هذه الإطلالة الموجزة تعد وقفة عجلة للتعرف على ملامح «النقد الرقمي» و»مواصفات الناقد الرقمي»، وهو ما يرجع إلى حاجة الثقافة الرقمية لتزكية وترسيخ عدد من المفاهيم. بداية يلزم التأكيد على مشروعية مقولتين، ألا وهما: أن الإبداع يسبق التنظير دائما.. وأن المنجز الإنساني لا يأتي إلا من حاجة. إن خطوة البحث عن المصطلح العلمي وتشييده مع تعميمه على مستوى الوطن العربي، هو مطلب ثقافي عام، وفي مجال الأدب الافتراضي يصبح مطلبا أكثر إلحاحا. إذا كان العالم العربي تعرف على الشبكة العنكبوتية (الانترنت) خلال عام 1998م وما بعدها، فقد شاع استخدام الشبكة وراج عدد المتعاملين معها، على درجات وأشكال متفاوتة ومتعددة، بل وهناك التجارب التي تسعى للتجاوز والتواجد الجديد لجنس الرواية والقصة القصيرة والشعر والمسرحية، ضمن محاولات للروائي «محمد سناجلة» في الرواية والقصة القصيرة.. وأيضا «محمد حبيب» لجنس المسرحية.. بإنتاج الرواية والقصة والمسرحية الرقمية، وربما لغيرهما من المبدعين الذين لم تسلط الأضواء عليهم ولم نتعرف عليهم بعد. وقد استقبلت تلك الأعمال وغيرها بقدر غير قليل من التساؤل والحيرة، ما بين القبول والإعجاب، والدهشة التي قد تعني التساؤل حول هوية تلك الأعمال. ترى هل حان الوقت لأن تنتج الثقافة الرقمية وعالم الشبكة العنكبوتية إبداعها الخاص؟ هل لدينا القارئ/الناقد المهيأ للتفاعل مع هذا المعطى الجديد؟ ترى هل نتوقع إضافة إبداعية جديدة بفضل الشبكة العنكبوتية مع الإمكانات التكنولوجية الهائلة الجديدة لجهاز الكمبيوتر؟ وقد تعيننا في هذا «نظرية التلقي» للمفكر «فولفانج ايزر»، حيث يعد القارئ أو المتلقي الأول للعمل هو الناقد الأول، وربما الأهم. لعل مجمل الآراء الرافضة للأدب الافتراضي بداية تتلخص في الآتي: 1-أن المقولة بمصطلح «الأدب الافتراضي» يعد نقصا في فهم ماهية الأدب، حيث أن الأدب يعتمد على «الكلمة» المقروءة أساسا وربما المسموعة معها.» 2-الإبداع الأدبي لا تنتجه الوسائط (الورقية أو غيرها)، ومنها الوسيطة الرقمية، بل ينتجه العقل البشرى، أيا ما تكون الوسائط. وهو ما سنسعى للبحث حوله لبيان مشروعية «الإبداع الرقمي»، والذي سينتج قارئه/ناقده حتما. كان ظهور الكمبيوتر أو الحاسبات خلال الثلاثين سنة الماضية هو بداية لعصر جديد، وهو ما أطلق عليه «عصر الانفوميديا». صحيح كان أول جهاز عام 1937م (طوله 50قدما/أكثر من ثمانية أقدام ارتفاعا)، إلا أنه في السبعينات ظهرت الأجهزة الصغيرة ثم في الثمانينات ظهرت الأجهزة الشخصية، وكان الشعار «كمبيوتر على كل طاولة مقهى». تسللت أجهزة الحواسب إلى معظم الأجهزة المنزلية والصناعية حتى في ألعاب الأطفال. ودعنا من مشاركة الحاسوب كوسيط إعلامي وحافظ للمعلومات بل ومشارك في الأعمال الفنية (كما في أفلام الكرتون للأطفال). وسوف يتغير أسلوب استخدامنا للأجهزة المنزلية، وفي المصانع بل وفي الشارع وأماكن اللهو والتسلية. سوف يصبح هذا الجهاز هو الرابط الفعلي بين الفرد والعالم. لقد عرف البعض «النشر الالكتروني» بأنه كل ما يسجل على شاشة الحاسوب أو يحفظ على حافظته، ولا يعنى بالضرورة «الإبداع الفني أو الأدبي». وهو ما شاع مع بدايات القرن الجديد (القرن الحادي والعشرون)، حيث تداخل الحديث حول التكنولوجيات الجديدة والثقافة، وأصبح القول بصناعة الثقافة، مقولة تقليدية، تعد لها الدول والمؤسسات كل العدة.. حتى أصبحت «الثقافة» مرادفة لمصطلح «التنمية». كما اتسم المنتج الإبداعي الفني والخطي (الكتابي) منذ أواخر القرن الماضي وبدايات القرن الجديد بعدد من الملامح، أهمها: الطابع الذهني، حيث إعمال الذهن، ونهاية القارئ السلبي، المطلوب هو القارئ الايجابي المشارك.. والطابع التفاعلي، وهو الذي ينتج عن مشاركة القارئ، حتى أنه الآن يتدخل المستمع في تعديل الإيقاع الموسيقي، والمشاهد في تغيير «بليته» ألوان الفنان التشكيلي.. ثم الطابع المزجي والطابع غير الخطي.. وكلها في حاجة إلى متذوق جديد، قادر على تلك المتغيرات الجوهرية. لذا يلزم على المبدع/الكاتب الغوص في أعماق الخصائص الفسيولوجية والنفسية للمتلقي مع توظيف التقنيات المتاحة. أما التناول التالي الذي يجب مراعاته فهو «إعداد المحتوى» الذي هو سلاح الكاتب الجديد بما يتلاءم مع الموضوع من خلال توظيف الإمكانات المتاحة بالوسيط التكنولوجي المستخدم. أما وقد راج الحاسوب وانتشر، وأصبح مع شيوع استخدامه في المجالات المختلفة نظرة جديدة، وإضافة حقيقية للبعد الاجتماعي والاقتصادي والتعليمي وغيرها من النشاطات الإنسانية. بدا وكأن المبدع/الكاتب شاء أن يكون ضمن المشاركين الايجابيين مع تلك التقنية الجديدة. فكانت الكتابة على شاشة الكمبيوتر بدلا عن الكتابة على الورق، ثم الحفظ داخل حافظة الجهاز..كما كانت هناك محاولات للاقتراب الشكلي من النشر الالكتروني، وذلك بشيوع استخدام أشكال ومصطلحات الكمبيوتر في الأعمال الإبداعية الورقية، كأن يكتب الروائي روايته على شكل خطابات «بريد إلكتروني»، أو توظيف المصطلح الالكتروني في العمل الأدبي.. ويذكر أن أحد الروائيين في الولاياتالمتحدة « بوبي رابيد» شاء أن يختبر النشر على شاشة الكمبيوتر، فكانت ردود الفعل وعدد القراء بأعداد مضاعفة، وكانت بداية النشر الرقمي.. وقد تعددت أشكال النشر على الشبكة من خلال «المواقع»، «المجلات»، «المنتديات»، «المدونات».. وأنجز الكاتب بتلك الأشكال مرحلة من مراحل النشر الالكتروني. وأصبحت مؤخرا الكتابة الإبداعية بتوظيف الإمكانات المتاحة للحاسوب، أو الأدب الافتراضي أو الأدب التفاعلي. قال «روبيرت كاندل: «وهو رائد الشعر التفاعلي، إنه عندما كان يقوم بنشر قصائده ورقيًا، في الصحف والمجلات، لم تكن تلقى إقبالاً يُذكر من الجمهور. كان عدد الذين يتفاعلون مع نصوصه ويقدمون له تغذية راجعة من خلال تقديم قراءة نقدية، أو التعليق عليها في الصحف، أو الحديث معه مباشرة وتبادل الآراء حول إحدى قصائده لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة. ولكنه بعد أن بدأ ينشر نصوصه إلكترونيًا، أصبح يلاحظ تزايد عدد الجمهور المتفاعل مع نصوصه، وأخذ هذا العدد يتزايد بعد أن غيّر من أدواته الإبداعية، وأصبح يحسن توظيف الآلة التكنولوجية لإنتاج نصوص أدبية جديدة تمثل العناصر التكنولوجية جزءًا أساسيًا من أجزائها التي لا يمكن فصلها عنها دون أن تفقد هذه النصوص قدرًا من قيمتها ومعانيها. قال «بوبي رابيد»: وهو واحد من الذين بدؤوا كتابة الرواية التفاعلية في وقت مبكر من العمر. أنه عندما بدأ يضع فصول روايته في موقعه على شبكة الإنترنت لم يكن يتلقى إلا ردودًا قليلة ومعدودة خلال أسبوع كامل. ثم بدأ إقبال الجمهور وتفاعله مع فصول الرواية يتزايد، وأخذ في التزايد حتى أنه بلغ عدة آلاف رسالة تصل على البريد الإلكتروني في الأسبوع الواحد، وهو عبء يفوق طاقة أي إنسان على استيعابه والتعاطي معه كما جاء في «النص المتشعب ومستقبل الرواية، د.عبير سلامة»، ولكن له دلالة إيجابية واضحة، وهي أن الإقبال الجماهيري على النصوص المقدمة عبر الوسيط الإلكتروني، والتي تعتمد على تفعيل دور المتلقي من خلال الأدوات التكنولوجية الموظفة فيها تستطيع استقطاب عدد أكبر من المتلقين، وأن إجراء مقارنة بينها وبين النصوص الورقية، أو النصوص الرقمية، أو حتى النصوص السمعية والبصرية، لن تكون نتائجه إلا في صالح النصوص التفاعلية. ولأننا إلى الآن لم نتمكن من إبداع نص أدبي تفاعلي حقيقي بالوطن العربي، لأنها لم تستطع أن تحقق أهم عنصر وهو عناصر (التفاعلية)، فإننا لن نستطيع أن نتكلم على فائدة هذا النمط من أنماط الكتابة الأدبية الإبداعية على متلقي الأدب العربي، ولكننا نستطيع أن نتوقف عند المستوى المتحقق فقط. ونخلص إلى أن ميزات النشر الالكتروني في مجملها هي: 1- اتاحة فرصة أكبر من حرية الكاتب في التعبير عن وجهة نظره. 2- إتاحة فرصة العدالة والمساواة بين المتصفحين في الحصول على المعرفة واكتسابها. 3- إمكانية إتمام الحوار والتواصل بين الكاتب والقراء. 4- إمكانية الانتشار للعمل الأدبي وزيادة عدد القراء.. وكذا المادة الرقمية. 5- حفظ المعلومات في حوافظ متنوعة. 6- تجاوز الأمية بأشكالها المختلفة في مجال الأدب والثقافة والعلوم. 7- ملاحقة الجديد في الإبداع والثقافة. 8- القضاء على جانب من سلبيات الفجوة الرقمية في الوطن العربي. 9- قلة تكلفة المنتج الثقافي في مقابل المنتج الورقي المماثل: (الكتاب الرقمي أقل تكلفة بحيث تصبح 25%من تكلفة الورقي..أسرع في الانتشار..أفضل من ناحية الإخراج الفني). 10- إتاحة الفرصة لمولد «فورم» جديد من الإبداع القصصي والشعري، وهناك عدد من التجارب التي خاضها «د.محمد سناجلة» في الرواية والقصة القصيرة، بالإضافة إلى بعض المحاولات الأخرى ل «عباس العيد» و»أحمد العايدى». 11- إتاحة فرصة اكبر للمواهب الشابة، ونشر اعمالهم المبكرة. تتعدد المزايا وتكثر، مما شجع الكاتب المبدع على متابعة محاولة توظيف خصائص الحاسوب التقنية في إنتاج أعماله الفنية، ولم يعد النشر وحده هو الميزة المتاحة والممكنة..حيث سرعة الانتشار، قلة التكلفة، حرية المعالجة، سرعة النشر فور الانتهاء من العمل. الجديد هو محاولة بعض الكتاب تجاوز الشائع ومحاولة انجاز عمل ابداعي رقمي (كما أشرنا). في البداية تمّ التعامل مع الآلة التكنولوجية (الحاسوب) بوصفها حافظة، تحفظ النصوص، وتساعد في عملية انتقالها، مع سرعة انتقالها، كما أُضيفت لها وظيفة أخرى وهي الترتيب والتنظيم. كما تم التعامل مع الآلة التكنولوجية بوصفها أداة بديلة عن الورق. ثم كان التعامل مع الآلة التكنولوجية بوصفها أداة جديدة للإبداع الأدبي، مما أدى إلى إنتاج أنواع من النصوص الأدبية المتفاوتة فيما بينها بحسب توظيف كل منها للإمكانيات المتاحة بواسطة الأداة التكنولوجية الجديدة فيها. تلك الأنواع: الأدب البصري، والأدب السمعي، والأدب السمعي البصري، والأدب التفاعلي (دكتورة فاطمة البريكي). أي كان ظهور الأنواع الأدبية المعتمدة على الآلة التكنولوجية بتدرج طبيعي، بدءًا من النوع الأبسط، والذي يمكن الزعم بأنه مجرد صيغة إلكترونية (رقمية) للنصوص الورقية الموجودة أساسًا، ثم تدرجت نحو توظيف عناصر أخرى، بالإضافة إلى الكلمة المكتوبة، كالصوت، والصورة، أو الاثنين معًا، في سبيل تقديم نماذج جديدة للنصوص الأدبية، تفيد من العنصر التكنولوجي، ولكن هذه العناصر كانت دائمًا إضافية أو تكميلية، ولم تكن جزءًا أساسيًا في بنية النص، لذلك لم يشعر كثير من المتلقين بحقيقة وجودها. كما أن إمكانية قراءة النص دونها كانت متيسرة، دون أن يفقد النص أي جزء من معناه أو قيمته الفنية. بعدما كانت «الكلمة» في المقدمة، أصبحت «الصورة، الصوت، الرسم، التلوين، ثم الكلمة». وبعدما كان «التلقين» هو الوسيلة لاكتساب المهارة، أصبح «البحث عن المعلومة» والتفاعل معها هو الوسيلة. لم يعد «ماذا تعرف عن؟» أصبح التوجه «كيف تعرف عن؟» أو «ماذا تفعل إذا؟». بداية لا يمكن إلا أن نعترف بالممكن ونخاطب الإنسان القادر على «الاختيار» وليس تابعا لأفكار ما. وفي مجال الكتابة والإبداع يجب الإشارة إلى أن مفهوم الكتابة في أي نص يتم من خلال تحليل بناء النص ذاته.. وهي مسؤولية مشتركة بين الكاتب والقارئ معا. كما أن الإبداع تعبير عن الذات ومحاولته للتحقق في هذا العالم دون أن يتخلى عن الواقع الاجتماعي المعاش.. إلا أن الإبداع له عناصره الثلاثة: الكاتب ثم القارئ ثم الناقد الذي يحلل ليرشد الكاتب إلى موطن الجمال والضعف والقوة والدلالة.. مثلما يعين القارئ على استيعاب العمل الابداعي. لذا يثار السؤال حول طبيعة النقد الرقمي وماهيته، وأيضا مواصفات الناقد الرقمي؟ ماهية النقد الرقمي لعلّ محوري النقد الأدبي الآن بصرف النظر عن النقد الرقمي، هما التعامل مع «النص» باستخدام المنهج الداخلي، بحسب ما قال به «رينيه ويلك» في «نظرية الأدب»، وهو بذلك انتقل بالنقد من المنهج التاريخي «اللانسونية» نسبة إلى «جوستاف لانسون» إلى التعامل المباشر مع النص، على أساس أنه وحدة متكاملة مستقلة.. حيث اقترب النقد من دائرة علم الاجتماع الأدبي، من خلال دراسة النص من الخارج: من خلال حياة الكاتب، وعلاقته بالمجتمع، وعلاقة النص ذاته بالمجتمع، وكلها أمور تخرج عن إطار النقد الأدبي في نظر البعض. بينما تقوم (البنيوية مثلا) على أساس استخدام وسائل وأدوات خاصة كمفاتيح لفهم النص الأدبي وتحليل مكوناته. أما المحور الآخر في نقد النص الأدبي، فهو ما قدمه «النقد الثقافي» بالنظر إلى النص، وكأنه مغلق على ذاته، ولا شيء خارجه، وفي الحين نفسه يعلن عن إمكانية الاستفادة من المناهج التي تتناول الخلفية التاريخية، وتأويل النص، والاستفادة من الموقف الثقافي النقدي. فيما ينظر إلى مستقبل الكتابة أنه مرتبط بشكل مباشر بنوع الحياة التي يعيشها الإنسان، وقدر المتغيرات التي بدأت تمس حياته. لعل جوهر التغيير في الفنون كلها عموما، وقد بانت بشائرها هو تحولها من الفن البسيط إلى الأكثر تعقيدا..تحولها من التقديم البسيط للخبرات والرؤى إلى فنون تستوعب الخبرات ولا تقدم حلولا جاهزة أو معان محددة بقدر ما تقدم إثارة ما لخبراته أي يصبح المتلقي مشاركا أكثر عما قبل وبالتالي أصبح من الضروري الاستعانة بفهم نقدي يعين الكاتب والقارئ معا. هناك عدد من المهام على النقد الرقمي التعامل معها، وبانجاز تلك المهام تتحدد هويته من خلال وظيفته، مع الوضع في الاعتبار أن المقصود ليس النقد الرقمي الأدبي وحده. ربما كانت «صعوبة» التعامل مع الإبداع الرقمي، هي المهمة الأولى.. صعوبة قراءة عمل جديد طويل (مثل الرواية) أو حتى قصير (مثل القصيدة) على شاشة الحاسوب يرجع بداية إلى عدم الاعتياد على القراءة المباشرة على شاشة الحاسوب.. فضلا عن كون العمل الابداعي الرقمي، غير تقليدي، فهو ليس سرديا بالكامل، وليس موسيقيا أو مشهديا بالكامل أيضا.. إلا أن تلك الصعوبة تخص أولئك الذين اعتادوا على القراءة من خلال الكتاب الورقي المطبوع، هؤلاء سيجدون صعوبة في التأقلم مع القراءة من خلال شاشة الكمبيوتر، وهي صعوبة مؤقتة سرعان ما تزول مع الاعتياد على القراءة من خلال شاشات الكمبيوتر، إن العلاقة بين النص ومتلقيه هي علاقة جدلية، وتعتمد على الطرفين، وحالة من التفاعل المشترك بين النص والمتلقي.. وليس من حل سوى أن يتولى النقد الرقمي تحليل مبررات تلك الصعوبة المفترضة، هل من طول مدة القراءة، أو طول العمل، أو طبيعة وجوهر العمل الابداعي (مملا فتكون قراءته صعبة.. وهكذا) بالتالي فإن مهمة النقد الرقمي هي إرشاد الكاتب والقارئ إلى مواضع المتعة في الإبداع الرقمي، والتوجيه لتجاوز تلك الصعوبة. - التعريف بأسرار العمل الابداعى الرقمي، أي تقريبه إلى القارئ العادي مع شرح المصطلحات المتداولة، مع المفاهيم والتقنيات المستخدمة، وهي المهمة الأخرى التي يجب على النقد الرقمي التصدي لها. وبذلك يزكى المتعة التي هي الهدف الأسمى من العمل الابداعي.. فالمؤثرات البصرية والسمعية المستخدمة كفيلة بأن تجعل القارئ في حالة من المفاجأة المستمرة، والترقب. فقارئ الإبداع الرقمي سوف يجد عالماً جديداً، فيه من التقنيات الفنية ما يتقابل مع فنون أخرى غير فنون الكلمة، مثل «المونتاج» و»المكساج» و»الموسيقى التصويرية»، و»الإخراج الفني»، بالإضافة إلى توظيف تقنيات الكمبيوتر نفسها..مع توظيف برنامج «الفلاش ماكرو ميديا». والعارفون بدهاليز التقنية وتطوراتها المتلاحقة في العالم يعرفون أن برنامج الفلاش هو مستقبل برامج تصميم صفحات الويب في العالم، وقد عبر «سناجلة» عن هذه الفكرة في حوار معه حول تجربته الإبداعية الرقمية: «إنه في اللغة المستخدمة في كتابة رواية الواقعية الرقمية لن تكون الكلمة سوِى جزء من كل، فبالإضافة إلى الكلمات يجب أن نكتب بالصورة والصوت والمشهد السينمائي والحركة. كما أن الكلمات نفسها يجب أن ترسم مشاهد ذهنية ومادية متحركة، أي أن الكلمة يجب أن تعود لأصلها في أن ترسم وتصور، وبما أن الرواية أحداث تحدث في زمان ضمن مكان، وهذه الأحداث قد تكون مادية ملموسة أو ذهنية متخيلة فعلى الكلمات أن تمشهد هذه الأحداث بشقيها. وعلى اللغة نفسها أن تكون سريعة، مباغتة». - وضع المعايير المساعدة على إبراز خصائص العمل الابداعى الرقمي، فلا يقل أهمية عما سبق من مهام نقدية. ففي جنس الرواية الرقمية (مثلا) يفضل إلا تزيد عن خمسين صفحة (إذا اعتبرنا أن قراءة ومتابعة الصفحة تحتاج إلى دقيقتين على الأقل لقراءتها، أي تحتاج الرواية إلى مائة دقيقة وهي فترة مناسبة جدا ومع عناصر التشويق لن يشعر القارئ بالملل)..كما أن استخدام الجمل القصيرة، والحوار السريع المختصر... بالإضافة إلى توظيف الكلمات الخبرية التي ترسم الصورة أفضل في الدلالة عن تلك الانشائيه. - شرح وتوضيح البرامج والتقنيات المستخدمة في العمل الابداعي الرقمي، مع إبراز مزاياه وضروراته في العمل، كإضافة فنية وليس حلية جمالية أو استعراضية لإمكانات المبدع الرقمي. - توعية الأجيال الجديدة لتفادي سلبيات «الواقع الافتراضي» مع التوعية بمزاياه، حيث أن الواقع الافتراضي ينقسم إلى ثلاث حالات..»واقع افتراضي يخلق حالة من التوحد الكامل بين المستخدم والحاسوب، بحيث لا يشعر سوى هذا العالم المصنوع، وبقدرته على التعالم داخله بمقدره وبساطة وحرية، بينما لا يستطيع المستخدم الانفصال عن واقعه الافتراضي، فور مغادرة الحاسوب، ويبقى معلقا بواقعه الافتراضي»..و»واقع افتراضي محدود، تلك التي بين المستخدم وأجهزة المحاكاة (simulators) مثل أجهزة قياس تأثير الجاذبية الأرضية»..و»واقع افتراضي خارجي، حيث يعيش المستخدم مع شاشة الحاسب، منفصلا دون الشعور بالتواجد داخل واقعه المصنوع، كما يظل المستخدم معلقا، إلا أنه قادر على الانفصال فور مغادرة المستخدم للجهاز .» - الكشف عن عقبة «التكنو اجتماعي»، وهي العقبة الناتجة عن بروز بعض المشكلات عند تماس ما هو تكنولوجي وما هو اجتماعي وسلوكي، ليقوم النقد الرقمي بشرح الحقائق والبحث عن الحلول. - الدعوة إلى توفير المعلومات والبيانات والإحصاءات، والسعي لفض الاشتباك بين المعلوماتية والبيروقراطية ونظرة التخوف والشك مع المعلوماتية. - البحث عن الأسئلة المتجددة في الساحة الرقمية..ماذا نريد من المعلوماتية؟ ما المشكلات الواجب مواجهتها بالمعلوماتية؟ ما هي الطموحات في المجالات المختلفة وحلها بتوظيف المعلوماتية؟.. وغيرها من الأسئلة التي تتوالد عنها. أما الواقع الافتراضي فله خاصية «التواجد الحميم» للمستخدم، حيث يعيش المستخدم في حالة خاصة لا يشعر (غالبا) بالزمان والمكان، متعلقا بحالته الجذابة مع عدم النفور منها بمضي الوقت بل يشعر بارتباط جاذب حتى بعد أن ترك الجهاز.. كما أن المستخدم يبدو دوما على حالة من التفاعل والانجاز، نظرا لقدرته على التعامل الناجح مع الجهاز. لذا تبدو مزايا الواقع الافتراضي متعددة، منها تلك التي توفرها أجهزة محاكاة أنظمة يصعب التواجد داخلها أو الاقتراب منها مثل عوالم الأجرام السماوية.. بينما توجد محاكاة بأجهزة يلزم التواجد داخلها مثل تدريبات الطائرات والسيارات وغيرها. وهو ما يعني أن من مزايا الواقع الافتراضي توفير النفقات في إنشاء الأنظمة المعقدة، مع إمكانية الاتصال الزماني/المكاني وهو ما يتضح في عروض نمط الحياة للثقافات المغايرة والتي تعرض لفترة زمنية قديمة، بينما وسائل الاتصال السمعية والبصرية المتاحة تتيح الاتصال المكاني فقط. أما سلبيات الواقع الافتراضي، والتي يجب على الناقد الرقمي ملاحقتها والتوعية بتأثيراتها السلبية..مثل بعض الألعاب التي قد تؤدى إلى إدمان الجلوس أمام الجهاز مثل لعبة «دووم» وقد ينشأ الصغير على عدم التفرقة بين ما هو واقعي/ حقيقي وما هو خيالي/افتراضي. وقد يؤدى هذا الواقع الافتراضي إلى توليد حالة من الإجبار العقلي أو غسيل المخ. - البحث في جوهر ودقائق خصائص الثقافة الرقمية.. لم يعد «النقد» منفصلا عن جوهر العملية الإبداعية، بحيث بات على النقد دراسة قضايا «غلبة الصورة على الكلمة في الثقافة الرقمية، آفاق الانجازات المتوقعة بفضل توظيف التقنية الرقمية..وغيرها». لعله من المناسب الآن الاقتراب من بحث تعريف هوية النقد الرقمي هو: «التناول الموضوعي الواعي بأسرار التقنيات السردية/المشهدية، بالإضافة إلى أسرار التقنيات التكنولوجية، في تحليل العمل الابداعى الرقمي، وإبراز عناصره الأولية التي شكلته، ثم بيان قدرة المبدع الرقمي في توظيف هذا العنصر أو ذاك، وبأي درجة نجاح تحقق توظيف هذا العنصر في البناء الكلي للعمل الابداعي الرقمي.» ولعل هوية النقد الرقمي..»جملة أدوات الناقد الرقمي ووسائله المتاحة في فهم وتفسير العمل الابداعي الرقمي، منها المدخل التقني البحت، أو المدخل الابداعي البحت، وأخيرا المدخل المزدوج سواء التقني والجمالي في تعامل الناقد الرقمي مع العمل الرقمي.» بذلك قد يتفق النقد الرقمي مع النقد الأدبي المتعارف عليه في كونه.. يرفض أحكام القيمة، أي إطلاق الحكم المطلق بأن العمل سيء أو جيد، بل يعتمد على التحليل وإبراز مواطن القوة والجمل ومواطن الضعف دون إصدار أحكاما نهائية. وأيضا يمكن أن يتفق مع النقد الأدبي التقليدي في تنسيب العمل الابداعى الرقمي إلى مذهب ما كأن يكون العمل رومانسيا أو واقعيا أو اجتماعيا..بينما لا يتفق مع النقد الأدبي السردي في تنسيب العمل الابداعي الرقمي إلى مدرسة أدبية ما مثل البنيوية والشكلانية والتفكيكية (تلك التي تعتمد على الأسلوب، أي الكلمة وتركيبتها). هكذا قد تقترب هوية النقد الرقمي من النقد السينمائي والمسرحي، وتبتعد قليلا عن النقد الأدبي السردي.