم لوهران وتلمسان وسكيكدة وسعيدة والجزائر تسكنني بعظيم الحب والحنين للزمن الجميل، حيث لا رقيب ولا حدود، أجدني في شوق لكم، لعناق بوحكم والسفر بعيدا في تماهيات الروح علنا نمتزج وننصهر كحبات الملح في البحر، فكل ما يفصلنا هو جدار شائك قد يدمي الجسد، لكن الروح أبدا تبقى تحبكم فتسافر في تجاعيد الأديم لتصل الحب بالحب وتروي العطش بالعطش·