الانخراط في قراءة مؤلّف «السّمة والنص السردي» للناقد حسين فيلالي، يفرض على القارئ طقسا معيّنا لمحاولة الاقتراب من اللغة ذات المسند النّقدي والخصوصية المفاهيمية التي يبحث عنها المؤلف، فهو لا ينفك يقدّم الرّؤى حول النص، متجاوزا المتداول من أفكار نقدية كأنساق نهائية في محفل النّقد والحداثة، ممتلكا حسّا نقديا قلقا نافرا من المقولات الجاهزة إلا في سياقاتها القابلة للمساءلة والاختلاف، ومن هنا تأتي أهمّية الكتاب. وجهة نظر/رؤية للإشكال النّقدي: ينطلق النّاقد من جدلية مفادها أزمة النّقد الحداثي العربي، معلنا أنّه ليس لديه حلا نهائيا، ولكن حسبه أن يثير السّؤال حول «خطورة تجاهل خصوصية النص العربي»ص5، هذه الخصوصية التي يبحث عنها النّاقد والتي لها علاقة وطيدة بما سيطرحه من «ضرورة تكييف المنهج مع طبيعة النص الأدبي»ص/23، فالنّاقد لا يقدّم مجرّد قراءة تابعة تنطلق من الأداة النّقدية وتنتهي عند النص، فتقبر بذلك الرّؤيا التي «تضيء أمكنة الشك وتوسع دائرة اليقين» حسب تعبير ميشال أوتون/ص22، بل يحاول أن يؤسّس لوجهة نظر تبتعد عن نقد المماثلة وتقترب من نقد الاختلاف معتمدا على الرأي والفكرة، الفكرة التي أصبحت ميّتة وفقدت صلاحيتها لعدم قدرة التواصل معها فهما ونقدا واجتهادا. المفهوم/ قراءة في الخصوصية: يعتمد النّاقد حسين فيلالي في تقديمه لوجهة نظره على ما يعتقد أنّه إبداع نقدي ذا خصوصية، فيقسّم الدراسة إلى جزأين، نظري، يحاول من خلاله استحضار الأدوات وترتيب الرّؤية، وآخر تطبيقي ينصبّ فيه الاشتغال على المضمون مركّزا على مضمر المعنى مميّزا بين «النص الشفّاف والنص المحجب»/ص12، وهذا التمييز يتّخذه الناقد كتكئة للوصول إلى عملية إدماج القارئ في مناخات النص ليتأهّل بعد ذلك إلى مستوى «القارئ/الناص»/ص13، المعوّل عليه في تجاوز مراحل ليِّ عنق النص لصالح منهج لا «يذعن لشروط إنتاج النص»/ص24، فتضيع بذلك خصوصية هذا الأخير، والنّاقد يضع بيد القارئ الآليات التي تتيح له التعامل مع النص في مستوى «حفري» بتعبير فوكو، ومصطلحات «النص الدّليل» و«النص التعبير»/ص14، هي مطارحات نقدية تغري بتشكيل التصوّر حول النص في مستوى الندية، لكنّها تبحث عمّا هو باطن للوصول إلى قصدية الناص، وإن كانت غاية صعبة المنال، ثم بعد ذلك إفراغ النص من الحمولة الإبداعية المضمرة التي بقدر ما يتمنّع النص في إخفاءها بقدر ما يصرّ القارئ الناص على كشفها، ومحاولة القبض عليها لإراحة النص/ الناص من عياء الإضمار والتخفي، ولعل قراءة نص «نوار اللوز» ومحاولة استجلاء «جمالية الزّمن»/ص73، توضّح بعضا من منهج الناقد في القراءة، فحصار المعنى المراد واستتباعه، ثم تسليط الضوء عليه وتعريته من كافة أوجهه حتى ليغدو بؤرة للتفجر القرائي، فالزّمن أو بالأحرى جماليته في رواية «نوار اللوز» حسب قراءة الناقد، أخذت أبعادا مساءلاتية استنفذت منه الناقد جهدا استبطانيا لذات الرّاوي/السارد لاستجلاء الزّمن المتخفي اللاشعوري وهو مستوى آخر من المنهج النّقدي لدى حسين فيلالي. يتبع