لا تزال رواية *تشرفت برحيلك* للكاتبة الجزائرية *فيروز رشام* حديثة النشر (2017) لم تصل بعد إلى القراء والنقاد بشكل واسع لكن القليل ممن وصلتهم يجمعون على أنها رواية استثنائية. رواية تعيد مساءلة تاريخ الجزائر المعاصر وقراءته من منظور نفسي واجتماعي وثقافي لترصد التغيرات والتحولات التي طرأت على بنية المجتمع منذ بداية التسعينات التي تزامنت مع نشاط الحركات الإرهابية المسلحة وتنامي الفكر الديني المتطرف الذي كلف الجزائر ربع مليون ضحية خلال عشر سنوات وخرابا اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا لا يوصف. * تشرفت برحيلك * ليست رواية عادية، رواية تأسر قارئها وتشده بقوة من البداية لتنقله في رحلة إنسانية مفعمة بالعواطف والمواقف، رحلة استكشاف للذي حدث في عشر سنوات من الدموية وعشر سنوات أخرى من التيه والضياع لم يعرف فيها الجزائريون أي طريق يختارون، وذلك من خلال قصة معلمة تعرضت لشتى أنواع القهر النفسي والاجتماعي الذي تسبب فيه التطرف الديني الذي قلب بنية المجتمع وأخلّ بسلم القيم بشكل غير مسبوق. مأساتها بدأت بالتحاق شقيقيها بالجماعات الإرهابية المسلحة ثم زواجها مرغمة من رجل متطرف ومنغلق له شقيق إرهابي أيضا، وتنتهي بتحول ابنها لسلفي منغلق رغم صغر سنه ورغم حرصها على حمايته من تطرف العائلة لكنه كان ابن بيئته. وما بين العنف الزوجي والاستغلال المادي الذي أنهكها لسنوات حيث كانت عاملة لكن لا تقبض أجرتها التي استولى عليها الزوج في أول شهر من الزواج، وما بين أربعة أطفال في البيت وأربعون تلميذا في المدرسة كان العذاب ينخرها لتختل نفسيا وتصاب بسرطان الثدي، وتجد نفسها في النهاية بعد كل التضحيات التي قدمتها مطلقة ومنبوذة فتضطر لمواجهة قدرها لوحدها. *تشرفت برحيلك* رواية متقنة الحبكة، سلسة اللغة، ومتدفقة السرد. إنها رواية القضايا الكبيرة (الإرهاب، التطرف الديني، العنف الأسري، سلطة الذكورة، الحريات الفردية...) منسوجة من خلال التفاصيل الصغيرة (اللباس، المعاملات، العلاقات، العواطف...). رواية ثرية بتعدد شخوصها واختلافاتهم السيكولوجية والسلوكية حيث لكل واحد منهم موقفه الخاص اتجاه التطرف وكذا آلية دفاعه أو تخفيه التي يتحايل بها ليعيش. تمثل فيروز رشام جيلا جديدا من الكتاب الجزائريين الذين لا يزالون في بداية المشوار لكن يعدون بالكثير. تجربة أولى بخطوة كبيرة. رواية ناضجة، جريئة، ومختلفة. تقرأها كأنما تشاهدها فيلما، وتتفاعل معها كأنما عشتها فعلا. إنها رواية الترقب والتوتر، ورواية الدهشة والاكتشاف. في حوار سابق مع الكاتبة سألناها عن الرواية: هل روايتك إعلان لصوت المرأة باعتبارها تعالج أساسا معاناة النساء؟ فأجابت: كتبت هذه الرواية إعلانا لصوت الإنسان وليس صوت المرأة فقط فالرواية قدمت أيضا نماذج لأطفال ورجال كانوا ضحايا للإرهاب والتطرف الديني، لذلك بقدر ما هي نسوية هي إنسانية. للتذكير فإن فيروز رشام روائية وباحثة أكاديمية جزائرية تشغل منصب أستاذة محاضرة في كلية الآداب واللغات بجامعة البويرة في الجزائر. صدرت لها بداية سنة 2017 رواية ملفتة بعنوان *تشرفتُ برحيلك* لقت استحسانا نقديا، وكان قد صدر لها قبل ذلك كتاب نقدي بعنوان *شعرية الأجناس الأدبية في الأدب العربي: دراسة أجناسية لأدب نزار قباني*، بالإضافة إلى عدة مقالات علمية وفكرية، وهي من الكاتبات المهتمات بقضايا المرأة والفكر والثقافة ممن لديهن رؤية عميقة في الطرح.