إستغلال الأرصفة من قبل التجار والباعة ليس بالشيء الجديد أو الغريب، بل أضحت ظاهرة متجذرة تلازم القطاع ويحاول من خلالها الطرف المستفيد إستغلال كل شبر لصالحه حتى يبسط نشاطه ويسوق سلعه بشكل عادي، رغم أن القانون يحدد المساحة المستغلة ويلزم المخالفين إحترام النظام المسير الذي يضيط القطاع. وكنا في العديد من المرات قد تطرقنا للموضوع بأرقامه وتفاصيله من حيث المخالفات المسجلة والعقوبات المطبقة التي تسلطها الجهات الوصية عند كل خرجة ميدانية تقوم بها ومع ذلك تبقى دار لقمان على حالها وتستمر التجاوزات والخروقات هذا الشأن بمجرد أن تختفي أو تزول سلطة الردع، فيعود من جديد التاجر الى نشاطه ويسارع مرة أخرى في فرض ديكور خاص به يلفت به إنتباه الزبون لعله يتدارك ما فاته ويكسب الوقت الكافي لتحقيق مبتغاه. كل هذه الأمور أضحت مألوفة بالنسبة إلينا، فنجد البائع بإختلاف نشاطه يستحوذ على الساحة القريبة من محله ويشكل منها فضاءات تتماشى ونوع تجارته وكأنها ملكية خاصة تابعة له، فيضطر المارة الى إستعمال الطريق بعدما تعذر عليهم إستغلال الرصيف ومع مرور الوقت أصبح البديل المؤقت، دائم لا يمكن تغييره أو حتى منعه بشكل ظرفي مادام التاجر لحد الآن سيد الموقف يتحكم في المنشآت العمومية والخاصة ولا يفرق بينهما في حضور حوافز تشجعه على ذلك وتجعله يقدم على إرتكاب تجاوزات مخالفا بذلك النصوص القانونية التي تحدد مساحة الإستغلال. وفي غياب دائما سلطة الردع يتحول الوضع الى واقع مفروض على المواطن يضبط حدوده صاحب المحل ويحدد بذلك كل الشروط التي تناسبه وتسهل له العملية حتى يضمن المكسب الوفير، خاصة إذا كان نشاطه يستدعي توفير مساحة أكبر للإشهار بتجارته وجلب أكبر عدد ممكن من الزبائن. وإن كانت ظاهرة إستغلال الأرصفة متداولة لدى جميع التجار بإختلاف حرفهم، فإن الإستحواذ على المساحات العمومية بطريقة غير قانونية والإستفادة منها بطريقة تعسفية أضحت هي الأخرى منتشرة بكثرة في المدة الأخيرة لا سيما في المناسبات والمواسم مستغلين بذلك فرصة توافد المواطنين على هذه النقاط. ونعني في هذا الشأن إتساع رقعة محلات بيع المرطبات والمقاهي مؤخرا على حساب فضاءات عمومية، حيث أضحى يتضح للزائر جليا هذا التغيير، من خلال الزخم الكبير لهذه الهياكل بشكل ملفت للإنتباه كل حسب نشاطه وتخصصه. وبمجرد أن تقترب من هذه المواقع يتجسد لك هذا الواقع وتظهر لك كل العيوب والأخطاء التي يتعمد التاجر إرتكابها ويتجاهل معها كل القرارات الصادرة في هذا الشأن لأن مصلحته المادية أكبر بكثير من الشروط والإلتزامات المفروضة عليه بحجة أن "التجارة شطارة" وحرفته تتطلب منه إجراء تعديلات وتغييرات على المكان المستغل بطريقة جذابة تشد فضول الزائر. جميل أن يبدع الحرفي ويتفنن في إبداعه بإضفاء صور ومشاهد جميلة لها علاقة مباشرة بالديكور والتنظيم وفن الترتيب عن طريق تجهيز المحل وتأثيثه بألوان جذابة تتماشى مع كل موسم، إلا أن الشيء السلبي وغير المنطقي في هذا الصدد هو إستخدام الفضاءات العمومية وإدراجها ضمن الملكية الخاصة، فنجد هذا الأخير يبسط كل الأشياء التابعة له من كراسي وطاولات لإستقبال الزبون وتقديم له الخدمة التي يحتاجها، دون أن يقدم إيجار شهري مقابل هذا الإستغلال. ومع مرور الوقت أصبح عدد التجار كبيرا وتضاعف عدد المساحات المستغلة الى أن أصبح كل حرفي مختص في بيع المرطبات يطبق قانونه ويبحث معها عن كل شبر يسمح له بتأثيث أكبر مساحة ممكنة ومنه يرتفع عدد الوافدين فالمساحات العمومية التي هي من المفروض أن تكون مفتوحة للجميع يستريح فيها المواطن متى شاء من الوقت تحولت الى مكان خاص يلتزم من خلالها الوافد دفع مبلغ مالي محدد مقابل المكوث فيه. وبما أن موسم الإصطياف معروف بسهراته وإقبال العائلات على الهياكل الخدماتية تزايدت حصيلة هذه الأخيرة وبنفس الطريقة والمواصفات الى أن إنحلت المساحات التاريخية وسط هذا التغيير المفروض عليها وتقلص عددها ونظرات لتهافت التجار عليها فقد راح البعض منهم الى إستغلال حتى الفضاءات المحاذية للمؤسسات رغم أنه مخالف للقانون. ومع إرتفاع عدد المخالفات إستحدثت بلدية وهران بإعتبارها الأكثر تضررا من الظاهرة لجنة خاصة لمراقبة هذه الهياكل تضم عدة أعضاء تابعين للقطاعات الحضرية، مصلحة المالية والمنتخبين المحليين حيث يتكفل هؤلاء بتنظيم خرجات تفتيشية عبر كل النقاط والأماكن التابعة لأملاك البلدية بغرض تنظيم قطاع وتحصيل مداخيلها. وإعتمادا على نسبة محددة وشروط مضبوطة في القانون فقد إشترطت اللجنة مبلغ 200 دج لكل طاولة يلتزم التاجر بتسديدها والقيمة الإجمالية مرشحة للزيادة كلما إرتفع عدد الطاولات المتواجدة بالساحة العمومية، حيث تمكنت اللجنة في خرجة واحدة من جمع 7 ملايين سنتيم وبهذه الطريقة ستضفي على النشاط الطابع الرسمي للتجارة غير المرخصة حتى تثري خزينتها وتنظم الحرف الفوضوية.