هل يوجد إمكانيّة للمزاوجة بين الأدب والتّكنولوجيا؟ وهل هناك نصوص أفرزها العصر التّكنولوجي ،حيث أصبحت الشّاشة الزّرقاء هي الوسيط بين المتلقّي والمبدع؟ .. بالرّغم من اختلاف طبيعة الأدب والتّكنولوجيا ، فإنّ ثمة علاقة وطيدة بينهما؛ فالأدب في ضوء التّطوّر التّكنولوجيّ الكبير، استطاع أن يستفيد وأن يتأثّر به تأثّرًا بالغًا، فهو لصيقٌ باليوميّات وغير منفصل عنها، وكذا على المتلقّي أيضًا ، حيث أثمرت تلك العلاقة نوعًا جديدًا من النّصوص يجمع بين فنّيَّة الأدب وعلميَّة التّكنولوجيّ . يقول الكاتب أوجين يونسكو: "كلّ أدبٍ جديدٍ هو عدائيّ"، لذا تتفاوت آراء النّقّاد فيما يختصّ بالنّصّ الّذي يستخدم الوسائط والمؤثّرات التّكنولوجيّة، من صور وأصوات وروابط مركّبة، والوصلات الّتي تحيل إلى هوامش متفرّعة كما هو في النّصّ المتفرّع، وهو النّصّ الّذي يتمّ من خلاله بناء عالم استنادًا إلى عدد محدود من الألفاظ.. «امرأةافتراضية" عالم روائيّ ، استخدمت فيه الكاتبة بناءً سرديًّا محكماً، مليئًا بالتّعليقات ، اليوميّات ، السّرد والحوارات ، ويضمّ بين جنباته العديد من الشّخصيات من مختلف الأعمار، يجمع بين شتّى الأفكار، ويحوي الكثير من الجدل والموضوعات الشّائكة والحوارات . أرادت ليلى عامر من خلال (امرأة افتراضيّة) أن تبني عالماً روائيًّا مختلفاً، بافتراضٍ بدا مفرطاً في التّشاؤم وجانحاً إلى الخيال، وأن تشير إلى مرض نفسيّ لا يُنتبه له في كثير من المجتمعات العربيّة وهو (الفصام)، والّذي مازال الكثير من النّاس يعتقدون بأنّه مرض لا يعالج . وتلج الكاتبة لموضوعها من خلال عالم الفيسبوك أو المصطلح على تسميته "موقع التّواصل الاجتماعيّ"، هذا الموقع الّذي تنقضي فيه السّاعات والأيّام ،عندما يسأم البعض عالمهم الواقعيّ ويتمرّدون عليه، يجرفون بأرواحهم المتعبة الضّالة ليسبحوا في خيالاتهمْ.. الكثيرون تجذبهم الأحلام إليها برونقها، ولا تتركهم إلاّ بعد أن تُطعِمَهم الأمل .. مندفعين إلى ذاك الرّونق الجذّاب وتلك الهالة الزّرقاء الّتي تأخذهم إلى عالم الافتراضات؛ فتنسيهم عذاباتهم بين طيّاتها الخياليّة ، استراحة ينعمون فيها بعض الوقت ، ليزداد الأمر إلى غالب الوقت إن لم يكن كلّه، فيرحلون وينفصلون عن الواقع الّذي أصبح ما يحدث فيه يفوق الأحلام. تنطلق "ليلى عامر" من تلك الزّاوية الّتي تخصّصها للرّؤية الفنّيّة للعمل ،في محاولة لرصد تجلّيات تأثّرنا بذلك الموقع الإلكتروني الّذي أمسى حياة موازية بأبعاده.... هي مفردات وعبارات أصبحت جزءاً متداولاً بكثرة في حياتنا اليوميّة، تندسّ بين مفردات الرّواية وتتداول بيسر وسهولة داخل تفاصيل حياة أبطالها، ليجد المتلقّي نفسه أمام قصّةٍ ليست بغريبة عن مسامعه، وعالم يعرف عنه الكثير، وشخوصًا ليسوا ببعيدين عن شخوص يعرفهم ويقومون باستغلال موقع الفيسبوك، يخترقون خصوصيّته ، ينتهكون أسراره ، ويبتزّون مرتاديه .. ولا تجنح "ليلى عامر" بالموضوع إلى مناطق تسهب بالكتابة وتضجّ بالتّفاصيل الكثيرة الّتي قد تستلزم الاستخدام لمن يشاء الولوج إلى هذا العالم الأزرق، ولا تستعرض تفاصيل تقنيّة خاصّة بمستخدمي أجهزة الحاسوب وأنواعها، ولكنها تستخدم العرض الموجز للموقف والشّخصيات والأفكار، ونجد أنّ الشّخصيات تتوالى بشكل عرضي مفسّر ومتقن، يجعل المتلقّي يحصيهم (عددًا) ويفهم دوافعهم (سيكولوجيًا)، لكنّها لا تقدّم إجابة ما، أو تعرض حلاًّ، بل تتعمّق داخل مجتمع يتّسم بالبداوة وتنتشر فيه أدوات ومظاهر المجتمع العصريّ، وتكشف أيضًا عن حالة "شيزوفرينيا" المجتمع، وتعرض مشكلات التّفكير المجتمعيّ الّذي وقع بين شقّي رحى العصريّة، والتّمسّك بالنّمط المعيشي التّقليدي بما يفرض من التزامات مجتمعيّة على أبنائه من عادات وتقاليد.. وكما نعرف أنّ دور الأعمال الأدبيّة هو محاولة إزاحة السّتار عن المتوارى.. إلاّ أنّنا نجدها أحيانا تتعلق بأسئلة جذرية عن الأحداث، مثل: هل يمكن الحكم على الأشخاص من خلال علاقة افتراضية؟ وما معايير الفشل أو النّجاح الّتي يمكن الحكم من خلالها؟ ، أو كيف بدأ التّباعد بين أفراد الأسرة الواحدة والّذي وصل إلى حدّ العزلة الاختيارية ونشوء الأمراض النّفسية؟ وأودّ أن أشير إلى أنّ الكاتبة قد صدر لها مجموعة قصصيّة قيِّمة تحت عنوان "البقايا"، لكن من المؤكّد أنّ البحث عن التّفرّد غاية لديها، خاصّة وأنّها تمتلك ما يكفي من المهارة الحسّية كي تصيب الهدف الأدبيّ، وكما يشير أيضًا اختيار العنوان هنا على (ذكاء التّوظيف)، والّذي طالما استخدمته الكاتبة في المقدّمة ، وفي الاستهلالات الّتي تصدّرت كلّ فصل من الرّواية، وقد وُفِّقت الكاتبة في اختيارها للّغة المناسبة للنّصّ من حيث الموضوع، كما أجادت استخدام الرّمزية في كثير من المواضع بالنّصّ.. إنّ ليلى عامر تكتبُ من خلال رؤية ثاقبة وأفق ممتدّ، وثقافة مجتمعيّة ،ووعي وإلمام بمستجدّات العصر، وتعي تمامًا التّغيّرات المستحدثة لموضوعاته، مع الاحتفاظ بالموضوعيّة وضرورة أن يكون للكاتب هدف ورسالة، تُضمَّن للعمل إلى جانب المتعة الحكائيَّة.