حيزية ابنة أحمد بلباي المولودة في 1855 والمتوفاة في 1878 غناها وتغنى بها أكبر المطربين الجزائريين من أمثال، البار اعمر، رابح درياسة، خليفي أحمد، عبد الحميد عبابسة، ورضا دوماز. كما اهتز لقصتها أحد أكبر الشعراء العرب، الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة ليخلدها في الوطن العربي بقصيدته «حيزية عاشقة من رذاذ الغابات». هي ابنة سيدي خالد اختارها القدر أن تُدون في قاموس الحب الأسطوريي بكل درجاته من هوى وصبابة وعشق وشغف وغرام خالقة بذالك قاموسا آخر موازيا للمعاناة والألم والجرح والغياب والفقد المرتبط بالنهاية التي تحول كل شيء إلى ذكرى وفقط. امرأة كتب لها من خلال نص لا يضاهيه أي نص في توصيف جسد المرأة وجمالها تُخزن كلغة وكصورة في قلب الميراث المغاربي والعربي والإنساني كتراث مادي يجب حمايته والحفاظ عليه. وأنت تحاول أن تلمس المرأة الإنسان من خلال القصيدة الشفهية والتي دونها أول مرة وحافظ عليها في كتاب مع مجموعة من القصائد الشعبية المغاربية « كونستانتان لويز سونيك» في إطار اهتمامه بالموروث الشعبي المغاربي. وأنت تجمع أنفاسك وخطاك لتقترب منها محاولا ملامستها وجس نبضها وأوتارها الخفية، والغوص في موسيقاها وغنى صورها وانزياحاتها، تتشابك في ذهنك الخيوط وتتقاطع الاحتمالات والتأويلات إذ يمتزج نسيجها بين الواقع والحقيقة لتتحول الحكاية إلى أسطورة يكون العشق بكل أسمائه وأوصافه وتحولاته وارتعاشاته هو الصورة الدرامية بعينها لقصة سْعيد وحيزية ابنة العم الممنوعة أو المحرمة أو المتاحة التي سرقها القدر. قصة هي مسار لأكثر من حياة ولأكثر من موقع ولأكثر من حدث تخلدها اللغة الشعبية بكل ما ملكت من قوة، تفجر الصخر إلى عيون ماء زلال وتحول الرمل حروفا وأبجديات لها نفس وروح وتحول رياح الصحراء إلى رجع صدى لآهات وعذابات سعيد وحيزية. كم كانت وحيدة حيزية الذاودية الهلالية بنت أحمد بوعكاز لما أصبح لقلبها جناحان يرحلان بحكمة الصحراء وسط الواحات الحافظة للأسرار وأخبار الأولين. كم عاشقا خبأ وجده في أحضانها وكم عاشقة هاربة من الرجم توسدت رملها وغفت في حجر نخيلها تنتظر رطبا يتساقط يشبع شغف الوحم ويعطي طعما آخر لريقها الفتي. وكم كان وحيدا سعيد في حضرة إبن قيطون وهو يهديه دمعه وجرحه ووجده ليتحول شعرا ونصا ملحميا مأساويا مباشرة بعد وفاة حيزية سنة 1878. أسئلة كثيرة يمكنها أن تطرح، فالقصة والقصيدة والشخصيات المحورية والأحداث كلها قابلة للتأويل، وهذا ما يجعلها أكثر قوة ويدخلها في صلب الأسطورة، ولماذا لا يكون ابن قيطون هو العاشق الحقيقي نظرا لدقة التفاصيل والتوصيفات التي لا تتأتى ولا تتاح إلا بحميمية العلاقة وحميمية الأمكنة وحميمية الذاكرة المشتركة، وهل ذاكرة اسعيد كانت قوية لدرجة التأريخ لكل الأمكنة والتفاصيل التي لا يمكن لأحد ان يعرفها إلا هو. كل هذا لا يهم. ما يهم كيف نجعل هذا النص في الواجهة لأنه يستحق أكثر وأكثر مما قدم له، وحيزية كنوذج للمرأة من خلال القصيدة الملحمية نفسها يمكنها أن تقدم في المسرح والسينما والأوبرا بقوة ما قُدم عن الملاحم الإنسانية الكبرى ومنها قصص الحب المأساوية والدرامية مثل روميو وجولييت، تريستان وإيزوت الدراما الموسيقية التي خلدها «ريشار فاغنر» ، قيس وليلى، عبلة وعنتر، كارمن، وغيرها من الأعمال الموسيقية الدرامية التي خلدت أجمل ما في الإنسان وهو الحب. فلنثق في الشباب المتخرجين من المعاهد المختصة وأولائك الذين لهم موهبة متميزة ونفتح لهم الأبواب. الكل يعرف حيزية، والكل سمع الأغنية بمختلف الأصوات والألحان، هي كلمة فقط لتحريك الذاكرة ومحاولة لكسر الأبواب الموصدة؟؟؟