رغم أن المدرسة الرمزية ظهرت في أواخر القرن 19 عشر حوالي عام 1870، إلا أن استخدام الرمز في الأدب كما يؤكد لنا الناقد «مارتن تيرغل» كان قديما قدم الأدب نفسه:«بل إننا يمكن أن نصف كل أدب أروبا بأنه أدب رمزي» (خلفاء «بودلير-1943) فاستخدام الرمز في التعبير ما هو إلا مظهر من مظاهر اللغة، والاختلاف الحقيقي بين الرمزيين وغيرهم من الأدباء الذين استخدموا الرمز كوسيلة أدب فعالة يمكن في محاولة الرمزيين استخدام تلك الأداة اللغوية كوسيلة لاختراق حجب الغيب والنفاذ إلى عوالم لا تتوصل إليها الحواس، والوصول إلى ما أسماه «رومبو» في رسائل كاشف الغيب «بحالة من التوحد مع الله» بحيث نرى صورته المقدسة ونرتفع فوق تفاهات الحياة اليومية لتكشف أسرار الوجود ونعبر عن ما يستحيل التعبير عنه»... لقد حاولت المدرسة الرمزية إعطاء الرمز وظيفة روحية وبعدا دينيا متساميا بدلا من اعتباره أحد الأساليب الفنية مثله في ذلك مثل التشبيه أو الاستعارة أو الكناية...إن كل فن في الواقع، كما يقول الفيلسوف والناقد»إرنست كاسيرو»: «هو فن رمزي يرمي إلى تجسيد المعاني عن طريق الرمز سواء كانت هذه المعاني بسيطة و ملموسة في الحياة اليومية العادية-كما نجد عند المدرسة الطبيعية- أو غريبة غير مألوفة تنتمي إلى عالم ما فوق الحواس، كما هو الحال عند الرومنسيين أو الرمزيين» (مقاله عن الإنسان-1944)، لقد كان عالم ما فوق الحواس وعالم المعاني غير مألوفة هو العالم الذي تصدى الرمزيين للتعبير عنه واستخدموا لغة تنتفي منها الدلالة المباشرة، وتعتمد أساسا على الموسيقى والإيحاء والرمز في أبسط صوره هو علامة أو إشارة قد تكون صورة أو كلية أو نغمة لها دلالة معروفة أو معنى معين في مجال التجربة الإنسانية المحسوسة أو المتوارثة وربما كانت اللغة الهيلوغليفية التي تعتمد على الصور أوضح مثال على الرمز في هذا التعريف البسيط، والرمز هنا يصبح كما يقول «إرنست كاسيرو» وسيلة لتخزين وحفظ التجارب الحسية البسيطة العابرة بحيث تكتسب صفة الدوام التي لا يمكن للخبرة الانسانية أن تنموا بدونها» (فلسفة الأشكال الرمزية-1953). وترتبط الإشارات أو العلامات بمرور الوقت بشحنات شعورية تكون أحيانا جماعية متوارثة كارتباط الساحرات بالشر في مسرحية «ماكبث» مثلا وأحيانا أخرى فردية مستقاة من تجارب نفسية خاصة كارتباط صورة النمر المضيء في قصيدة للشاعر الانجليزي «وليام بليك الشهيرة «برهبة المجهول»، وعندما ترتبط إشارة معينة بشحنة شعورية متكررة نجد أن دلالة الرمز قد تخطت عالم التجربة الحسية البسيطة إلى عالم النفس والمعاني المجردة وأصبح تحديدها أكثر صعوبة، هنا لا يصبح الرمز تدليلا على عالم الحواس وإنما وسيط بين عالم الحس وعالم الروح والمشاعر-أي يصبح أداة للإيحاء لمعان قد يصعب التعبير عنها بأي صورة أخرى، كما يصبح وسيلة لإستشفاف المعاني الثابتة خلف المظاهر الحسية الزائلة أو المتغيرة، واستخدام الرمز ملكة أساسية في التفكير البشري.»كان الانسان البدائي كما يقول الفيلسوف الألماني ج. هيرودو:«يرى شجرة عالية تمتد فروعها العظيمة إلى السماء فتتملكه برهبة»، وعندما تتحرك أغصانها يكاد يرى الخالق يتحرك فيخر ساجدا ويتعبد...وفي مرحلة متقدمة تعلم الإنسان الأسماء وأصبحت الأسماء رموزا لتجارب حسية وتجارب شعورية، واكتسب معظم الأسماء دلالتين-دلالة أولى تنتمي إلى عالم الحواس-أي الشيء المحسوس الذي يشير إليه الاسم، ودلالة ثانية تنتمي إلى عالم الروح-أي الشحنة الشعورية التي يثيرها تذكر الشيء في نفس الإنسان. وأصبح الرمز لا يستدعي صورة فقط وإنما شريحة عريضة من التجارب الإنسانية أو شحنة كبيرة من الطاقة النفسية التي ارتبطت بالصورة التي يشير إليها الاسم، والرمز نوعان: هناك الرموز الجماعية المتوارثة وهي ما أسماه العالم النفسي «يونغ» بالرموز الفطرية التي تنتمي إلى الوجدان البشري الجماعي، تلك الرموز التي رصدها وناقشها باستفاظة عالم الأجناس «ج.فيروزو» في كتابه (الغصن الذهبي-1922) وهناك الرموز الفردية التي ترتبط بوجدان الفرد بعينه وتكون نتاج تجاربه الخاصة، وتتمثل تلك الرموز الفردية في الحياة اليومية في عادة التفاؤل والتشاؤم من أشياء تختلف من شخص لآخر، فالقطة السوداء قد تكون رمزا للخير عن شخص ما بينما تكون عند لآخر رمز للشر. يتبع...