- تعد عائلة "نمّار" الثورية أبا عن جد إحدى العائلات الشلفية التي قدّمت النفس والنفيس في سبيل محاربة الاستعمار الغاشم واسترجاع السيادة الوطنية من خلال التضحيات الجسام لأبنائها وبناتها في ميدان الشرف الذي طيّبت دماءُ اثنا عشر (12) شهيدا منهم ترابه فكانت معارك الولاية الرابعة التاريخية شاهدة على ثورة أفراد هذه العائلة سعيا للحرية والاستقلال. ولا تزال جبال الونشريس وغابات بني بوعتاب ومناطق أخرى بعين الدفلى وتيسمسيلت تتواتر تضحيات هذه العائلة التي جاهدت ب 24 فردا في المجموع ما بين نساء ورجال حتى غدت كل مناسبة تاريخية بولاية الشلف تتوقف عند بطولاتها خصوصا الاثني عشر شهيدا التي ضحت بأرواحها فداءا لاستقلال الوطن. وايمانا بحجم التضحيات التي قدّمتها عائلة "نمّار" إبان حرب التحرير وتزامنا وذكرى يوم الشهيد حاولت وأج الرجوع بالذاكرة المحلية التاريخية والوقوف عند تشبع الجزائريين بالوطنية ومقاومتهم لكل أشكال الاستعمار والاستبداد فكانت وجهتنا نحو بلديتي واد الفضة و الكريمية بحثا عن مجاهدي هذه العائلة ممن بقوا على قيد الحياة. المجاهد الحاج محمد الصغير نمّار (82 سنة) من بين أبناء هذه العائلة التقته وأج بأعالي جبال بني بوعتاب حيث يعكف في كل مناسبة تاريخية على زيارة رفقة أبنائه من الجيل الجديد هذه المنطقة التي سقط فيها أباه وجده و أحد أعمامه وكذا أبناء عمومته تباعا في ساحة الشرف ذودا عن الوطن ورفضا لكل حالات الاستبداد والاستعمار حتى أضحى جميع أفراد العائلة مبحوثا عنهم من قبل سلطات الاحتلال، وفقا لذات المتحدث. ويسترسل المجاهد "محمد الصغير" الذي كلف غداة انطلاق الثورة التحريرية بمهمة المقتصد أو المحاسب المالي في الحديث عن أول شهيد في العائلة وهو عمه نمّار محمد الذي استشهد في احدى معارك المنطقة شهر سبتمبر 1956 ليتوجه فيما بعد أفراد العائلة واحدا تلو الآخر نحو العمل المسلح حيث كانت مناطق بني بوستور، بني بوعتاب، الكريمية، و وارسنيس مسرحا لبطولاتهم وشاهدة على تضحياتهم. قائمة شهداء عائلة نمّار لم تخلو كذلك من الحرائر الشلفيات اللاتي رافقن أزواجهن وأبناءهن في معركة النضال فكن السند العائلي والدعم المعنوي وحتى الميداني من خلال المساعدة في معالجة المجاهدين أو التكفل بمهام نقل الأخبار والمعدات على غرار الشهيدة الطاوس زوجة محمد نمّار أول شهيد للعائلة بالإضافة إلى الشهيدة خيرة بوقلال، حسبما ورد في كتاب مذكّرات من الونشريس للمجاهد محمد الصغير نمّار. المجاهد الحاج عبد القادر نمّار (75 سنة) المعروف ثوريا باسم "قويدر" هو الآخر أحد الأفراد الست من هذه العائلة الثورية الذين لازالوا على قيد الحياة يسترجع بكل اعتزاز وفخر بطولات عائلته خلال عديد المعارك أين كبّدوا العدو الغاشم خسائر جسيمة في العدّة والعتاد على غرار معركة بني بوستور ليستشهدوا وهاماتهم مرفوعة خلّدت أسماءهم بأحرف من ذهب قال ذات المتحدّث الذي أشار إلى أن بعضا من أفراد عائلته استشهد في ساحة المعركة والبعض الآخر تحت طائلة التعذيب على غرار الشهيد البطل "سي أحمد نمّار" سنة 1959. وفي أجواء مفعمة بالروح الوطنية والذاكرة التاريخية يعود بنا الحاج قويدر الذي لا تزال آثار اصابته في رجله تروي كفاحه إلى سنوات الثورة محصيا أفراد عائلته الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل أن تحيا الجزائر مستقلة حرة وهذا خلال الفترة الممتدة بين 1956 و 1961، كما قال.
-- تضحيات للاعتبار ورسالة لحمل أمانة الشهداء --
عائلة نمّار الثورية التي قدّمت 24 مجاهدا واستشهد منها 12 فردا إبان ثورة التحرير وتوفي ست آخرون عقب الاستقلال لم يبق منها اليوم على قيد الحياة إلا ست مجاهدين لازالوا يروون لأحفادهم مسيرة عائلة جعلت من التضحية في سبيل الوطن مبدأ فوق كل اعتبار ومن الحرية غاية مهّدت لجزائر آمنة ومستقلة تتواصل أجيالها اليوم من خلال كل مناسبة مع تاريخها وتضحيات آبائها. و يقول المجاهد محمد الصغير نمّار في مذكراته أن "...هناك عائلات أبيدت عن آخرها وهناك عائلات دفعت العديد من أبنائها وآبائها وأعمامها وأخوالها من الرجال والنساء وحتى الأطفال شهداء على سارية الوطن" مؤكّدا أن ثمن الاستقلال كان باهظا جدا لا يشعر به إلا من عاشه " فظاعته لا تنسى وحتى لا ننسى وجب على أجيال اليوم محاكاة ذلك التاريخ الناصع ...التواصل بالوجدان مع ذلك الجيل الوطني المؤمن وتلك التضحيات الجسيمة". من جانبه يرى المجاهد قويدر أن تضحيات هذه العائلة وشهداء الثورة التحريرية عموما لا يجب إلا أن تتمم بمعركة الجهاد الأكبر من خلال الحفاظ على أمانة جيل الثورة الذي عاش الحرمان والتشرد وعانى من ويلات الاستعمار "فقط لتبقى الجزائر شامخة وينعم أهلها اليوم بنعمة الاستقلال والأمن". هي رسالة تاريخية تتناقلها الأجيال في الجزائر يوميا وتستوقف عندها الذاكرة الوطنية غداة كل مناسبة لتسلط الضوء على أبطال قاوموا محتلا غاشما وقدّموا دروسا في الوطنية ضحوا بأرواحهم وممتلكاتهم على غرار شهداء عائلة نمّار فاستوجب على شباب اليوم الاعتراف والتأريخ لهم وكذا الاستلهام من تضحياتهم في سبيل مواصلة معركة بناء وتشييد جزائر العزة والكرامة.