( منذ أكثر من شهر اكتشف فريق من الباحثين الجزائريين و الدوليين بمنطقة عين الحنش بسطيف-300كم- شرق الجزائر أدوات حجرية وعظام حيوانات كانت تستخدم في القطع يصل عمرها إلى 2.4 مليون سنة ، و معنى هذا أنّ التعمير البشريّ للمنطقة ، كان موجودا في شمال أفريقيا قبل 600 ألف عام على الأقل مما اعتقد العلماء سابقا، مؤشرات عديدة تؤكد أنّ موقع عين الحنش هو ثاني أقدم موقع في العالم بعد موقع « غونا « في اثيوبيا ) .. خبر كهذا في الحقيقة لا يمكن أن يمرّ هكذا دونما تمعن، لقد سمعنا كثيرا عن حضارات كبيرة...و اكتشافات كثيرة، وكَتَبَ التاريخ أنّ التمركز الحضاري في النطاق الافروعربي كان على ضفاف الأنهار العظيمة «دجلة والفرات» و«وادي النيل» ،في سومر وآشور، بابل ونينوى كما في ديرتاسا، مرمدة، حلوان و الفيوم، و أيضا تل الحريري بسوريا ، أمّا و أن تتغير كلّ هذه المعطيات دفعة واحدة، وتندلق على وجوهنا دون سابق إنذار شظايا من الحقبة الاولدوانية التي سبقت بزمن كبير عصر معرفة الإنسان للكتابة والتدوين، يحقّ لنا أن نتساءل هل نحن الجزائريون مهد الإنسانية؟ ، على الأقل سيصبح لنرفزتنا مبررا ذلك أنّ الإنسان الجزائريّ حسب الاكتشافات الأثرية الأخيرة مارس ترف الانتظار و عرف الجرأة في تغيير الأشياء و تركيب الحياة. يعاودني التساؤل مجددا..هل هو تاريخنا الذي لا نعرفه؟؟ ،على حسب المعطيات الجديدة هذا الاكتشاف عاود تصحيح خط السير التاريخي. لا شيء ثابت هكذا يقول الأرشيف، كلّ شيء رهين بما تفرزه البحوث الاركييولوجية الجديدة. التي أصبحت وحدها أحد أهم آليات التي تحاول بعث ما طُمِسَ في عمليات التدمير التي طالت الإرث الحضاريّ العالمي يوم أحرقت مكتبة الإسكندرية و قرطاجة، و يوم فقدت كتب الملك يوبا الثاني وكتب الملك الفينيق همسال و غيرها. وفي الحقيقة وجدتُني منتشية أمام منظومة الانتشار الحضاريّ هذه، فجأة تناثرت أمام ناظري أهرامات الجيزة حجرة حجرة. وتهاوت حدائق بابل و مسلة حامورابي. و لاح لي من بعيد الإنسان الأطلسي الوهراني الأول و هو يُهذّب الحياة و يُكيِّف العِصيّ لاستعمالاته في أول تجربة مع الطبيعة. في كتابها «الطاسيلي ناجر» الصادر سنة 1998 تعود « مليكة حشيد « 10.000 سنة إلى الوراء فتقول:« يكفي أن تغلق عينيك و تنصت إلى أصوات الماضي المنطفئة..إنّه سفر طويل نحو عالم ساحر: الصحراء.. حيث الكتابات الحفرية شاهد عيان». هل كانت الصحراء بداية حكايتنا كنت أردد في خاطري؟، في الحقيقة استوقفتني بشدة تحليلات الدكتور محمد الطاهر العدواني في كتابه «الجزائر منذ نشأة الحضارة» حيث يقول جازما:« لا يمكن أن تكون منطقة عريقة مثل منطقة شمال إفريقيا، بما فيها الصحراء الكبرى وهي منطقة مفتوحة أن لا تكون قد أسهمت في نشأة وتطور حضارة وادي النيل» ص210. ويستطرد في مكان آخر من كتابه:« لم يكُن هذا المناخ الجاف سائدا آنذاك، كانت الصحراء مناطق كثيفة الغابات فسيحة الأرجاء وكانت تستفيد من موسمين من الأمطار صيفا و شتاءا «. ، و بعدما اشتدّ القحط و شَحّت السماء كانت هناك هجرة منظمة نحو الوديان الكبرى كتجربة متكاملة تبحث عن أفضل الأماكن للاستقرار. وحسب الدكتور محمد الطاهر العدواني دائما فإنّ:«معظم مواقع الرسوم الصخرية تقع شرقي وادي النيل في مواقع الأنهار الجافة و حين مقارنة الرسوم الصخرية بكلّ من النيل و الجزائر تبينّ أنّ الرسوم الجزائرية أكثر تطورا». أمّا حشيد فتقول:« حين كان ذوو الرؤوس المستديرة ينقلون حضارتهم على جبال الطاسيلي، مصر لم تكن موجودة أصلا». إنّ حديثا كهذا في قمة الأهمية يستلزم أصلا إنتاج منجز حضاريّ.. ماذا يمكن أن تحمله جبال الطاسيلي؟، كيف لنا الوصول إلى جذور التركيبة الثقافية لسكان الطاسيلي؟، ما هي الإضافة التي صنعت الفارق في أقصى جنوبنا؟، أو بالأحرى من سيفك شيفرة الطاسيلي؟ و للحديث بقية...