الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله و على آله و صحبه و من ولاه أما بعد: إن فترة الصيف فترةٌ فيها منافع، فمن انتفع بها فقد أحسن إلى نفسه وإلى مجتمعه، ومن ضيع الساعات بلا مكاسب نافعة فقد أساء إلى نفسه وإلى مجتمعه، وإن الإنسان لا يمكن أن يبقى متوقفًا بلا عَمَلٍ؛ فقد خلقه الله بإرادة يتبعها عمل، وآتاه الله القدرات والصفات التي يتمكن بها من تحقيق الآمال، والقيام بالأفعال بإذن الله. والإنسان بين تفكير وإرادة وعمل دائمًا لا ينفك عن ذلك، كما قال النبي:(أصدق الأسماء حارث وهمام) والمعنى:أن التفكير في الفعل والقيام بالأفعال ملازم لكل إنسان، فالحارث هو العامل، والهمّامُ هو المريد للأفعال. والإنسان قابل لعمل الخير، وقابل لعمل الشر؛ لما ركب الله فيه من الصفات، قال الله تعالى:وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا.وقال تعالى: إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا. فمن صَلُحَ وأَصَلَحَ في الدِّين والدنيا كان من المحسنين المصلحين، الذين وعدهم الله بقوله: فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ، وبقوله تعالى:وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ.ومن فَسَدَ في نفسه وأَفَسَدَ في الدِّين والدنيا كان من الشياطين المَخَزِيّينَ المخذولين، كما قال تعالى: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ العَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ، وقال تعالى:وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ. لقد بين الله تعالى أعمال الخير والشر، وأحل الحلال وحرم الحرام، وفَصَّلَ المباحات، فمن الناس من اغتنم الأوقات فَمَلأَ زمن عمره بالأعمال الصالحات، وانتفع بالمباحات ونفع المسلمين في دينهم ودنياهم، ففاز بخيري الدنيا والآخرة. ومن الناس من ضيع ساعات عُمُرِه في اللهو واللعب، ونسي حق ربه عليه، ولم يؤدّ حقوق الخَلَقِ فخسر خسرانًا مبينًا، وزمن الصيف وما شابهه يشاهد فيه الكثير من الشباب، ينتشرون في الشوارع والطرقات في ساعات الليل كُلِّهَا، ويَتَحَلّقُونَ على الأرصفة، ويرتادون المقاهي والمنتزهات، يسهرون الليل كلَّه ويعودون أنفسهم على ذلك، يقضون الأوقات على شرب الدُخَانِ ونحوها، ويخوضون في أودية الكلام الذي يضر ولا ينفع، ويجرهم ذلك إلى مخاطر تضرهم في دينهم ودنياهم وصِحَتِهمِ، ويجعلون نومهم في النهار فيفوتون على أنفسهم مصالح كثيرة، ويضيعون فرصًا عظيمة، ويَعْكِسون سنن الله؛ فقد جعل الله الليل راحة وسَكَنًا، والنهار معاشًا وعملاً. إن على الشباب أن يدركوا ما ينفعهم فيجتهدوا في تحصيله مستعينين بالله تعالى،وأن يدركوا ما يضرهم فيبتعدوا عنه، كما قال صلى الله عليه و سلم: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجزنّ) وكل يومٍ لا يعود أبدًا فهو شاهد لك أو عليك، وعلى الوالدَين والمعنيين أمانةٌ عظيمة، بأن يهيئوا للشباب ما يستثمرون به أوقاتهم، بإيجاد البدائل النافعة بتوجيههم إلى أنشطة نافعة، وحلقات العلم وتحفيظ القرآن، وامتصاص طاقاتهم في حدود المباح،وأن يراقبوا مداخل الشباب ومخارجهم، وألا يدعوهم نهبًا لجلساء السوء ونزوات الشباب، ومخاطر الفراغ ومُفَسِدِ العقائد والأفكار، ومجالس اللهو والضياع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:(كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالرجل راع في أهل بيته ومسئول عنهم، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عنه، والخادم راعٍ في مال سيده ومسئول عنه، وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته). إن لَذَّةُ الحياة ونَعِيمُها في عبادة الله تعالى والجِّدِ والعمل بكل صالح مفيد، ونَكَدُ الحياة وتَعَاستُها وشقاؤها في معصية الله تعالى وفي اللهو واللعب والكسل، واهتمامات البهيمية والغفلة عن عواقب الأمور، قال الله تعالى:اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ. ويقول ربنا جل في علاه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ.ومعنى نَسُوا اللَّهَ أي: نسوا أوامره ونواهيه فأنساهم أنفسهم، أنساهم أن يقدموا لأنفسهم خيرًا. وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ الْفَائِزُونَ. استثمروا الأيام قبل فواتها بالأعمال الصالحات،وبما ينفعكم في دنياكم وأخراكم، فالحياة المباركة هي حياة العمل الصالح الذي يُصْلِحُ كل شيء،والحياة الشقية هي الحياة التي يُضَيّعُ فيها الإنسان الأمانة،وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم:(نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ) وفي الحديث أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم:(لن تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع:عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه) وتأملوا قول الله تعالى:أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا.