كل المؤشرات تؤكد التزايد المستمر للتجار الأجانب الناشطين بولاية وهران، ففي ظرف 5 سنوات تقريبا تضاعف عددهم مكتسحين بذلك القطاعات التي يكثر عليها الطلب من جهة والتي تعاني من غياب اليد العاملة المحلية المؤهلة من جهة أخرى. عوامل عديدة ساهمت بشكل مباشر في إتساع رقعة نشاط هذه الشريحة بصفة غير متوقعة وبوتيرة سريعة، حيث شجعت المستجدات التي طرأت على السوق والتغيرات الإقتصادية الأجانب لولوج تجربة الإستثمار بالجزائر، ووفق القواعد القانونية المضبوطة من قبل المسيريين وهو ما يعكس واقع حال السوق المحلية في الفترة الأخيرة، إذ أصبحت تشهد إقبال عدد كبير من المهتمين بقطاع التجارة لما يقدمه من إمتيازات للناشطين فيه بغض النظر عن الفارق المسجل في الجنس والسن أو حتى البلد الأم. وإنطلاقا من أن "التجارة شطارة والتبزنيس فهامة" إعتمد الباعة الأجانب على هذين الشطرين لإغراق السوق وكسب ثقة المستهلك ليتمكنوا من بسط حرفتهم وبالشروط التي تخدم مصلحتهم بالدرجة الأولى، لأنهم ملزمون برفع هامش ربحهم وإستغلال فرصة إهتمام المشتري بسلعهم. والملفلت للإنتباه أن هذه الشريحة لم تقتصر على قطاع معين فقط أو إختصاص واحد بل تعدته لتنتشر في كل المجالات وبدون إستثناء، فبعدما كانت سابقا تعمل بقطاع البناء لا غير، أضحت موجودة في كل مكان وبفروعها المتعددة وإرتأت أن تختار لنفسها مناطق إستراتيجية تنشط فيها لتستقطب أكبر عدد ممكن من المتعاملين وهو ما يتضح لنا جليا لدى معاينتها لبعض المواقع سواء تلك التي تشتغل بالقطاع الخدماتي أو غيرها من المجالات ما دامت قد تجاوزت عقبة الركود وحققت لنفسها سمعة حسنة في هذه الفترة بالذات. مشوار غير طويل إجتازته اليد العاملة الأجنبية وجنت من ورائه أرباحا معتبرة، حتى وإن كانت في بعض الأحيان تلجأ إلى طرق إحتيالية لضمان إستمراريتها بإرتكابها مخالفات يعاقب عليها القانون الجزائري إما عن طريق إنشاء ورشات غير شرعية أو عدم إحترام بنود العقد المنصوص عليها في الوثيقة الرسمية التي تسلمها لها مديرية التشغيل أو التقليص من اليد العاملة المحلية دون إعادة الإلتزامات الملقاة على عاتقها أو الإحتفاظ بالعمال الأجانب الذين يشتغلون بالمطاعم رغم إنتهاء مدة إقامتهم بالولاية. نشاط في الظلام الكم الهائل للأجانب المتوجدين بالولاية أصبح يقابله لا محالة الخروقات التي تقع فيها هذه الفئة وإن صح القول فهي تتعمد إحتراف تجاوزات عديدة قصد ربح الوقت والمال معا ما دامت الإجراءات الخاصة بالإقامة تتطلب وقتا طويلا للإستفادة من ترخيص يسمح لها بالبقاء ولو لفترة محدودة. فالحالات عديدة والنتيجة واحدة تتجسد بأرض الواقع وحسب العينات التي ذكرناها سابقا وما سجلناه لدى زيارتنا لبعض النقاط، البداية كانت من ورشة خياطة تتواجد بوسط المدينة وبالضبط بالحي الشعبي "سانت أنطوان" حيث إختار صاحبها هذا المكان خصيصا لممارسة نشاطه بطريقة غير شرعية حتى لا ينكشف أمره وبعيد عن أعين مصالح المراقبة. المكان في حد ذاته ليس ورشة بمعنى الكلمة لأنه هيكل بمثل هذه المواصفات يتطلب توفر جميع الشروط المنصوص عليها في القانون التجاري سواء من حيث المعايير الخاصة بالمحل أو ظروف العمل ومع الأسف كل هذه المقاييس كانت غائبة بهذه الورشة، فهي عبارة عن مخزن صغير بقبو إحدى عمارات الحي. فعلى إمتداد مساحة صغيرة جدا تتواجد 5 مكنات خياطة يعمل بها أفارقة من جنسية مالية وسودانية ونظرا لإحتراف هاته الجنسيات مهنة الطرز على الحرير فقد إستعان صاحب الورشة بهم لممارسة نشاطهم وعرض ألبسة تقليدية مطرزة بطريقة مغايرة عن تلك التي إعتدنا عليها. وفي حوار صغير مع أحد العاملين بالورشة أكد لنا هذا الأخير في غياب رب العمل أنه تسلل إلى الولاية عبر الحدود الجزائرية المالية منذ حوالي 3 سنوات تقريبا حيث إستطاع خلال هذه الفترة أن يجد لنفسه عملا يضمن له قوت يومه خاصة أن هذه الحرفة مطلوبة كثيرا في السوق المحلية ولا يتقنها إلا القلة القليلون من الأفارقة المتواجدين بالولاية وهو ما سمح له بالتنقل إلى ورشة الخياطة والعمل بها طيلة هذه المدة مقابل أجر يومي لا يتعدى 700 دج، وهذا حسب نوعية المنتوج الذي يقدمه وحسب الإتفاق المبرم بينه وبين صاحب الورشة. نفس المصير يواجه بقية زملائه، حيث يتقاضون أجرهم بنفس الطريقة التي يستفيد منها هذا الشباب ومع ذلك تجدهم يبذلون جهدا عضليا كبيرا لا يساوي الأموال المقدمة لهم لأن لا خيار لهم سوى الإمتثال لأوامر رئيسهم. مطاعم ومكاسب غير بعيد عن ورشة الخياطة والمخالفات التي تغرق فيها مطعم ينشط دائما بوسط المدينة مختص في الأطباق اللبنانية المتنوعة وإن كان صاحبها يفضل أن يحترم القانون نوعا ما حسبه إلا أنه لم يختلف كثيرا عن الحالة الأولى ولم يتوان في الإستعانة بطاقمه للتفنن في الأكلات الشعبية التي تشتهر بها منطقته رغم أن بطاقة الإقامة قد إنتهت صلاحيتها ومع ذلك لم يصرح بذلك ولم يتبع الإجراءات الخاصة بتجديد البطاقة مرة أخرى نظرا للمراحل الطويلة التي يمر بها المعني بالأمر وضيق الوقت كذلك. وخوفا من توقف نشاطه بعد مغادرة طاقمها الولاية لأن القانون في مثل هذه الحالات يشترط إنطلاق العملية من جديد، فضل صاحب المطعم الإكتفاء بالحل الأسرع والمناسب في نفس الوقت بدلا من إحترام الشروط المنصوص عليها في العقد. حالة ثالثة تعكس المخالفات المسجلة في هذا الشأن وهذه المرة يتعلق الأمر بشركات كبيرة بطاقم عمالي كثيف تحاول الإحتيال على الهيئات المنظمة وتتجاهل القانون المسير عمدا عن طريق التلاعب في الأرقام بعرض إحصائيات غير دقيقة عن اليد العاملة المحلية، خاصة أن التعليمات تفرض عليهم توظيف نسبة أكبر من الجزائريين مقابل 30٪ من الأجانب فقط، وهو ما كشفته التقارير التي قامت بها مديرية التشغيل والتي أسفرت عن تحديد محضر مخالفة من هذا النوع إرتكبته شركة صينية بعدما عرضت هذه الأخيرة مشروعها الذي يضم أكثر من 300 عامل جزائري فيما وقفت المعاينة الميدانية التي قامت بها الإدارة الوصية على إحصاء 30 عاملا فقط، هذا الإختلاف في الإحصائيات دفع المديرية إلى الإعتماد على طريقة جديدة لمعالجة الملفات المطروحة عليها قبل تقديم رخصة العمل التي تعتبر في حد ذاتها تأشيرة للإستفادة من حق الإقامة بالولاية. كل هذه التجاوزات تؤكد حتمية عدم التنسيق من الأجهزة المنظمة وغياب دوريات الرقابة التي من المفروض أن تنظم بطريقة مكثفة سواء على مستوى ورشات البناء أو المؤسسات الخدماتية وغيرها من القطاعات التي تستقطب عددا كبيرا من الأجانب بإختلاف جنسياتهم. 11461أجنبي ب 4 قطاعات وحسب الإحصائيات المستقاة من مديرية التشغيل فقد سجلت بوهران فقط 11461 أجنبي ينشطون ب 4 قطاعات أكبر حصة منهم سجلتها المديرية بقطاع البناء وهذا ب 5775 عامل موزعين عبر عدة ورشات سكنية منها أو مشاريع ذات منفعة عامة تليها في المرتبة الثانية الصناعة ب5646 أجنبي، أما فيما يخص قطاعي الحرف والخدمات والفلاحة فلم يتجاوز عددهم 40 فقط، من بينهم 33 في النشاط الأول و7 في الزراعة . وإذا ما حاولنا توزيع هذه الحصيلة حسب الجنسيات نجد أن التقسيم الأول قد طرأت عليه بعد التغييرات على إثر تراجع عدد المشاريع الموجهة للأتراك، حيث أصبحت اليد العاملة الصينية تترأس القائمة ب 5349 عامل ثم اليد العاملة الفلبينية 1644 شخص مقابل 390 كوري و287 ياباني 371 تركي، 258 سوري وفي الأخير 110 إسباني. وللتقليص من عدد الأجانب العاملين بهذه القطاعات فقد فرضت الوزارة الوصية إجراءات جديدة من شأنها أن تحدد من النسبة المسجلة بالولاية بدءا بحذف بعض الحرف من القائمة إلى ضرورة إيداع شهادة المستفيد من رخصة العمل لإثبات أهليته في الإختصاص المطلوب بعد ما كانت الإدارة من قبل تكتفي بجواز السفر فقط للإكتفاء باليد العاملة المحترفة إضافة إلى وثائق أخرى يلتزم صاحب الملف بإيداعها كعقد العمل ورخصة عمل مؤقتة. وتجسيدا لنفس البرنامج فقد تم إستحداث لجنة خاصة تضع ممثلين عن مديريتي التشغيل والوكالة المحلية للتشغيل لدراسة الملفات بطريقة دقيقة على عكس ما كان معمولا به سابقا وفي هذا الشأن تتولى هاته الأخيرة مهمة الفصل في الملفات المطروحة عليها والتأكد من صلاحية الوثائق المعروضة ومن صحة المشروع الذي تسيره الشركة لا سيما أن القانون يحدد شرط تحقيق المنفعة العامة للتأشير على الطلبات المودعة على مستواها مع تحديد عدد المناصب المفتوحة وإن كانت تتناسب وطبيعة المشروع . ونظرا لأهمية هذه المرحلة التي تسهل للأجنبي عملية الإستفادة من بطاقة الإقامة تشدد اللجنة الولائية الخناق على الأجانب الذين يتقدمون إليها بإلزامية إتباع كل الإجراءات المنصوص عليها قانونا قبل الإنتقال إلى مرحلة أخرى والتي تتعلق بالشطر الثاني وهذا على مستوى مصلحة الأجانب بالولاية التي تقوم هي الأخرى بالمصادقة على الطلبات إما بالرفض أو الموافقة أرقام بعيدة عن الواقع كل الإحصائيات التي ضبطتها مصلحة الأجانب بالولاية أثبتت الإرتفاع المقلق للتجار الأجانب الذين ينشطون بطريقة غير شرعية بدليل الأرقام البعيدة عن الواقع المسجلة السنة المنصرمة والتي لا تعكس العدد الحقيقي لهاته الفئات بإختلاف جنسياتها وإذ ما حاولنا مقارنتها مع الحصيلة الأخيرة للهيئة المعنية نجد أنها قد إستقبلت ملفين فقط لرعيتين مغربيتين فيما أن عددهم يتجاوز بكثير تلك الإحصائيات وهذا ما تؤكده الورشات المفتوحة التي أضحت تستقطب كما هائلا من المغاربة المتخصصين في تزيين الجدران بطريقة إحترافية نفس الملاحظة نسجلها بالنسبة لجنسيات أخرى كالسوريين مثلا الذين ينشطون في قطاعات عديدة كالري الحرف التقليدية والطبخ حيث لم يتجاوز عدد التأشيرات المقدمة 258 وثيقة فقط ومع ذلك يحترفون بشكل فوضوي الإختصاصات التي يكثر عليها الطلب منهم من إنتهت مدة إقامتهم بالولاية ولم يباشروا عملية تجديدها لأن القانون يفرض عليهم مغادرة البلد المستقبل لحين إستكمال الملف مرة أخرى وهو ما يدفعهم بطريقة غير شرعية كل هذه الحالات ما هي إلا عينة من التجاوزات المسجلة في المدة الأخيرة مما يتطلب تكثيف دوريات المراقبة والتنسيق بين الجهات المعنية لضمان متابعة صارمة من هؤلاء المخالفين.