عرفت المسلسلات والأفلام التركية خلال السنتين الأخيرتين إنتشارا واسعا داخل العالم العربي وأثرت تأثيرا بالغا واضحا على صغاره وكباره. وصرنا نلمس ذلك في جميع المجالات الحياتية حيث أصبح من الشائع أن مثل هذه المسلسلات التي سيطرت على أذهان الفتيان والفتيات العرب أثرت عليهم وجعلتهم يعيشون في وهم ولا يعرفون الحياة على حقيقتها هذا الوهم الذي تسبب في الكثير من الخلافات وحالات الطلاق، إذ أصبح البعض يطالب زوجاتهم أن يعاملوهم على طريقة معاملة نور لزوجها مهند في المسلسل الذي كان عنوانه »نور« فيما أصبحن هن يحلمن بأزواج بوسامة مهند وبشجاعة بطل مسلسل »القلب الشجاع « وعمَّار الكسوفي »في دموع الورد« ويتحدّين أزواجهن ويتعاملن معهم بكبرياء على طريقة »عاصي« أمّا إذا تحدثنا عن الخيانة الزوجية فحدّث ولا حرج، فمعظمهم الأفلام والمسلسلات التركية المدبلجة لا تخلو من مشاهد الغذر والخيانة الزوجية . والأخطر والمحزن في الوقت ذاته تظهر الخائن الغادر على أنّه ضحية وهذا ما حفزّ الأزواج وخاصة الزوجات على خيانة نصفهم الآخر مبرزين ذلك على أنهم ضحايا الزمن والأيام جاعلين من ذلك أعذارا للمضي قدما نحو طريق الحرام، والمعروف أن مسألة الخيانة ملموسة في كل زمان ومكان لكن بنسب متفاوتة بين مجتمع وآخر مع أنها آفة تحرمها كافة الأديان على أساس أن الزواج رباط مقدس لا يجوز تلطيخه أو المساس به، ورغم ضآلة الخيانة داخل المجتمع العربي منذ القدم إلا أنّه إذا ما خدع الرجل زوجته وانكشف أمره يمكن أن يقول أن تلك المرأة زوجته الثانية على أساس الشرع والدين فيما تظل الزوجة الخائنة تغرق في الحب الحرام سرا ويظل أمرا لا يعرفه سوء الله تعالى أما اليوم وبعد أن أظهرت المسلسلات المشجعة على الخيانة على أن الخائنة ضحية فقد أصبحت تتلهف شوقا إلى الدقيقة التي تسرد فيها حكايتها على صديقاتها المقربات مع أخذ الإحتياط حتى لا يكشفها زوجها متجنبة للمشاكل.. للمشاكل وفقط فلا يهمها إن كشف الجميع أمرها ماعدا زوجها لأن الأمر فيه سين وجيم وعنف ومحاكم ولم يقف تأثير هذه الأفلام التي انتجت بناءا على سيناريوهات معظمها تشجع على الخيانة الزوجية إلى هذا الحد والتسبب في حالات الطلاق والمصائب التي حلّت بمجتمعنا ولكن تعدّت إلى أن أن أصبح الشبان الصغار والكبار ينامون ويفيقون عليها واستحوذث على تفكيرهم ولقاءاتهم وأحاديثهم المشفقة على الخائنات إذ أن لا يوجد ولا فيلم لا توجد فيه امرأة تخون زوجها أو زوج يخون زوجته فنجد في مسلسل »دموع الورد« نرمين لاتزال مغرمة بعمار بعد زواجها من أيمن، ومهند لايزال متعلقا بحبيبته نهال قبل أن يتفطن أنه يحب زوجته بعد عذاب طويل في مسلسل »نور« وفي مسلسل »أيلول« أياما قبل زواج ربّ عملها يتخلى عن خطيبته لأنها يحب مربية أولاده أما في »الزهرة البيضاء« فعمر يخدع زوجته مع حبيبته السابقة ليعود ويخدع خطيبته مع طليقته أما في »ندى العمر« فبعد أن تتزوج نهال من عامر تتفطن إلى أنها تحب ابن خالتها وزوجها يخونها مع أخرى التي هي أخت ابن خالتها من الأب في حين كان في السابق يخدع صديقه باقامة علاقة مع زوجته أما زوجة أب البطل فقد قتلت زوجها لتتمكن من الزواج من عشيقها الأصغر سنّا والموظف كمخام لدى شركته الذي أحدث ضحية كبيرة داخل الوطن العربي ولقي نجاحا كبيرا رغم أنّه ينشر أفكارا هابطة داخل مجتمعنا حيث يعشق شاب زوجة عمه أو بمثابة العم والأب الذي ربّاه لتبادله القبل والعناق والرمي في الأحضان طيلة أشهر من حلقات المسلسل في دور الضحية التي أبكت الجماهير عندما قتلت نفسها أما إذا سرت في الشارع فالأزياء والأحذية وتسريحات الشعر وحتى الريجيم ذاته واضطرت الحلاقات أن يبرعن في تسريحة عاصي أو لميس خلال السنة الماضية وتسريحة سمر خلال السنة الجارية وأحذيتها ذات الكعب العالي المتميز عن الموديلات السابقة والملابس القصيرة العريضة التي اكتسحت الشوارع وأذهبت حياء وماء الوجه ووقار الأولياء واحترام العادات والتقاليد والعرف وبكل أسف حرمة الدين والحمد للّه تعالى أننا نقول البعض وليس الكلّ، وبين تسريحة لميس ولباس سمر وعطر نور نلاحظ أنّه لم يبق من حكم ولا سلطة للأولياء على أبنائهم بعد أن أصبحوا يشاركونهم في متابعة المسلسلات حلقة بحلقة ليس هذا وفقط.. بل وحتى المواليد الجدد الأبرياء بعد أن كانت تختار أسماؤهم على قاعدة »حمّد وعبّد« أضحت تختار على قاعدة. أبطال وبطلات الأفكار الهابطة، وفي الوقت التي كانت صور البراءة والطبيعة والتراث تزين حائط المصور الفوتوغرافي أضحت اليوم الجدران ملكا لمهند ولميس وسمر وما شابههم...وفيما كانت مقاهي الأنترنت محطة لبحوث الطلبة والتلاميذ وربط جسور المحبة والصداقة أضحت مثل المحطات والقنوات التلفزيونية بحثا على الحلقات الضائعة أو استباقا لمشاهدة الحلقات الأخيرة للمسلسلات التركية. أمّا عن المدارس فقد كتبت احدى الشابات في صفحة على إحدى المنتديات المعارضة لهذه المسلسلات: العلم »نور« والمدرسة »سنوات الضياع« والإمتحانات »لحظات وداع« والنجاح »الحلم الضائع« ونهاية السنة »كحدّ السكين«.. ونطير »بالأجنحة المنكسرة« ...بحيث تكون هذه الكلمات المحددة مجموعة لعناوين مسلسلات تركية. إضافة إلى هذا إنتشار المطاعم التركية بأطباقها على رأسها »البرغل« التركي و»حساء العدس« وجبات أخرى وحتى الآثاث وغرف النوم أصبحت تركية * أين رمضان الكواسر والجوارح وحكايات ابن الرومية؟ كان سائدا في الماضي مقاطعة القنوات العربية للأفلام والمسلسلات الأجنبية خلال شهر رمضان واعتمادها على بث انتاجات محلية وعربية وبالأخص التي تحمل الطابع الإسلامي أو من التراث العربي إضافة إلى الفوازير ومقالب الكاميرا المخفية، إلاّ أنّه خلال شهر رمضان الجاري لهذه السنة لوحظ بث أكثر من مسلسل تركي على أكثر من قناة عربية. ولا يختلف أحد على أن اللهجة السورية ونظرا لقربها من قلوب المشاهدين العرب شاركت بقسط كبير في انجاح هذه المسلسلات والأفلام داخل الوسط العربي لكن ما أصبح يلفت الإنتباه هو غياب المسلسلات السورية المعروفة بقوتها من الساحة حيث أصبح المشاهدون الذين كثيرا ما افتخروا بالإنتاجات العربية الأصيلة القائمة على الحكمة والعبر يفتقدون إلى مثل مسلسلات الكواسر والخواطر والقعقاع وباب الحارة التي أسرت قلوب وخطفت عقول العرب وأضحى الخوف قائما على أن تسير السينما العربية على مسار غيرهم حيث أنّ بعض المسلسلات المنتجة مؤخرا أصبحت تحمل بعض الأفكار قد تدق ناقوس الخطر مثل »الخبز الحرام« و»العشق الحرام« و»صبايا« ومسلسل »ما ملكت أيمانكم« وهي مجموعة قليلة تحمل بعض الأفكار منها التحرّر لكن ما إن تعمقنا في الفيلم تبين أنه بإنحراف مثل الحرية المطلقة للبنات والحرية في لباس المسلمة الشرعي حيث لا بأس بأن تنزع الحجاب بعد الزواج والمفهوم الخاطئ لتعاليم الإسلامي بحيث تفرض أمور بالقسوة والقوة لا باللين والتعقل على الفتاة ناهيك عن العلاقات المحرّمة وارتكاب المعاصي بغض النظر عن عرض الفكرة بتأييد أو معارضة سلبا أو ايجابا لأن المشاهدين ليسوا كلهم عبارة عن نخبة مثقفة لكنهم عبارة عن أشخاص من المجتمع يشاركون في هدمه أو بنائه تبعا لأفكار مكتسبة. * الأتراك لا يشاهدون هذه المسلسلات وإن هذه الأفلام التي عرفت رواجا كبيرا داخل الوسط العربي حتى الأتراك لايشاهدونها وعلى الأغلب فإن بعض أبطالها الذين أصبحوا مشهورين لدى العامة العربية هم بالكاء مجرّد ممثلين عاديين وحتى البعض مجهولين في الوسط التركي، والساهرين على هذه الأفلام هم مجموعة من المنتجين الذين لايمثلون الشعب التركي المسلم وهم مجموعة تجار همهم وهدفهم الأوّل والأخير هو جمع الأرباح من وراء سيناريوهات متشابهة لوحظ أنهها لقت استجابة من قبل المشاهد العربي لأنها تحمل أفكارا جديدة وثقافة وعادات وتقاليد مختلفة عن أفكارنا ثقافاتنا وتاريخنا. * آراء بعض المشاهدين وعلى حسب بعض المشاهدين الذين تابعوا معظمهم هذه المسلسلات أبدوا رأيهم على أنّها مجرّد مسلسلات يتابعونها للترفيه فقط بإقتناع على أنها مجرد قصص وروايات فيما كان للبعض الآخر رأي ثان على أنّها مسلسلات تافهة ليس لها أهداف تدعو وتحفر على إقامة علاقات غير شرعية وتدعو إلى قيم واخلاق يرفضها الإسلام والمسلمين وهي أكثر خطرا على فئة المراهقين الذين هم أساس بناء المجتمع في المسقبل، كما أضافوا أنّ كل المسلسلات التي تم عرضها على الشاشات العربية تافهة بإستثناء مسلسل »وادي الذئاب« واعتبروه مسلسلا جريئا يعالج موضوعا يتعلق بالقضية الفلسطينية وعلاقتها مع إسرائيل هذا الفيلم الذي يحوي على عدة أجزاء بأفكار وحقائق جريئة. أما الرأي المخالف لفئة ثالثة من المشاهدين وأغلبهم من الشبان فقد أبدوا هذه الأفلام على أساس أنها تملأ وتشبع الفراغ العاطفي الذين يعيشونه وتروي قصصا عاطفيا يملأها الشغف وعلى أساس أنها تترجم ما يحصل في الواقع ولا تفرض أو تصنع واقعا جديدا إضافة إلى عرض ثقافة بلد مسلم والإستمتاع بمشاهدة الصور بالألوان التي تبهج الناظر وكذا التعرف على الموضة والأزياء السائدة بهذا البلد. وقد أشار غيرهم إلى أن معظم هذه المسلسلات عبارة عن سيناريو واحد يدفع إلى الملل بإختلاف بسيطة في بعض الأفكار وأوجه البطولة تتحدث عن الحب والخيانة والفراق والإنتقام كما أنّه كثيرا ما تصيب المشاهد بالإحباط بعد حرصه على متابعة القصة لأشهر عديدة في انتظار لنهاية سعيدة لينتهي المسلسل غالبا يموت البطل أو البطلة وفي إبداء رأي آخر للشابات حول هذا الموضوع قالت »في الماضي سلبت الأفلام الهندية عقول العرب وقد انسجموا معها ولكن يكفون عن التفكير بها ما إن يكتب على الشاشة كلمة »د.آد«.. »النهاية« ويعود المشاهد لانشغالاته اليومية كما شاركت كاسندرا وآناكرستينا خمينا وراكيل في فراغ الشوارع عند الظهيرة لعدة ساعات ولم نعد نرى أحدا في الشارع في وقت العرض إلا للضرورة وقد ألحقت هذه المسلسلات المكسيكية في التسعينيات ضررا بلغ أشده احتراق بعض وجبات الغذاء لتعود الحياة الى طبيعتها فور إنتهاء المسلسل وبعد مشاهدة الحلقة الأخيرة مباشرة، أما هذه المسلسلات التركية المترجمة فقد ساهم في حرق بعض قيم المجتمع العربي المسلم وتفسد الأمة خلقا ودينا«. هذا ويأمل بعض المشاهدين على حسب ما ورد على بعض صفحات »الفايس بوك« على أن يحسن الساهرون على شراء المسلسلات وبثها الإختيار لأنهم مسؤولون على الأفكار التي تدّسها وبعثها داخل الوسط خاصة من فئة الشباب وعلى أن لايعتمدوا على شراء المسلسلات ذات الأفكار الهابطة لمجرد أنها أقل ثمنا لأن بقية الثمن سيدفع بشيك أبيض وبثمن باهظ يذهب ضحيته أبناء العرب وجيل المستقبل كما تمت الإشارة الى أن هذا يسيء إلى السينما والإنتاج التركي نظرا لإقتناء الأقل ثمنا والأضعف فكرا فإن الساحة الفنية التركية تحوي على انتاجات تلفزيونية قيمة ورائعة يمكن من خلالها إعطاء الصورة الحقيقية لهذا البلد المسلم.